العدد 4494 - الجمعة 26 ديسمبر 2014م الموافق 05 ربيع الاول 1436هـ

فصل الربيع في الريف البحريني

يزخر تراثنا الشعبي بجميع مكوناته المعبرة عن نسيجه الاجتماعي، بجوانب عديدة ثرية من العادات والتقاليد والأعراف المعبرة عن إبداعه الفني الجميل، والتي تجسد عبقرية شخصيته الثقافية الوطنية الحضارية في الروح الإبداعية. ولعل تقاليد عادات وأعراف ريفنا البحريني التي تشاركه فيها العديد من المناطق المدينية في المنامة والمحرق والخاصة بأفراح المناسبات الدينية الشعبية كالأغاني والأناشيد والأهازيج والرقصات الشعبية وألعاب الأطفال والأحاجي والألغاز وما شابه ذلك، نقول لعل كل تلك التقاليد والعادات تمثل ركناً أساسيّاً من أركان تلك الروح الإبداعية.

وبعض تقاليد وعادات الأفراح ترتبط كما نعلم بشهور السنة الهجرية وما يتصل بها من مناسبات دينية سعيدة، كرمضان وأعياد شوال (عيد الفطر المبارك) وذي الحجة (كعيد الأضحى)، أو كالأفراح المرتبطة بموسم شهري ربيع الأول وربيع الآخر.

وبطبيعة الحال ثمة أغان وأناشيد وأهازيج ورقصات وألعاب وألغاز تتداخل وتمارس في مختلف أفراح المناسبات الشعبية والدينية، أيّاً تكن مواسمها وشهورها.

ولكن يظل تراث ربيع الريف هو من أكثر وأطول المواسم الجميلة المتميزة بتقاليد وعادات أفراحه مما يستحق أن يفرد له الباحثون المعنيون بالتراث بحثاً خاصّاً وهذا ما لم نلمسه للأسف في معظم أو كل الكتابات والمؤلفات التي تناولت التراث الريفي، وإن تناولت بعض عادات وتقاليد الربيع ضمن سياقات أخرى أعم غير محددة.

وسنتناول تراث ربيع الريف البحريني من جانبين لمفهوم الربيع: الأول الربيع بمعناه المناخي الفصلي المعتدل كأحد فصول السنة، والثاني الربيع بمعناه في التقويم التاريخي الهجري وهو اسم الشهرين الثالث والرابع من السنة الهجرية، ربيع الأول وربيع الآخر، علماً بأن الأصل في تسمية هذين الشهرين بهذا الاسم أنه كان يكثر في وقت تسميتهما لدى العرب في الجزيرة العربية الزهر والنور وتنزل خلالهما الأمطار وينمو العشب.

وكما نعلم فإن شهور السنة القمرية تدور على شهور السنة الشمسية ولا تستقر على مناخاتها وأجوائها الثابتة ويمكننا القول إن ربيع الأول وربيع الآخر عند تسميتهما تزامنا تقريباً مع شهري مارس/ آذار، وإبريل/ نيسان في التقويم الميلادي.

تراث الربيع بالمعنى الفصلي المناخي

لعل أبرز العادات والتقاليد الريفية المرتبطة بالربيع بالمعنى المناخي المعتدل كأحد فصول السنة وتحديداً خلال شهري مارس وإبريل تتمثل في مظهرين:

المظهر الأول:

احتفال الفلاحين والمزارعين والأهالي بموسم ظهور بعض المحاصيل الزراعية اللذيذة والجميلة كبعض الفواكه والزهور مثل الترنج، والليمون، والكنار، والتوت، والصبار، والتشيكو، وظهور التباشير الأولى لمحصول الرطب كالحبمبو وبعض «الخلال» الذي يشك للأطفال كقلائد، والتباشير الأولى لمحصول الرمان كالكرورو، الذي يشك ايضاً أو يطحن لإضافته إلى بعض بهارات الطبخ أو يستخدم لعلاج بعض الأمراض كالمعدة وغيرها. وتظهر أيضاً في هذا الفصل الورود والأزهار التي تتفتح، ويحتفل الفلاحون والأهالي بوجه خاص بالورد المحمدي الذي له مكانة أثيرة في نفوسهم، كما يحتفي الأطفال والفتية بجمع وأكل بعض المحاصيل البرية مثل «كبر كبير» والقلمان وغيرهما.

