قبل انقضاء العام 2014، تكون قد مرَّت 156 سنة على نشأة الخدمات الجمركية وتطورُّها في البحرين.
قبل أكثر من قرن ونصف، بدأت ملامح البدء بتدشين مؤسسات الدولة في صورتها الأولية. كان المحيط - أو معظمه - في البدائي من كل شيء؛ عدا الحديث عن المؤسسات.
تلك الريادة، ستقود فيما بعد إلى ريادة مضاعفة على أكثر من مستوى وصعيد، تؤسس لها البحرين، ولا تجد دول الجوار حرجاً في أن تتمثله، وتأخذ به، ريثما تتمكن من تثبيت دعائم مؤسساتها.
بالعودة إلى بعض فصول كتاب «لمحات من تاريخ البحرين» للباحث والمؤرخ خليل المريخي، والذي صدر في العام 1987، وتحديداً في الفصل الثاني الذي خصَّصه للشئون الاقتصادية، نقف على إشارته؛ بحسب المصادر التاريخية، إلى أن العوائد الجمركية قد تضاعفت في العام 1858م، في عهد الشيخ محمد آل خليفة، وربما تكون أقدم إشارة تم رصدها من قبل المعنيين والمهتمين بتاريخ أول ملامح المؤسسات الحديثة في البلاد.
ومن ضمن المصادر التي توحي بنشاط في هذا القطاع، أن عدداً من التجّار الهنود طالبوا في العام 1864 حكومة البحرين، أثناء زيارة نائب ملك بريطانيا للبحرين «أن تعمل على إنشاء رصيف داخل البحر نظراً لزيادة التجارة» مع الأحساء والقطيف وقطر» وتم ذلك بتدشين الرصيف في المكان نفسه الذي تقع فيه فرضة المنامة.
ويمكن القول، إن الزيادة تلك وصلت إلى 40 في المئة خلال أقل من 10 سنوات، بالاستناد إلى أرقام تجارة البحرين في العام 1899م، والتي وصلت فيها إلى أكثر من 3 ملايين جنيه إسترليني وهو رقم كبير جداً في تلك المرحلة الزمنية، ومن الطبيعي أن يكون المصدر الأول لتحقيق ذلك الرقم، من تجارة اللؤلؤ التي شهدت ازدهاراً كبيراً في العام المشار إليه.
ويشير المريخي إلى أن من أهم البنود التي «تتألف منها رسوم الجمارك هو ما كان يؤخذ على البضائع، وكذلك رسوم تسجيل السفن بشتى أنواعها».
أعلى الإيرادات في العام 1905
قبل إسناد الجمارك إلى ما يعرف في ذلك الوقت بـ «القطاع الخاص» قبل تشكل مؤسسات الدولة، وتحديداً في العام 1905، (تم إسناد الإدارة إلى مجموعة من الهنود في العام 1910)؛ شهدت الإيرادات ارتفاعاً قياسياً غير معهود وصلت إلى 24 مليوناً وثلاثمئة ألف روبية هندية؛ ويفصل ظروف الارتفاع المريخي بالقول: «كان مصدرها من الهند والأقاليم التركية» وضمن تقرير تاريخي؛ لم يسمّه، «أنه دخلت في السنة نفسها (1905)، 65 باخرة أغلبها تحمل بضائع بريطانية. إن أغلب الواردات في تلك السنة؛ أو حتى خلال السنين من بداية القرن العشرين، كانت تتألف من المحار واللؤلؤ من البحار والسواحل المجاورة، ثم الرز، والمواد القطنية والحريرية والمطرزات والتوابل والبن والسكّر...».
إسناد إدارة الجمارك للتجّار الهنود
في محاولة من الدولة في تلك الفترة لزيادة إيراداتها، ونظراً إلى العشوائية التي طبعت العمل في الجمارك، وتراجع الإيرادات بين سنة وأخرى، والتي لن تنتهي بذلك الإجراء مع الإدارة الجديدة، قررت الدولة إسناد الإدارة إلى شركة هندية، وفي ذلك يشير المريخي إلى أن «الشئون الجمركية كانت تدار من قبل مجموعة من التجّار الهنود على طريقة استئجار الجمرك من الحكومة نظير مبلغ معين من المال يدفع لها بحسب اتفاق معيَّن مع حكومة البحرين. وهذا هو النظام السائد والمعمول به منذ منتصف القرن الثامن عشر، أو ربما قبل ذلك».
إلا أن كان أغلب التجّار البحرينيين؛ وحتى المسئولين، كانوا غير راضين عن طريقة إدارة الشئون الجمركية من قبل المستأجرين الهنود، حيث كان كل شيء يتم بصورة عشوائية، نظراً لغياب القوانين والأنظمة المسيّرة للخدمات الجمركية».
وتبيّن الوثائق والمستندات أنه في الفترة ما بين 1908، وصولاً إلى العام 1913، تناوبت على إدارة الشئون الجمركية خمس شركات هندية، هي على النحو الآتي:
1908: شركة كنكارام تيكدارس وشركاه، وقد قُدِّر الدخْل بنصف لاك (ما يعادل 50 ألف روبية)، وهي من أسوأ الأعوام.
1910: مجموعة بانياس.
1911: مجموعة مهارات (سيغ).
1912: كنكارام تيكداس وشركاه.
1913: ناريا نداس تيكرمداس.
ومن الملاحظ أن أطول فترة لإدارة الجمارك، ضمن الفترة تلك، امتدّت لعامين فقط، والجهة نفسها التي تولت الإدارة عادت بعد ثلاث سنوات لتقوم بالمهمة نفسها. والملاحظة الثانية أن أغلب فترات الإدارة تلك لم تتجاوز سنة واحدة، وهو أحد الأسباب التي ربما يفسر التخبّط في الإدارة، وخضوع تحصيل رسوم الجمارك، إلى المزاج والعشوائية في الوقت نفسه، وتذبذب الدخل الناتج عن تأجير الإدارة إلى جهات أهلية، في وقت لم تكتمل فيه المؤسسات الحديثة، وفي الوقت نفسه، أجنبية، والتي كانت لها مصالح هي الأخرى، بانخراطها في التجارة، واعتماد حركة تجارتها على الاستيراد، وبالتالي لا يخلو الأمر من التغاضي عن تحصيل رسوم على البضائع والسلع المرتبطة بتلك الجهات؛ الأمر الذي يفوّت على خزينة الحكومة وقتها مبالغ ليست بسيطة.
«استمر هذا الوضع حتى العام 1923؛ إلا أنه قبل هذا التاريخ، جرت توسعة لفرْضة الجمارك في العام 1918 - 1920، ثم أوقف العمل في العام 1923».
الإعارة... و «كرينير» يتولّى الجمارك
تم الالتفات إلى جانب من الثغرات في عملية تسليم مرفق إلى جهة لا تتبع الحكومة؛ وقدر الهدر للمال العام، وتبديد الموارد؛ بطلب الحكومة الاستعانة بأحد الكفاءات من الحكومة الهندية كي يتولى ضبط وإدارة المرفق. ونقف على جانب من ذلك في ما ذكره المريخي؛ إذ في ذلك العام «اتخذت الحكومة الهندية خطوة تطورية، عندما قامت بإعارة حكومة البحرين أحد المختصين لديها لغرض تنظيم إدارة الجمارك، بحيث تسير على نفس النظم والقوانين المتبعة لدى جمارك حكومة الهند».
الإعارة تمت بتعيين «دي كرينير كمدير لجمارك البحرين، وقد بدأ مزاولة عمله من إصدار التنظيمات، واستحداث الأقسام الخاصة بالجمارك؛ وخصوصاً ما يتعلق منها بتنظيم استيفاء الرسوم الجمركية، وإصدار المطبوعات... إلخ».
الإيرادات
يمكن من خلال الإحصاءات أدناه، ملاحظة أن العام 1938، شهد أعلى دخل للجمارك، بتحقيقه 1,158,547 روبية، وينكشف الفارق بينه وبين الأرقام التي تحققت قبل ذلك العام وبعده. كما يمكن ملاحظة، أن أدنى مستوى للدخل تم تحقيقه في العام 1931، بتسجيل 509,000 روبية، وهو رقم أقل بمئتي ألف روبية عن العام السابق، وأقل من العام الذي تلاه بأكثر من مئة ألف روبية:
1930: 790,107 روبية.
1931: 509,000 روبية.
1932: 614,594 روبية.
1933: 553,393 روبية.
1934: 611,890 روبية.
1935: 631,778 روبية.
1936: 812,417 روبية.
1937: 1027154 روبية.
1938: 1,027,154 روبية.
1939: 1,158,547 روبية.
1940: 891,721 روبية.
إعادة التصدير
ربما تكون البحرين من أوائل الدول في المنطقة التي عرفت تجارة إعادة التصدير أو تجارة الترانزيت في العام 1905؛ وذلك جانب يكشف عن الأرقام القياسية التي تم تسجيلها في دخل الجمارك، إذ يتم استيراد الرز والبن والبضائع القطنية إليها، ثم تصدّر خارجها. «وقد قُدّر أن ثلث ما كان يستورد يتم تصديره إلى الخارج».
وقدِّرت قيمة تلك الصادرات بـ 204 لكَّات؛ أي نحو عشرين مليون روبية.
موازنة الجمارك في 8 سنوات
سنلاحظ أن أرقام موازنة الجمارك لثماني سنوات ارتفعت في السنة الأولى ومن ثم انخفضت في السنوات الثلاث اللاحقة، ثم ارتفاعها لأربع سنوات بعدها ووردت كالآتي:
1927: 66.022 روبية.
1928: 63.272 روبية.
1929: 58.272 روبية.
1930: 58.000 روبية.
1937: 70.000 روبية.
1938: 83.000 روبية.
1939: 86.000 روبية.
1940: 91.000 روبية.
بالفقرات النوعية التي تحققت في تطوير مؤسسات الدولة؛ كان البحث عن موقع بديل ليكون مقراً لإدارة الجمارك، أمراً طبيعياً؛ وخصوصاً مع توسع الحركة التجارية؛ والانفتاح على العالم، وتحول البحرين إلى موقع جغرافي استراتيجي من جهة؛ وما ينتظرها من اقتصاد واعد؛ كان ميناء سلمان هو الموقع المثالي في تلك المرحلة المفعمة بالنشاط والحيوية. وإلى ذلك يشير المريخي بالقول: «وبإنشاء ميناء سلمان، وانتقال إدارة الجمارك العام 1962 إليه، انطوت صفحة كبيرة من تاريخ مبنى جمارك البحرين ومينائه القديم شمالي العاصمة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت جميع البواخر تصل إلى هذا الميناء، وتفرغ حمولتها عن طريق أحدث الأساليب والطرق المتبعة في العالم».
مثل تلك الإضاءات لتاريخ البحرين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وخصوصاً في نشأة المؤسسات، تعطي مُقاربة مهمّة للتسلسل المتبع، في استقطاب الخبرات، والتدرّج في إحلال الكفاءات الوطنية محل الكفاءات الأجنبية، وخصوصاً إذا ما عرفنا أن إدارة الجمارك في مرحلة تحديثها كانت الغلبة فيها للموظفين الأجانب، لانعدام الكفاءات المحلية، بحكم أن التعليم لم يقطع شوطاً لتخريج الكفاءات لتولي مهام الإدارات الحيوية في البلاد.
كتاب اتسم بالكثير من الجهد، على رغم عدم اعتماد الهوامش في الإشارة إلى مصادر الكتاب، والاكتفاء بقائمة لها في نهايته، من دون الإشارة إلى صفحات المراجع ضمن الاقتباسات فيما يتعلق بالكتب خصوصاً.
العدد 4495 - السبت 27 ديسمبر 2014م الموافق 05 ربيع الاول 1436هـ