العدد 4501 - الجمعة 02 يناير 2015م الموافق 11 ربيع الاول 1436هـ

خوش حال في أفغانستان!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خوش حال. وتُكتَب أيضاً هكذا: خوشحال خان. هي ضاحية أو بلدة فقيرة وبلا شوارع مبسوطة في غرب العاصمة الأفغانية كابل. إذاً، هي ليست لفظة عامية كما يعتقد البعض، نتداولها لوصف الأوضاع الجيدة، أو حتى السيئة إذا ما أردنا التهكُّم منها.

أذكر هذه المنطقة في أفغانستان لأن ما يعنيني فيها هو رجلٌ واحد من ساكنيها: إنه الملا عبدالسلام ضعيف، سفير حركة طالبان السابق في أفغانستان. وهي الحركة التي حَكَمَت بين عامَيْ 2001م - 2006م، قبل أن يُسقطها الاحتلال الأميركي لأفغانستان.

حديثي عن الملا ضعيف مرتبط بصدور مذكراته المُعنوَنة بـ حياتي مع طالبان، سواء عندما كان موالياً أو مبتعداً عنها. الكتاب يقع في 391 صفحة من القطع الكبير، وقدَّم له مُحرِّران خبيران هما أليكس ستريك فان لينوشتن وفليكس كويهن، وكلاهما يتقنان العربية فضلاً عن الفارسية بالنسبة للأول. المشترك بينهما أنهما رحَّالة، زارا ومكثا في أفغانستان لدراستها جيداً، بالإضافة إلى العديد من الدول الإسلامية الأخرى.

الكتاب رُقِّمت مقاطعه كبديل عن الفصول. فكان الحديث عن الولادة ثم المخيمات ثم فترة الجهاد ضد السوفيات وعلاقة الاستخبارات الباكستانية بذلك، وبداية نشوء حركة طالبان وبداية عمله الدبلوماسي في إسلام آباد، وقصة أسامة بن لادن وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم تراجيديا الاعتقال في غوانتانامو إلى خروجه ثم تحليله للوضع.

عندما تقرأ الكتاب تستطيع أن تحدد الكثير من الأشياء التي كنتَ تعتقد بها ثم تتفاجأ بخطئها، وبالتحديد تلك المتعلقة بتشريح ذلك البلد المهدَّم (أفغانستان) بدءًا من جغرافيته الداخلية الدقيقة، وانتهاءً بآركيولوجيا تلك السهوب والجماعات الإثنية.

وربما تجربة المُحرِّريْن للكتاب (أليكس وكويهن) تعزز ما أقول. فهما وعندما قاما بترجمة الكتاب وتدقيقه، جعلا من الخرائط والأحداث التاريخية دالة مهمة للقارئ كي يتصوَّر «المسافات والأماكن الموصوفة في النص، وخصوصاً» أماكن الجنوب الأفغاني الملتهِبة.

والحقيقة، أن الدول والمجتمعات التي تعيش انقساماً عرقياً يصعب قراءتها كفصل واحد، بل عليك أن تعيد رسم صورتها عبر وضع قصاصات وجهها بتأنٍ ورويَّة كي تخرج بصورة الوجه الذي تستطيع من خلاله التمعن في القَسَمَات ورؤية الندوب والتجاعيد كما يجب.

وربما يعتقد كثيرون، أن أشخاصاً متشددين كالمنتسبين لحركة طالبان (أو حتى الذين كانوا منتسبين لها كـ الملا عبدالسلام ضعيف) قد لا يُعيرون أي اهتمام للإرث القومي لبلدانهم، إذا ما اعتُبِر قادة البلاد التاريخيين من خارج السَّمْت الديني أو العرقي حتى.

لكن هذا الأمر بدا ليس صحيحاً. فخلال استعراضه وتمجيده لأفغانستان يُعظِّم الملا ضعيف من شخص أحمد شاه بابا (1722م – 1772م) الذي «حَكَمَ مملكة امتدت من الهند إلى شرق فارس» أو مرويس خان «مؤسس سلالة هوتاكي الذي قاد ثورة القبائل».

قد يكون الملا ضعيف اليوم «ضعيفاً» فعلاً، حيث يخضع لرقابة شديدة ويمتهن الزراعة وتربية الماشية قرب مسكنه غرب العاصمة كابل، وقبلها سجين يحمل الرقم 306 في محبس غوانتانامو، إلاَّ أن أحداً لا يستطيع أن يتجاهل أنه كان الناطق الوحيد باسم حركة طالبان إبَّان فترة الصراع.

فموقعه كسفير لها في باكستان، التي تعتبر العمق الديني والثقافي والسياسي والاقتصادي لأفغانستان جعله مضطلعاً على أدق تفاصيل الصراع في لحظة مفصلية. وكان مؤتمره الصحفي اليومي، مقصداً لكبرى وكالات الأنباء العالمية حينها، رغم موقعه الآن والذي هو بعيد عن الانتماء إلى حركة طالبان.

وبالمناسبة فإن الملا ضعيف ليس الوحيد من قيادات الحركة الذين اختاروا الانزواء إلى الظل، بل هناك كثيرون من قيادتها ممن آثروا الابتعاد عن مفاهيم وتنظيم الحركة. وربما يستذكر المرء الملا قاسم حليمي الذي كان قريباً للملا عمر زعيم الحركة، ومدير تشريفاته، وقد شَغِل بعد تركه الحركة منصباً قضائياً في المحكمة العليا، وكذلك وزير خارجية طالبان الملا وكيل متوكل، فضلاً عن مولوي قلم الدين رئيس شرطة الآداب فيها.

من الأشياء التي تعلَّمها الملا ضعيف من الدبلوماسية هو قدرته على الإجابة دون أن تكتشف بسرعة أنه يريد أن يبعث برسائل محددة، ودون أن يكون مضطراً لأن يذكر تفصيلات، أو أن يمنحك معلومات مجانية قد تكون دليلاً ضد ما يُؤمن به هو وغيره.

في وقت سابق وعندما سُئل: مَنْ يُساعد طالبان؟ كانت إجابته دقيقة جداً. هو قال: أفغانستان مُحاطة بست دول، جميعها تعتبر القوات الأميركية غريبة عن هذه الديار، بما فيهم الروس والصينيون والإيرانيون». ومن بين تلك الإجابة «قد» تكتشف أشياء مخفية.

لكن هذه الدبلوماسية لم تكن حاضرة أبداً عند حديثه عن أيام السجن الـ 1245 منذ تسليمه من قِبَل باكستان مروراً بوصوله إلى السفينة الحربية الأميركية الراسية في البحر، ثم في قاعدة باغرام الجوية بأفغانستان وانتهاءً بسجن خليج غوانتانامو، حيث تحدث ضعيف بصراحة عن لحظات صعبة عاشها وعن مفارقات ما بين كل مرحلة.

الكتاب مهم جداً. فهو إلى جانب سرده للأحداث والشخصيات الفاعلة فيها وما دار في الكواليس، إلاَّ أنه يمنح القارئ رؤية قد تكون عامة لدى كثير من الأفغان حول مشروع الدولة الحالي في كابل، الذي يحتاج إلى كثير من العمل كي تتغير صورته أمامهم، ومن بينهم الملا ضعيف نفسه، الذي وصفها في أبيات شعر كتبها في سجن غوانتانامو بأنها «جعلت الأحرار عبيداً».

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4501 - الجمعة 02 يناير 2015م الموافق 11 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:39 ص

      الملا ضعيف و غير ضعيف

      من امثاله هم عبارة عن ناس اميين جهلة لا يفهمون من الدين الا القتل و الاغتصاب و تحريم الصور بل وكل العلوم الاخرى من التلفاز الى الراديو الى الى الى قتل الثقافة و تدمير الحضارة والارث التاريخي لبلدانهم وهم من جلب العار للاسلام ولنبيه الكريم ص فمهما حاول البعض من تلميع تلك العصابة فلن يفلح لان تاريخها اسود وما حادثة قتل الطلبة قبل شهر في الباكستان الا دليلا ناصعا على ان طالبان هي عصابة مجرمة لا غير .
      علي جاسب . البصرة

    • زائر 5 زائر 4 | 9:18 ص

      ملاحظتان

      الأولى ان طالبان افغانستان تختلف عن طالبان باكستان لذا راينا ان الاولى استنكرت ما فعلته الثانية
      الثانية هي ان الملا ضعيف لا ينتمي الان لطالبان لذا تراه يتحدث بخطاب مختلف
      لو تقرا الكتاب افضل . والناس أعداء ما جهلوه

    • زائر 3 | 6:07 ص

      وضعت اصبعك علي الوجع

      في الفقرة الاخيرة تقول كتب شعر يقول فية ( جعلت الحرار عبيد ) وللاسف بايدينا و بناس محسوبين منا

    • زائر 2 | 2:33 ص

      يا بو زيد

      كأنك يا بو زيد من غزيت!! دخل الامريكان وخرج الامريكان

    • زائر 1 | 1:37 ص

      لفت نظري العبارة التالية..

      "منذ تسليمه من قِبَل باكستان مروراً بوصوله إلى السفينة الحربية الأميركية الراسية في البحر"...الصحيح ان المخابرات الباكستانية باعت الكثير من الافراد الغير باكستانيين الي المخابرات الامريكية وبعضهم من البحرين ودول الخليج الذي تصادف وجودهم هناك من اجل المساعدات الانسانية ولكن انتهي بهم المطاف في معتقل سجن غوانتانامو

اقرأ ايضاً