نحتاج إلى أن ننجو من هذا القلق. من هذا التصعيد الذي يكاد يهوي بنا إلى هوة سحيقة، وذلك ما يفعله. قلقٌ في تفاصيل حياتنا التي تتسرب من بين أيدينا وكأننا لم نكن هنا. لم نعش الحياة، ولم نكن طرفاً في تفاصيلها. قلق افتعال المؤامرات، وافتعال الاستهداف. وهو افتعال يأتي من الطرف الذي بيده القوة والأدوات والإمكانات، وفوق كل ذلك له في نص خلق المآسي وتناسلها الشيء الكثير.
لا يمكن لأي مخلوقٍ على هذه الأرض أن يشعر بتفاصيل حياته، خيراً أو شراً وهو منقبضٌ في داخله. كيف سيتمكن أن ينبسط على الخارج من حوله؟
لا يمكن لأي مخلوقٍ أن يبشّر بالسعادة وهو في عمق التعاسة والمأساة، أو أحد الذين يصنعونها. لا يمكن لأي مخلوقٍ أن يكون متفائلاً في ظل ما نشهد من تحبيطٍ وصناعةٍ لما يدل ويدفع إلى التشاؤم. لا يمكن أن نتحدث عن القوة في ظل هذه المهرجانات المفتوحة على التشظية والتفريق والتمييز. لا يمكننا أن نتحدث عن المستقبل ونحن في عجزٍ شبه كليٍّ عن التعامل مع البسيط من متطلبات الحاضر وشروطه، وفي انشدادٍ ساذجٍ للجانب الحالك من ماضٍ تَرِكَته مرهقةٌ ومكلفة.
ثم إن الحياة - بذلك القلق - حين تتحول إلى صورةٍ تجريديةٍ لا يمكن لأي عابرٍ أن يستدل عليها، قبل الحديث عن الاستدلال بحياة بشرها. كما أن محاولة الدفع بالبشر إلى مستويات قلقٍ منهكةٌ لأي قدرةٍ على التحمل، لن ينتج عنها إلا الاستغراق في البحث عما يؤجل الطبيعة فيهم، لينحازوا بوعيٍ أو دون وعيٍ إلى الشاذ والمؤذي والمُفجّر للأدنى من تلك الطبيعة التي هي بمعنى أو آخر خزّان التوازن الذي لن يتحقق بهيمنة وامتداد وتغلغل ذلك القلق.
وكما هو معروفٌ وبديهي، في القلق اغتراب، وفي الاغتراب انفصالٌ عن إمكانات الفرد والجماعة والأمة في تحقيق ما تقدر عليه. فيه نفضٌ لليد من المبادرات والقدرة على التصور وتحمّله بالطريق والنتائج التي يمكن أن تتحقق.
قلقٌ كالذي نعنيه لا صراع فيه تتحدد من خلاله مساراتٍ وخيارات. إنه محاولةٌ لمحو تلك المسارات ونسف الخيارات. وكيف لبشرٍ أن يحقق غاياته وتطلعاته وأهدافه وهو في معزلٍ عن مسار وخيار؟
وفي القلق أفقٌ لا يمكن رؤيته. ومتى عُرف الناس من دون أفق؟ ولمن خلق الأفق أساساً؟ ألأجل أن ننشغل بالتراب، والهاويات والبقع المظلمة؟ ألم يوجد الأفق باعتباره تمريناً يومياً للإنسان كي لا ينسى قامته ومقاومته وقدرته على تحدي المجهول والمعلوم من حوله؟
تاريخٌ يكاد لا ينتهي من ذلك القلق، ويبدو أن جهاتٍ وأطرافاًـ في حياتنا لا تريد لذلك التاريخ وفصوله أن تعرف حدوداً للنهايات. ليست أي نهايات. النهايات التي ينشأ عنها استقرارٌ، وعودةٌ طبيعيةٌ للحياة والناس في ممارسة تفاصيلهم في حدود المعقول والمشروع: أن يتنفسوا كبقية المخلوقات من دون حاجة إلى أدوات مساعدة، وأجهزة لاصطناع الحياة. أن يتمكنوا من ممارسة فرحهم الضروري وليس الترفيهي العابر، فمثل ذلك الفرح له من الخبرات ما يكفي لطعن الناس في مقتل بالخيبات وما يتجاوزها بكثير.
ومثلما لكل حكايةٍ فصول، للقلق فصوله، ضمن ما نعيش ونختبر ونبتلى، وآن لتلك الفصول أن تنتهي في سرد حياة بشرٍ يختبرون الموت يومياً بفعل قلقٍ في درجات استدراجه الخبيثة إلى موتٍ مفتوحٍ أوجد أفقه الخاص وإن كان صناعياً.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4501 - الجمعة 02 يناير 2015م الموافق 11 ربيع الاول 1436هـ
الحل هو
الحل هو تطبيق القانون على الإرهابيين و على من يسرق المال العام كذلك و إلغاء الجمعيات السياسية الطائفية السنية و الشيعية و منع رجال.............. من التدخل في الشأن العام و تطبيق العلمانية بكل حذافيرها
القلق!
يُرى القلق داء ينخر النفس البشرية ، و يُغلق عليها زنازين يأسها ، و كُوى تمُدّها ببصيص الضوء ، بفتح عليها شرفات التشاؤم بكل مداراتها ، ويسدّ دونها تيارات الهواء يَدفُقها بالحياة دفقة بعد دفقة ، لكن الكاتبة لم تغفل في واقع اليأس و البُؤس أن تنظر ماوراء القلق ،نظرة تبني ما يهدّ أعمدة القلق ، و أبنية التشاؤم ، بهوى الامل، كأنما لسان حال الكاتبة كما قال الشاعر :
" الأرض أرّقها الحنين إلى الربيع ، إلى أنام يهجرون دموعهم
ويسافرون إلى المروج يدجّجون قلوبَهم بهوى يُرقرقه الكمال "
كتابة تُشتَهَى !
فاتحة صباح مشتهاة ، تذرع المقالة جيئة و ذهابا ، فما تجد سوى العبارة المنتقاة ، و سلامة اللغة ، فلا غُبار عليها شكلا ، أمّا مضمونها فنظر في مفهوم القلق وامتداده فينا حغرا في انكساراتنا معه و به ، و تطويقا لآثاره المدمّرة على الفرد و الجماعة معا ، وإقرار بالحاجة إلى وَأْده ، واستقصاء لسبل استئصاله فالبُرْء منه ، لكن في مراوحة عجيبة تمزج بين هذا و ذاك ، تنظر بنت دهنيم في القلق الوجودي مشتركا إنسانيا عامّا، ولكنّ الخطاب يطوي في ثناياه قلقا اجتماعيا \\سياسيا يكاد يلتهم الجميع .