سيكون حزب حركة النهضة التونسي في موقع المعارضة البنّاءة إن لم تتلقّ عرضاً من نداء تونس (الحزب الأغلبي في البرلمان التونسي الجديد).» ذلك ما صرّح به رئيس المكتب الإعلامي والاتصال لحركة النهضة زياد العذاري لصحيفة «التونسيّة» الأسبوع الماضي، فما المقصود بالمعارضة البنّاءة أو الإيجابية؟ وهل يمكن لطرف سياسي أن يخدم مصلحة بلده دون أن يكون ماسكاً بزمام السلطة؟
تميّزت المعارضة في البلدان العربية وغيرها من البلدان، ولا سيما في العالم الثالث، على امتداد العقود الماضية، بكونها ظاهرة صوتية لا تملك غير الرفض لمنوال الحكم السائد ولتوجّهات الحزب الحاكم في أي بلد، سواءً كانت لتلك التوجهات وجاهة أم لا؛ إذ يكفي أنها صادرة عن السلطة الحاكمة أو الحزب المتنفّذ ليقع رفضها شكلاً ومضموناً، وهكذا استمرّ الحديث عن فساد الأنظمة الحاكمة دونما إشارة ولو تلميحاً إلى بعض إنجازاتها على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو الرياضي حتّى وإن وجدت فعلاً.
إن مفهوم المعارضة الإيجابية أو البنّاءة لا يزال غير معمول به، وللأسف في العديد من دولنا العربية كيفما كان نظام الحكم فيها، بل لعلّ القاموس السياسي العربي يكاد يخلو من هذا المصطلح سواءً لغياب الديمقراطية في بعض الدول العربية أو لنوايا القوى المعارضة في الاستيلاء على الحكم والمسك بمقاليد السلطة وبأية وسيلة كانت، ما جعل العلاقة بين السلطة والمعارضة غالباً ما تكون عدائية. وهو ما يدعو إلى ترسيخ مفاهيم إيجابية لإنضاج هذه العلاقة، من ذلك مفهوم المعارضة البنّاءة، وهو التوجه الذي تنوي حركة النهضة التونسية التمشّي فيه خلال المرحلة القادمة، رغم أنها عانت خلال فترة حكمها الانتقالية من معارضة شرسة، لا شكّ في وطنيّتها، لكنها معارضة تنكر على حزب حركة النهضة ومن تحالف معها أيّ إنجاز.
تسعى المعارضة البنّاءة إلى الارتقاء بصيغ العمل بالابتعاد عن وسائل العنف اللفظي والجسدي والاقتراب من الوسائل السلمية الحضارية، وذلك عبر طرح برامج شاملة ومتكاملة لحل المشاكل وإبداء وجهات النظر في النقاط محل الاختلاف بطريقة حضارية وعملية أساسها قوة البرهان والحجة لا «حجة» القوة و»سلاح» العنف.
كما تحاول المعارضة البنّاءة في أي دولة تصحيح مفاهيم الطرف الآخر ونقده تحت مظلة المصلحة الوطنية والوحدة والعمل المشترك، بعيداً عن الأجندات الأجنبية والمصالح الفئوية الضيقة، بل هي تراقب الحكومة وتحلل سياساتها وتنقدها وتساهم في تكوين وتأهيل النخب السياسية المشاركة في الحكم والموجودة خارجه، وتدرّب الجميع على تمثّلٍ راقٍ لمفهوم المصلحة الوطنية.
إضافةً إلى ذلك، تقتضي المعارضة البنّاءة القيام بدور المعدل والمعقلن لحركة الاحتجاج وترجمتها إلى مطالب سياسية قابلة للنقاش والتفاوض والتفاهم من حولها، فتكون بذلك المعارضة البنّاءة، صمّام أمان يحول دون أعمال العنف ودون احتمال انجرار الأطراف المختلفة، حول آليات الحكم، إلى صراعات عنيفة أو حروب أهلية مادامت المصلحة العليا للوطن هي الهدف والمبتغى.
هذا على المستوى النظري، أمّا على المستوى العملي فإنّ المعارضة التي لم تصل إلى قبة البرلمان بالأعداد الكافية لتولي مقاليد الحكم، كما هو شأن حركة النهضة التونسية موضوع المقال، أو حتى الرئيس الحالي المنتهية ولايته بتونس محمد المنصف المرزوقي الذي صرّح بكونه سيكون في المعارضة، بالنسبة لهؤلاء يمكن أن يكونوا دعامة للمعارضة البنّاءة سواءً بالمشاركة في الانتخابات البلدية والمجالس الجهوية القادمة والتي لا تقل أهمية عن الانتخابات السابقة، أو بالعمل داخل المجتمع عبر الجمعيات والمؤسسات المدنية، وهذا هو المتوقّع بل والأكيد؛ إذ لا نستبعد أن نجد قيادات من المعارضة ترأس المجالس البلدية ولِمَ لا المجالس الجهوية وتسهم بذلك في تنفيذ برامجها داخل هذه المحافظة أو تلك، وتعدل من ثمّة من توجهات الحكومة مهما كان لونها السياسيّ.
ولعلّ الناظر في تجارب بعض الدول الأوروبية خصوصاً، يمكن أن يظفر بنماذج من الزعماء والشخصيات التي انطلقت حياتها السياسية من مواقع نفوذ محدودة، بل وكانت في فترة ما من المعارضة للنظام القائم في بلدها، ثمّ وبفضل أدائها في تلك المواقع تمكّنت من إقناع الرأي العام بقدرتها وقدرة حزبها سواء على تسيير الحكومة أو على ترؤس البلاد. ولنا في نموذج الرئيس الفرنسي جاك شيراك خير مثال، حيث كانت سنة 1976 نقطةً فاصلةً في حياة شيراك السياسية؛ فبعد أن ترك الحكومة أسّس التجمّع من أجل الجمهورية العام 1976 وربح الانتخابات البلدية في باريس العام 1977، وبقي رئيساً لبلدية باريس حتى العام 1995، حين انتخب كرئيس للجمهورية. ثمّ فاز جاك شيراك بولاية ثانية العام 2002 مع أكثرية حزبية كبيرة توّجت حياته السياسية فجعلته يترك أثراً عميقاً في السياسة الفرنسية. وبعد الخروج من موقع القرار السياسي وفي العام 2008، قام بتأسيس مؤسسة شيراك من أجل التنمية المستدامة والحوار الثقافي. فإلى أيّ مدى ستفي حركة النهضة التونسية بوعودها في أن تكون معارضة بناءة؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4497 - الإثنين 29 ديسمبر 2014م الموافق 07 ربيع الاول 1436هـ
صدقت
إن مفهوم المعارضة الإيجابية أو البنّاءة لا يزال غير معمول به، وللأسف في العديد من دولنا العربية كيفما كان نظام الحكم فيها، بل لعلّ القاموس السياسي العربي يكاد يخلو من هذا المصطلح سواءً لغياب الديمقراطية في بعض الدول العربية أو لنوايا القوى المعارضة في الاستيلاء على الحكم والمسك بمقاليد السلطة وبأية وسيلة كانت، ما جعل العلاقة بين السلطة والمعارضة غالباً ما تكون عدائية.
نرجو ذلك
تسعى المعارضة البنّاءة إلى الارتقاء بصيغ العمل بالابتعاد عن وسائل العنف اللفظي والجسدي والاقتراب من الوسائل السلمية الحضارية، وذلك عبر طرح برامج شاملة ومتكاملة لحل المشاكل وإبداء وجهات النظر في النقاط محل الاختلاف بطريقة حضارية وعملية أساسها قوة البرهان والحجة لا «حجة» القوة و»سلاح» العنف.
لنطور مفهوم المعارضة
معا من أجل معارضة بناءة
شتان
مشكور يا أستاذنا الكريم على هذا المقال الرائع والعجيب في الامر ان ليس هناك أي تعليق واعتقادي في ذلك بسبب غياب الوعي عندنا في الخليج بشكل عام والبحرين بشكل خاص عن مفهوم المعارضه وجموع الناس هنا تفهم مصطلح المعارضه بالحرق والقتل وتسكير الشوارع والحاق الاذى بالناس ، للاسف هذا مفهوم المعارضه في بلادنا