المظهر الثاني:

يتمثل في ارتباط هذا الفصل بموسم القنص، أي صيد الطيور المهاجرة العابرة إلى البحرين والوافدة بمعظمها من سيبيريا وأوروبا بحثا عن الدفء خلال هذا الاعتدال المناخي بمنطقة الخليج العربي في هذا الوقت من العام، وعادة ما تكون وسيلة الصيد هي الآلة الخشبية المعروفة بـ «الفخ» والذي يجيد الصبية صنعه بأنفسهم.

أما مسارح الصيد فهي الجبال والبراري والبراحات والساحات المجاورة للسواحل أو الواقعة ما بين الحقول والطعم المستخدم عادة يتمثل في بعض الديدان، ولعل من اشهرها العاقور الذي يستخرج من كرب النخلة، والعنجوش ويستخرج من التربة المحاذية أو المجاورة للسيبان والترع والعتلة وتستخرج من التربات الرملية، والجندب ويستخرج من بعض الأعشاب البرية، وأبو حديد أو هديب كما يلفظ بلهجات بعض القرى والجراد وهذا له مواسمه ايضا في سني غزوه التي من ضمنها موسم الربيع حيث يتم اصطياده وطبخه وأكله اعتقادا بمفعولة كدواء شعبي للشفاء من بعض الأمراض، وكذلك هناك الدودة المعروفة بـ «القراض» التي تحوم حول المصابيح وهذه استخدامها كطعم عادة كما يقال نادراً.

أما من أشهر الطيور التي يتم اصطياد معظمها في هذا الموسم وبعضها الآخر ربما في فصول السنة الأخرى، فهي: الشرياص، والمدقي «أبلق أشهب»، والفكاكة «أبلق أبقع»، والحنيطبي «أبلق البادية»، والسمَّن بمختلف انواعها، والصرد، والشولة، والاشول، والقحافي، والقليعي، والأصعورة، والقوبعة، والصقرقع، والادراج، «كروان عسلي» والبصو أو البصوة، والخضيري «غراب زيتوني» والحمامي، والخطاف «سنونو» وغيرها من الطيور الجميلة الأخرى، ولاسيما الذكور منها التي تمتاز عن الآناث بألوانها الزاهية الفريدة من نوعها.

وكما أسلفنا القول فليس من الضرورة أن توفد جميع هذة الطور خلال هذا الفصل، إذ إن تقلبات المناخ تلعب دوراً في تبديل مواقيت وفادتها على سواحل الخليج. وإضافة الى تلك الطيور هناك هواية صيد أحد الطيور الجميلة المستوطنة وهو أشهر أحب الطيور لشعب البحرين ألا وهو البلبل. وعادة ما يتم اصطياد البلابل من خلال السطو المباشر على اعشاشها في أشجار النخل المعروفة بالخيس حيث يتم اختطاف صغارها وبيعها أو تربيتها في المنازل. وهناك أيضا الببغاوات في اشجار السدر المثمرة في هذا الموسم ويحتاج صيدها الي مهارة فائقة.

تراث معني بالتقويم الهجري

والمقصود بهذا الجانب من التراث كما ذكرنا كل أشكال عادات وأعراف وتقاليد الأفراح المرتبطة بالمناسبات والعادات الدينية الشعبية في موسم شهري ربيع الأول والثاني، وهو كما ذكرنا يكاد يكون أجمل وأطول مواسم الأفراح الشعبية الريفية على مر الشهور. ومعظم العادات والتقاليد والاعراف تتمثل في مجموعة من ألعاب الأطفال وحتى الرجال في هذا الموسم والمرتبطة بمجملها بالمناسبات الدينية التاريخية السعيدة الواقعة في هذة الفترة.

العدد 4494 - الجمعة 26 ديسمبر 2014م الموافق 05 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً