العدد 2468 - الإثنين 08 يونيو 2009م الموافق 14 جمادى الآخرة 1430هـ

مفاجأة 14 آذار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتخابات لبنان النيابية أعادت إنتاج سلطة كما كانت في عهدها السابق. قوى 14 آذار تفوقت نسبيا وحافظت على غالبية مقاعدها. وقوى 8 آذار تراجعت نسبيا ولم تعد كما كانت عليه سابقا.

التغيير نسبي وضئيل ولكنه مهم للغاية في بلاد الأرز لأنه أعطى فكرة عن مزاج شعبي سيكون له تأثيره الإقليمي على المحيط الجغرافي واستتباعا إلى إيران. فالفوز اللبناني الذي حققته قوى 14 آذار له طبيعة سياسية متدحرجة وصولا إلى طهران التي تستعد إلى انتخابات رئاسية في 12 يونيو/ حزيران الجاري.

فوز 14 آذار فاق كل توقعات مراكز الاستطلاع حين انتهى بغالبية ترجيحية لم تكن محسوبة. والمفاجأة التي اكتسبتها هذه القوى جاءت من الجانب المسيحي إذ تعاضد الشارع الماروني نفسيا وميدانيا مع صخرة بكركي ونداء البطريرك نصر الله بطرس صفير ووجّه صفعة إلى قذائف الجنرال ميشال عون العشوائية. فالجنرال الذي بالغ في قوته تراجعت شعبيته إلى حد أصبح فيها برتبة ملازم. ولولا أصوات الكتلة الشيعية في دائرتي بعبدا وجبيل وأصوات الكتلة الأرمنية (حزب الطاشناق) في قضاء المتن الشمالي لتدهورت رتبته إلى عريف متقاعد في الجيش.

الآن لم يعد الجنرال كما كان يهدد ويستفز ويتحدى الكنيسة والرئاسة ومعظم الطوائف المسلمة. فالشعبية النسبية التي اكتسبها عون في معركة 2005 جاءت على قاعدة تأييد الكنيسة المارونية ورئاسة الجمهورية لمختلف قوائمه في الدوائر والأقضية المسيحية إلا أنه تعامل معها من موقع «جنون العظمة» واستخدمها بأسلوب أدى في النهاية إلى التفريط بها.

قوى 14 آذار حققت مفاجأة. فهي حافظت على شعبيتها الكاسحة في المناطق السنية والدرزية والدوائر والأقضية المختلطة طائفيا ومذهبيا وقامت بهجوم معاكس على مواقع الجنرال ما أدى إلى تعديل التوازن لمصلحة القوى المسيحية المنافسة له. فالجنرال لم يعُد بإمكانه ادعاء تمثيل 70 في المئة من المسيحيين.

قوى 8 آذار أعطت نتائج أقل من التوقعات وفشلت في تحقيق اختراق جدي خارج الدوائر والأقضية الشيعية. حتى حليفها القوي في الجانب المسيحي اعتمد عليها في بعبدا وجبيل لمنع سقوطه في الهاوية.

الآن أصبح عون مشكلة سياسية لقوى 8 آذار بعد أن تحول من نقطة قوة لها إلى نقطة ضعف في الإطار الماروني بعد أن نجح تحالف القوات اللبنانية وحزب الكتائب في تحسين مواقعه وتطوير نفوذه في الدوائر والأقضية المسيحية. والغالبية التي كان الجنرال يعتمد عليها لمواجهة الكنيسة والرئاسة والطوائف المسلمة أصبحت بحاجة إلى دعم سياسي لوجستي من حركة أمل وحزب الله والطاشناق وتيار المردة حتى تحافظ على حدها الأدنى في معاقل الموارنة والارثوذكس والكاثوليك.


الخاسرون والرابحون

مفاجأة 14 آذار تجاوزت نسبيا كل التوقعات. فالاستطلاعات كانت تشير إلى احتمال فوزها بغالبية لا تتجاوز المقعد أو المقعدين. واستقرت الاستطلاعات على معادلة 65 لمصلحة 14 آذار مقابل 63 لمصلحة 8 آذار. وجاءت النتائج مخالفة لكل التوقعات حين رفعت قوى 14 مقاعدها إلى غالبية تشارف 68 أو 71 مقعدا. وهذه المعادلة البسيطة في بلد يعتمد على نظام طائفي - مذهبي تؤشر إلى مزاج سياسي شعبي سيكون له تأثيره على التحالفات الداخلية وتلك المفاوضات التي ستدور بشأن تشكيل الحكومة والاستراتيجية الدفاعية وموقع لبنان في سياق تجاذب المحاور الإقليمية.

من جانب الحكومة لا يمكن أن تتشكل وتستقر خارج الإطار الدستوري والشروط الميثاقية وحق كل الطوائف والأطياف في التمثيل الوزاري. هذه المسألة ليست جديدة ولا نقاش بشأنها. الجديد في الموضوع أن قوى 14 آذار أصبحت في موقع أقوى ومريح وأفضل من السابق ما يعطيها قدرة فائقة على التفاوض والمناورة تحت سقف الشرعية والقانون.

من جانب الاستراتيجية الدفاعية أصبح رئيس الجمهورية يتمتع بموقع سياسي يسمح له دستوريّا بالتأثير في ضبط علاقات الدولة بالمقاومة في إطار يضمن مصالح البلد ويعطل إمكانات التفريط باقتصاده وعمرانه واستقراره.

من ناحية المحاور الإقليمية وجهت الانتخابات اللبنانية رسالة واضحة للثنائي السوري - الإيراني بشأن تخفيف الاعتماد على جبهة بلاد الأرز وعدم المبالغة في توظيفها واستثمارها سياسيا لتحسين شروط التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة وغير المباشر مع «إسرائيل». فالجبهة اللبنانية لم تعد في موقع مريح يعطي ذريعة لصواريخ محمود أحمدي نجاد الايديولوجية «وتصريحاته الطاووسية» بشأن عزمه على تغيير معادلة «الشرق الأوسط الجديد». فالمساحة التي كانت تستخدم لبنان منصة صواريخ ايديولوجية تعرضت لأضرار حقيقية في الجانب المسيحي وبات على قوى 8 آذار أن تفتح قنوات الاتصال في الجهة المعاكسة للجنرال بهدف تأمين غطاء الشرعية الدولية. المقاومة الآن انكشفت أهليا بسبب مراهنتها على عون وانجرارها إلى صراعات محلية محكومة سلفا بقنوات طائفية ومذهبية وهذا يتطلب إعادة قراءة للتوازنات حتى تستعيد مواقعها وتعوض خسائرها السياسية.

تبقى قراءة عون للمتغيرات والتحولات. فهذا الجنرال جدّد زعامته المارونية بأصوات أقليات غير مسيحية وتكتلات محاصرة في مناطق معزولة تعيش في محيط بشري باتت قوى 14 آذار تتحكم بمداخله ومخارجه. فالجنرال السابق لا بد أن يعيد النظر بحساباته ويقرأ جيدا حتى يستطيع إعادة هيكلة خطابه السياسي الذي استفز مشاعر أهل السنة وتحدى الكنيسة وأثار النعرات الطائفية والمذهبية وكشف عن أحقاد دفينة ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المدنية في لبنان. فهل يفعلها الجنرال السابق أم يواصل حركاته التي جلبت ضده الكثير من الخصوم وأضرّت بقوة الحلفاء؟ إعادة القراءة تحتاج إلى وقت ولكن دقات الزمن متسارعة بسبب القنبلة الصوتية التي أحدثتها قوى 14 آذار. فهذه القنبلة لها ارتدادات وأصداء وتموجات... وربما وربما وربما سيكون لها وقعها النفسي على الشارع الإيراني واصطفافاته السياسية. الجنرال فعلا يحتاج إلى وقت ويمكنه الانتظار قليلا للتعرف على نتائج انتخابات الرئاسة في إيران في 12 يونيو.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2468 - الإثنين 08 يونيو 2009م الموافق 14 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً