العدد 4501 - الجمعة 02 يناير 2015م الموافق 11 ربيع الاول 1436هـ

التشكيلية فريال الأعظمي: لا ترفع وشاح ألواني هناك ينام وطن

صورة أرشيفية من حفل توقيع كتاب الأعظمي في مركز الشيخ إبراهيم
صورة أرشيفية من حفل توقيع كتاب الأعظمي في مركز الشيخ إبراهيم

دشنت الفنانة التشكيلية فريال الأعظمي أخيراً كتابها الفني «لا ترفع وشاح ألواني، هناك ينام وطن» الذي يضم مجموعة من الأعمال الفنية الحروفية للأعظمي بالإضافة إلى نصوص للشاعر لؤي طه، مع قراءة نقدية للفنان التشكيلي محسن الذهبي التي راح فيها يتتبع تظافر الفن التشكيلي مع بدايات التجديد الشعري، راصداً ما لدى مبدعي الحرف العربي من اجتهادات فنية تحيي ذاكرة الحرف، وتعيد إليه وقدة الإبداع، مشيداً بالجهد الفني والدؤوب الذي راكمته الفنانة الأعظمي على مدى رحلتها الفنية، وليضع تجربتها في إفقها الإبداعي وإطارها الفني.

فضاءات «الوسط» تمعن النظر في الكتاب عبر هذه الوفقة التي تستقرئ الكتاب وتتفحصه وتستكشف ما وراء الألوان والحروف من دلالات ومعاني، وربما أشياء أخرى نثرتها الفنانة بين ثنايا الكتاب وفي عمق اللوحات.

ذاكرة الغربة

في إهدائها وقعت الفنانة الكتاب بهذه الكلمات «معكم أفقد ذاكرة الغربة لأنكم وطن» هكذا يكون العمل الفني ذاكرة أخرى تسرح الإحساس بالغربة وتبددها، تماماً كما هي ناقة طرفة التي يزجي بها الهم عند احتضاره، ويظل يروح ويغتدي ضارباً في الأرض عصا الترحال صانعاً لنا هذه الغلالة عبر هذا النص الجميل، وهكذا المبدع دائماً كلما راوحته الهموم وجه إلى أبيض المدائن عنسه على طريقة البحتري في سينيته، والذي لم يكن ليكتفي بالدخول إلى مدائن التاريخ بل راح يستقرئ أثارها ويتفحص بقايا الصور والخطوط بيديه، إذن هكذا تتبدد الهموم وتتسرح الغربة بطريقة إبداعية من هم إلى رحلة، ومن رحلة إلى صناعة لوحة فنية، ومنها إلى كتابة نص آخر.

لعبة تداولية

في هذا الكتاب تشهد العمل الفني وهو يتجول في لعبة تداولية لا تكف عن الدوران والانتقال من أفق إلى آخر، مشكلة دائرة من التعالقات الفنية المستمرة، حيث تشهد العمل الفني وهو ينتقل من فكرة ذهنية بارقة في لحظة ما، إلى يد الفنانة الأعظمي وهي تتعالق بألوانها وحروفها مع نصوص الشاعر محمود درويش، ومن يدها إلى جدران المعرض في عمارة بوزبون بالمحرق، ثم إلى قراءة الفنانين المشاهدين للمعرض، بعدها، إلى تعالق آخر مع الشاعر لؤي طه ثم إلى عيون المصور وهو يتخذ لكل عمل فني زاوية ما تفتح الأفق للتأويل وترينا بعداً آخر يكمن في العمل الفني ربما لم نلتفت إليه، ثم بعدها إلى يد المصمم وهو ينثر اللوحات والكلمات ويوائم بين الألوان والأشكال في فسحة هذا الكتاب، وهكذا لا تكف اللعبة التداولية في الدوارن حتى لحظة قراءة هذه الكلمات.

ما وراء لعبة اللون

حين تتأمل الأعمال الفنية التي اتخذت موقعها في الكتاب يأخذك اللون الأزرق الذي يملأ المكان في خلفية اللوحة وكأن الحروف والأزرق يطوقها قد استقرت في قاع البحر، أو وسط الأمواج، وأخذت ألوانها المتدرجة من زرقته الخلابة، التي تخبئ الكثير، وكما أن البحر يخبئ الكثير في عمقه فكذلك الحروف في نثرها وطيها تخبئ الكثير من المعنى، وفي اصطراعها وتداخل معانيها تكون تماماً كلعبة الموج الهادر الذي ما إن يثور حتى يهدأ ونتكشف ما وراءه، وماذا ترك من بقايا، ونرى كيف تعود الحياة مرة أخرى من بعده، وهكذا هي الحروف وعالم الأفكار والأشياء في صراع دائم وموج هادر حتى يتم إعادة الحياة وتشكلها من جديد ليمنحها الأزرق السماوي الفاتح التفاؤل والنقاء الذي يحمل الأمنيات إلى أفق جميل.

ما وراء لعبة الشكل

على مستوى الشكل دائماً ما تشكل الحروف أقواساً جميلة في انتظامها، كذيل سمكة أو كفلقة قمر لما يكتمل بعد، أو دائرة كاملة مرة باللون، الذهبي ومرة باللون الأحمر الدافئ ووسطها رمانة تأخذ الحروف منها اللون والاستدارة والتي تتحول في بعض اللوحات إلى زجاجة عطر، أو بما يحيلك على أجواء جميلة خلابة، وهذا ما يفعله العمل الفني حين ينقل المتلقي إلى أفق من الذكريات العذبة، وحيناً آخر ترى الحروف وقد اتخذت اللون الخشبي لتعود مرة أخرى إلى طبيعتها مع الخلفية الخضراء وكأنها تعود لحالة الشجرة التي كانت عليها قبل أن تتشكل في حروف تعزف المعنى في جو صوفي جميل، وكما أن عزف الناي لدى جلال الدين الرومي ما هو إلا حنين إلى الشجرة الأم، كذلك هذه الأحرف بعد أن تعبأت بالأحمر والأزرق، والبنفسجي، ها قد عادت للونها الخشبي وهي وسط الخلفية الخضراء لتحيلنا إلى هذا الحنين الأخاذ للشجرة الأم وللأرض والوطن الذي بما يبدد الغربة، وبهذه نكون القراءة نكون قد رفعنا وشاح الألوان لنكتشف أن هناك وطن ينام في الذات ويختلج في عمق الذاكرة دائماً.

العدد 4501 - الجمعة 02 يناير 2015م الموافق 11 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً