العدد 4494 - الجمعة 26 ديسمبر 2014م الموافق 05 ربيع الاول 1436هـ

صحوة

أنا المدعو أمين محمد أُقرّ وأعترف وأنا في كامل قواي العقلية ودون أن يرغمني أحد بأنني اقترفت الجرائم التالية:

- اختلاس مبلغ ثمانين ألف دينار من البنك الذي أعمل فيه

- تزوير عدد كبير من الشيكات وصرفها.

- رشوة بعض الموظفين.

- شراء الكثير من المقتنيات الشخصية وتسجيلها باسم البنك.

ولقد بدأت بارتكاب تلك الجرائم قبل نحو ثلاثة أعوام حينما دفعتني الحاجة وضيق اليد الناتجان من وطأة الديون والأقساط الثقيلة إلى محاولة تزوير توقيع أحد العملاء وسحب مبلغ خمسمئة دينار من حسابه. وكنت في بداية الأمر متخوفاً من العواقب إلا أنه لحسن الحظ لم يكتشف أمري ما شجعني على معاودة الكرَّة مرةَ ثانية، وثالثة وبمبالغ أكبر وأكبر. تحسَّنت ظروفي المادية طبعاً وتيسَّرت أموري رغم شعوري بالداخل بأن ما أقدمت عليه حرام شرعاً علاوة على أنه جناية يحاسب عليها القانون، لكن ضميري نام وزيّن الشيطان لي فعل الشر فتماديت في هذا الطريق واستملت قلوب بعض الضعفاء العاملين معي وأغريتهم بالمال فمهّدوا السبيل أمامي بسبب عوزهم ورغبتهم في تحسين أوضاعهم. فعموماً كوَّنا ما يشبه العصابة الصغيره التي تتعاون فيما بينها لتحقق المكاسب والسرقات وعمليات الاختلاس في سرية تامة ودون أن يشعر أحد من الموظفين الآخرين بما ننفذه حيث توخّينا الحذر في كل خطوة نقوم بها حتى أصبحنا شبه محترفين في هذه الأعمال.

واستمررنا في هذا الطريق ونحن نتلذذ بما نحققه ونستولي عليه من أموال الناس وحقوقهم ونظراً لاضطلاعي بمسئولية المشتريات الخاصة بالبنك فقد تجرأت واستوليت على عدد من الطاولات والمقاعد والمكاتب التي اشتريناها ضمن مجموعة كبيرة من قطع الأثاث والمعدات المكتبية ونقلتها إلى منزلي دون علم أحد.

ولما وجدتُ الباب مفتوحاً أمامي للتوسع عمدت إلى تحويل مبالغ مالية غير ملفتة للنظر من حسابات كثيرة وتحويلها إلى حسابي واستغللت رغبة العديد من العملاء في رفضهم لاستلام الفوائد المصرفية وقمت بتحويلها لصالحي ما ترتب عليه تجميع مبلغ وصل إلى ثمانين ألف دينار تقريباً. ولقد استثمرت هذه الثروة فاشتريت سيارة فخمة وعدّلت أوضاعي المعيشية فبادرت إلى تأثيث البيت إلى جانب شراء مكيفات وثلاجات وفرن وغسالة وكمية من المصوغات الذهبية لزوجتي.

وكانت المجموعة الصغيرة التي أترأسها حذرة جداً وذكية يحرص أفرادها على عدم الالتقاء ببعضهم البعض أثناء العمل بل يعمدون إلى البقاء منشغلين طوال الوقت لإعطاء الانطباع بإخلاصهم وتفانيهم في خدمة البنك، وكنا نجتمع سراً خارج ساعات الدوام ونحرص على التكتم الشديد طوال هذه اللقاءات التي يتم الاتفاق فيها على توزيع الغنائم ومراعاة خروج الجميع راضين مسرورين.

قبل أسبوعين ذهبت كعادتي لصلاة الجمعة ووقفت مع المصلين أردد خلف الإمام: ربِّ شافِنا وعافِنا واعفُ عنا واغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

شرد ذهني عن الصلاة وأخذت أتأمل فيما أرتكبه من أفعال تتنافى مع الدين وتتناقض مع العبادات التي أمارسها، سألت نفسي لماذا أصلي وأصوم في الوقت الذي أقوم فيه بالسرقة وابتزاز المال الحرام، لماذا أناقض نفسي وأظهر عكس ما أبطن؟ فأما أن أصلي وأخلص النية وألتزم بتعاليم الدين أو أترك الصلاة وأقترف ما شاء من أفعال. لماذا أكون ذا وجهين، وجه طيِّبٍ أمام الناس ووجه شريرٍ يلتهم حقوقهم دون أن يعلموا؟ إنني أشعر كل يوم بالقلق الدائم من اكتشاف أمري وضياع سمعتي ومستقبلي ومستقبل أسرتي. لقد آن الأوان للتوبة والتراجع عن المعاصي وسلك الطريق الشريف. نعم لابد أن أريح ضميري وأعلن عن ندمي وأبدأ حياة جديدة حياة شريفة قانعاً بما كتب الله لي من رزق.

خرجت من الجامع وأنا مصمم على التوبة لا يشغلني سوى كيفية تطبيقها، هل أبدأ بإخبار زوجتي؟ لاشك أنها ستنصدم لمعرفة حقيقتي ولكنها بالطبع ستشجعني على سلك الصراط المستقيم ولا يشرفها أن يكون زوجها سارقاً محتالاً. أم أستهلّ خطواتي بالاجتماع مع المجموعة وإبلاغها بما أنا مقدم عليه. لاشك أن زملائي سيعارضون ويستنكرون وسيسعون إلى إقناعي بالعدول عن هذه الفكرة وربما يلجأون إلى التهديد بإيذائي والتخلص مني.

أم أذهب إلى مركز الشرطة وأسجل اعترافي بما اقترفت قبل أن يتم القبض عليَّ وتوجيه الاتهامات لي. لم أستقر على شيء، حاولت النوم لكنني لم أستطع. وساوس كثيرة نازعتني وأفكار شتى هاجمتني. غيّرت من طريقة استلقائي عدة مرات وتقلبت على السرير. شاهدتُ شعاعاً أبيض في الظلام وسمعتُ أصواتاً تردد الابتهالات وتدعوني إلى الانضمام إليها. شاهدتُ جماعات أخرى غاضبة تحاول أن تخنقني. فزعت وصرخت مرتعباً، أفاقت زوجتي وقالت لي: ما بك. قلتُ لها: لا شيء، مجرد حلم.

في اليوم التالي كان رأسي ثقيلاً وانتابني صداع حاد وحرارة في جسمي. ذهبت إلى الطبيب ففحصني وأعطاني بعض الأدوية ونصحني بالراحة وكتب لي إجازة لمدة يومين. عملتُ بنصيحته لكن صحتي ازدادت سوءاً وشعرت بآلام شديدة في جميع أجزاء جسمي وأخذت أتقيأ كلما تناولت شيئاً. نقلتني زوجتي إلى المركز الصحي وهناك قرر الطبيب إدخالي إلى المستشفى. أُجريت لي فحوصات مختلفة، علاوة على تحاليل للدم والبول وأعطيت بعض الحقنات وتم توصيل كيس به سائل تغذية إلى يدي. انتابني خوف عظيم وأحسستُ أنني أعيش آخر أيامي. طمأنني الطبيب بأنها فحوصات عادية تُجرى للتأكد من سلامتي لكنني لم أصدقه واعتقدت أن من واجبه تهدئة المرضى والتخفيف من آلامهم.

ازدادت آلامي سوءاً ومعها ازدادت أفكاري السوداء. شعرتُ بالأسف الشديد والندم على ما أرتكتبه من آثام ورفعت كفي طالباً من الله أن يغفر ذنوبي ويقبل توبتي وأن ينعم عليّ بحسن الخاتمة.

جلست في خشوع تام، خشوع صادق ثم رحتُ أتلو ما أحفظه من الأدعية وقصار السور. عاهدت الله أن أكفر عن خطيئتي وأن أبدأ صفحة جديدة بيضاء.

هدأت نفسي شيئاً فشيئاً وقلَّت الآلام تدريجياً، وبعد عدة أيام خرجتُ من المستشفى بعد أن ثبت خلوُّي من الأمراض. حمدتُ الله على استعادة صحتي وكان أول شيء فعلته هو التوجه إلى مركز الشرطة.

أناشد هيئة المحكمة الرأفة بي وتخفيف عقوبتي ووضعها في الاعتبار أنني العائل الوحيد لأسرتي وأنني نادمٌ جداً على ما فعلت وراغبٌ في سلك الطريق النظيف.

العدد 4494 - الجمعة 26 ديسمبر 2014م الموافق 05 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً