العدد 4499 - الأربعاء 31 ديسمبر 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1436هـ

فلسطين التي تعود آخر العام

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع اليوم الأخير من العام، بذل الفلسطينيون محاولة جديدة وأخيرة طلباً للإنصاف من المجتمع الدولي، بتقديم مقترح بإعلان إنهاء احتلال بلادهم الذي طال 66 عاماً.

اقتراح في منتهى العدل والتواضع والشفافية والوضوح: إنهاء احتلال بلد محتل، كخطوةٍ أولى على طريق الاعتراف بهذا الظلم التاريخي، الذي حاق بالشعب الفلسطيني، وكان العالم يتفرج كشاهد زور.

وكما كان متوقعاً، وقفت الولايات المتحدة ضد مشروع القرار، وأعلنت رفضها المسبق وهدّدت باستخدام «الفيتو»، فيما امتنعت عن التصويت حليفتها بريطانيا، التي تلاحقها وصمة العار في أكبر عملية تسليم بلدٍ، من طرفٍ لا يملك، إلى طرفٍ لا يستحق، في فترة سطوتها الاستعمارية التي طالت عشرات الدول في قارات آسيا وإفريقيا وأميركا، وبعضها كانت مساحته تفوق مساحتها بعشرات المرات.

إلى جانب أميركا، صوّتت أستراليا ضده، بينما امتنعت أربع دول (ليتوانيا، رواندا، كوريا الجنوبية ونيجيريا) إلى جانب بريطانيا، بينما حظي القرار بتأييد خمس دول: الأردن، الأرجنتين، تشيلي، تشاد، لوكسمبورغ، إلى جانب ثلاث دول دائمة العضوية بمجلس الأمن: روسيا والصين وفرنسا. وبسبب عدم الحصول على تسعة أصوات لإقراره، لم تضطر أميركا لاستخدام الفيتو لإسقاطه.

استقبال القرار بهذه الطريقة المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، وعلى يد أكبر دولةٍ تتزعم الديمقراطيات في العالم، عارٌ جديدٌ على هذه الدولة المنافقة وأشباهها من الدول، التي تتلاعب بمصائر الشعوب الصغيرة. وهي الدول ذاتها التي وقفت طوال العقود الخمسة الماضية، في وجه الشعوب الطامحة للحرية والاستقلال، من فيتنام شرقاً، إلى تشيلي ونيكاراغوا غرباً، وما بينهما من عشرات الدول في شرق إفريقيا وغربها.

حتى في جنوب إفريقيا، وقفت هذه الدول، بريطانيا وأميركا، ضد نضال الشعب من أجل تحرّره من نظام الفصل العنصري «الابارتهايد»، وكانتا تتهمان زعيم الحركة التحررية السجين يومها، نيلسون مانديلا بالإرهاب، حتى بداية الثمانينيات. لكن إصرار الشعب الإفريقي وإيمانه بعدالة قضيته، واستمراره في نضاله بلا كلل، أدّى إلى تجاوز هذه العقبات الكأداء، حتى تمّ التحوّل باتجاه ولادة نظام ديمقراطي، وتجاوز النظام العنصري بأدرانه وخطاياه.

فلسطين اليوم، ومع نهاية العام، تعود إلى الواجهة مجدّداً، من باب المطالبة بإنهاء الاحتلال، حتى لو كان مشروعاً ناقصاً، أو دون الطموح، أو لم يحقّق إجماعاً وطنياً، بسبب التطاحن الداخلي، وسيادة الروح الفصائلية والصراعات الحزبية القديمة، وعدم تغليب اسم «فلسطين» على «حماس» و «فتح»، وهو مرضٌ فلسطينيٌ قديمٌ يدلّ على عدم النضج السياسي والارتقاء إلى حجم المسئولية الوطنية.

ما يعوّض ذلك ويخفّف آلام الفلسطينيين، هو هذا التعاطف الدولي مع قضيتهم العادلة، في أعقاب الحروب الأخيرة، حيث انتقل من الشارع إلى البرلمانات، حتى شهدنا تصويت عدد من برلمانات الدول الغربية، وفي مقدمتها الدولتين الاستعماريتين الكبريين بريطانيا وفرنسا، على مشروع غير ملزم بالاعتراف بدولة فلسطين. إنها تلك التحوّلات الصغيرة والتدريجية، التي تتراكم حتى تنتهي إلى تغيّر تام في المواقف، كما حدث في جنوب إفريقيا.

هذه التغيرات لم تأتِ صدفةً، وإنّما نتيجة صراعٍ مريرٍ، كان يجري أمام الرأي العام الدولي، تديره كوادر سياسية وحقوقية وإعلامية نشطة، في الداخل والخارج، في عالمٍ بات يرفض وضع «الدولة المدللة» فوق القانون، واستمرار انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان.

إنه النضال الدؤوب من أجل قضية حية لا تموت، يحفر تأثيره على القلوب الصدئة كما تفعل قطرات الماء المتساقطة على الصخر.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4499 - الأربعاء 31 ديسمبر 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:29 ص

      انه درس لمن يريد ان يتعلم

      هذه التغيرات لم تأتِ صدفةً، وإنّما نتيجة صراعٍ مريرٍ، كان يجري أمام الرأي العام الدولي، تديره كوادر سياسية وحقوقية وإعلامية نشطة، في الداخل والخارج، في عالمٍ بات يرفض وضع «الدولة المدللة» فوق القانون، واستمرار انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان.
      إنه النضال الدؤوب من أجل قضية حية لا تموت، يحفر تأثيره على القلوب الصدئة كما تفعل قطرات الماء المتساقطة على الصخر.

    • زائر 6 | 3:09 ص

      من يقود الشعب الفلسطيني كان يعلم بأن اللجوء لمجلس الأمن لن يحقق مبتغاه في تثبيت فلسطين في الأمم المتحدة.

      هذا التصرف يبعد الشبهة عنه انه عميل للصهاينة وبعض من المستعربين....هؤلاء الأقزام سوف يزالون الى مزبلة التاريخ،المقاومة وجبهتها الممتدة حولها وما حولها ستكون لها اليد الطولى في تحرير فلسطين،مهما كان هناك فيتو أمريكي بالمرصاد....ومهما كان من حراك ضد محور المقاومة.

    • زائر 5 | 2:49 ص

      تعادل بطعم الأنتصار مبدئيا

      8 دول صوت لصالح الفلسطينين وهذا يحدث لأول مره ولكن أمريكا وأستراليا وقفت ضد القرار وبريطانيا سوسة البلوي لم تصوت بنعم أو لا

    • زائر 4 | 1:55 ص

      فلسطين توأم البحرين

      نفس المشاكل ونفس الازمات ونفس المتسبب فيها الانجليز.

    • زائر 3 | 1:25 ص

      هذه مشكلة الشعوب الصغيرة

      حيث تتلاعب بمصيرها الدول لكبيرة.

    • زائر 2 | 11:17 م

      عنوانك سيد قاسم أصابني بالتفاؤل

      نعم بإذن الله، سنكون مع موعد لعودة فلسطين هذا العام… فالأعداد عندما تبقى جامدة تبقى كما هي تراتبية… ولكن عندما تستخدم آلة الضرب والقتل- آسف الطرح ستكون النتائج بالطبع متغيرة، ستظهر أرقام جديدة في عام جديد ملئ بالمفاجآت...والذين أخرجوا من ديارهم بغير حق…….. لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع…. الحج

    • زائر 1 | 9:34 م

      الشعب الفلسطيني ضحية نفسه و ضحية الانظمة العرببة

      في جنيف 2 ارغمت بعض الدول العربية و فرصت ارادتها لابعاد ايران من المشاركة و اضطر الامين العام للامم المتحدة التراجع عن دعوته لايران هذا يكشف ان الدول العربية عندها ادوات ضغط لو توفرت الارادة تحدث تغييرا . المشروع الاخير لمجلس الامن افتقد للحماس العربي و الجدية و ما كان تقديمه الا لرفع العتب فمن الطبيعي لا تتحمس بقية الدول ولا تشعر ان هناك خسائر قد تلحق بها في حال الرفص

اقرأ ايضاً