في تصريح صحافي طغت عليه نبرة التفاؤل، أعلن أمس (الإثنين الموافق 8 يونيو/ حزيران 2009) الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية عن توقيع اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي بين السعودية وقطر والكويت والبحرين، مؤكدا على أن هذه خطوة على طريق العمل الخليجي الموحد، حيث تتواصل جهود الدول الأعضاء حاثة الخطى من أجل «التهيئة لقيام المجلس النقدي الذي تم إقرار نظامه الأساسي واتفقت الدول الأعضاء على أن تكون الرياض مقرا له، وذلك لتهيئة قيام البنك المركزي الخليجي المنوط بها رسم وتنفيذ السياسة النقدية للعملة الموحدة بما فيها سياسة سعر صرفها، وضمان التطبيق المتوافق لها في منطقة العملة الموحدة من خلال البنوك المركزية الوطنية، وإدارة الاحتياطيات من النقد الأجنبي العائدة للعملة الموحدة». وبين العطية أن العملة الخليجية، التي لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق بشأن الاسم الذي ستحمله!!، ستكون مرتبطة، كعملة، بالدولار.
لا يستطيع أحد أن ينكر إيجابية هذه الخطوة، ودورها الإيجابي أيضا عندما يتعلق الأمر بالفوائد التي يمكن لدول مجلس التعاون أن تجنيها، لكن، بالمقابل لا يمكن لمن تابع مسيرة مجلس التعاون، ومن بينها قضايا اتفاقية الاتحاد النقدي ومستتبعاتها، أن يقفز فوق السلبيات المحيطة بهذه الولادة القيصرية لها، وفي مقدمتها، أن تأتي في غياب كامل لما يربو على 30 في المئة من عدد الأعضاء الستة، وهما سلطنة عمان ودولة الإمارات.
لاشك أن اللوم الأساسي، يقع على الدولتين المنسحبتين، الأولى وهي سلطنة عمان عندما بررت ذلك الانسحاب بما أعلنت عنه «بعدم ملاءمة ظروفها للانخراط في هذه المنظومة»، أما الإمارات فقد جاء المبرر قبل أسابيع عندما تم اختيار الرياض مقرا للمجلس النقدي الخليجي والذي كانت تتطلع لاستضافته.
فعلى صعيد الأولى، ومهما كانت الاختلافات في الظروف، لكنها لا يمكن أن تصل إلى مستوى تبرير الابتعاد، فمن الطبيعي أن تكون هناك بعض التباينات في الأداء الاقتصادي بين هذه الدولة أو تلك، لكنها لا تمس، على الاطلاق، الأسس والمرتكزات البنيوية التي تقوم عليها اقتصاديات المنطقة التي يجمعها الكثير من السمات من بين أهمها، اعتمادها على النفط ومصادر الطاقة الأخرى من غاز طبيعي ومشتقاتهما كمصدر رئيس للدخل، وقيام اقتصاديات دوله دون أي استثناء على الاستهلاك المستورد لنسبة عالية من احتياجات السوق الداخلية، بما فيها تلك ذات القيمة الاستراتيجية، بالمفهوم السياسي، مثل الغذاء، وانظمة الدفاع.
أما بالنسبة للدولة الثانية، وهي دولة الإمارات، فمن غير المنطقي، القبول بسبب هامشي والذي هو اختيار الرياض كي تكون دولة مقر البنك المركزي، تبريرا كافيا لغيابها، وخاصة أن تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في المنظومة بعد السعودية. بل إن غيابها، لم يجردها من المساهمة البناءة المؤثرة في تحديد مسار الاتفاقية التي تم التوقيع عليها فحسب، بل ترك الساحة مفتوحة، كي يستفرد بقراراتها من اعتبرتهم الإمارات يحاولون الاستفراد بصلاحيات سلطوية تنسف العلاقات المتكافئة التي يفترض أن تسود بين أعضاء المجلس.
مقابل هذه الانسحابات غير المبررة، وغير المقبولة، في هذه المرحلة، إن جاز لنا التعبير، جاءت الخطوة المتسرعة من قبل الدول الأربع الأخرى: السعودية، الكويت، البحرين، قطر، في غير التوقيت الأفضل مناسبة لمصالح المجلس العليا، البعيدة عن نوعة التفرد الذاتي من جهة، والإقصاء المتعمد للآخر من جهة ثانية. كان حريا بالدول الأربع من دون أي استثناء، أن تتمتع ببعض الصبر، وطول النفس، وبعد النظر، وتعطي، دولة الإمارات، على الأقل، بعض الوقت، كي تعيد النظر في قرارها المتسرع هي الأخرى عندما أصرت على الانسحاب المفاجئ، وغير المدروس.
المحصلة اليوم، هي ولادة قيصرية طارئة لمولود جاء مشوها ينقصه البعض من أجزاء جسمه التي قد يقود فقدانها، إما إلى وفاة هذه المولود، أو بقاءه على قيد الحياة حاملا معه تشويهاته البنيوية غير القادر على التخلص منها. هذه الحالة غير الطبيعية تنسف الكثير مما حاول أن يدعيه ما جاء في تصريح العطية حين أصر على أن الاتفاقية سوف «تحقق استقرار الأسعار في إطار التوظيف الأمثل للموارد الاقتصادية بما يحقق الاستقرار الاقتصادي، وتحدد مهام البنك المركزي في رسم وتنفيذ السياسة النقدية للعملة الموحدة بما فيها سياسة سعر صرفها، وضمان التطبيق المتوافق لها في منطقة العملة الموحدة من خلال البنوك المركزية الوطنية، وإدارة الاحتياطيات من النقد الأجنبي العائدة للعملة الموحدة، وإصدار أوراق النقد والمصكوكات المعدنية بفئات العملة الموحدة، وتعزيز التشغيل الفعال للبنية الأساسية لنظم المدفوعات المالية ونظم تسويتها ضمن منطقة العملة الموحدة، وأداء الوظائف التشغيلية والإحصائية والاستشارية اللازمة لممارسة أعماله وأداء وظائفه».
ما يدفعنا إلى قول ذلك، هو أنه إلى جانب بعض الاختلافات التي تحتقن داخل اقتصادايات الدول الأربع التي وقعت الاتفاقية، وفي مقدمتها ابتعاد الكويت، بخلاف الدول الثلاث الأخرى، عن ربط عملتها بالدولار، هناك غياب دولتين رئيسيتين، دولة الإمارات من حيث حجم الدخل، وسلطنة عمان من حيث حجم السوق، عندما أصرتا على الانسحاب من الاتفاقية ومن ثم فتح ثقوب واسعة في ثوب تلك الاتفاقية والأهداف التي يؤكد العطية أن ما تمخض عنه اجتماع الرياض سوف يضمن تحقيقها.
ما يتوخاه المواطن الذي لمس إيجابيات أي عمل خليجي مشترك، مهما كان حجم ذلك العمل، هو أن تعيد الدولتان المبتعدتان النظر في موقفهما من جهة، وأن تخفف الدول الأربع من سرعة اندفاعها في اتخاذ إجراءات نقل الاتفاقية إلى حيز التنفيذ.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2468 - الإثنين 08 يونيو 2009م الموافق 14 جمادى الآخرة 1430هـ