سعادة غامرة أشعر بها عندما اسمع احد الأطفال يتحدث اللغة العربية الفصحى بل و يضبط النحو و الصرف وهو ذاته ينطقها بفرح وكأنه يبتكر و يبدع!، حتى وان كانت بعض المفردات التي ينطقها لا يفهم معناها – لأنه غالبا سيكون قد سمعها من المسلسلات الكارتونية المدبلجة – ولكن ذلك في حد ذاته يبعث على الفخر ، و قد كانت طفلتي الصغيرة تردّد عبارة "من الآن فصاعداً"! وهي مستمتعة بتكرارها دون أن تعرف معناها، وهاهي ذي صارت تستخدمها في موقعها الصحيح عندما افهمناها في اي سياق يمكن أن تقال!، و الأهم في الحديث بالفصحى انّ الطفل يعوّد لسانه على التحدث بلغة عربية صحيحة و ثانيا لا يشعر بالخجل عندما يستخدم هذه اللغة امام الغرباء لأنه قد يشعر بنوع من الغربة!، ولأنه للأسف صار من يتحدث بلغة عربية فصحى مثار للسخرية والنكتة! حتى ولو كان يستخدم مجرد مفردات عربية صحيحة "عوضا" عن الانجليزية او الهندية او الدارجة، فأنا عندما اقول (مروحة) بدل (بانكة) او (نافذة) بدل (دريشة) أو (ملعقة) بدل (قفشة) أو (فطيرة) بدل (سندويتشة)! أو استهجن كلمات غريبة مثل (زتّت) وتعني (أسرع)!، فإنني ارى بعض الابتسامات الساخرة على الوجوه وكأنني كنت اتظارف او اهرّج!، بل أن احد المعارف إحدى المرات انفجر ضاحكا وهو يقول "كأننا في قبيلة قريش"!

كنت دائما اطلب من ولدي أن يقرأ ولو صحيفة أو مجلة أو قصة حتى يكون لديه مخزون من المفردات و العبارات ذلك اننا نجد درجات أولادنا في مادة التعبير محبطة بل و مخزية! بل اننا عندما نذاكر معه بعض دروس مقرر اللغة العربية ذات المفردات السهلة تكون الكلمات غير مفهومة بالنسبة له ويظل يحك رأسه ويلعب لعبة التخمين عسى أن تنجح إحدى المحاولات .. ذلك لأنه لم يقرأها او يسمعها من قبل وهو أيضاً لا يريد ذلك لأن الولد الذي يمسك الآي باد ليل نهار يلعب (العاب أجنبية) أو يشاهد (افلام اجنبية) فإنه لا ينطق اللغة العربية الصحيحة ولا يلتقي بها إلا اللهم في ركعات الصلاة وبعض دروس المدرسة! والا فليس بينه وبين العربية ود أو علاقة! ولذلك فإنه يقف عاجزا عن التعبير عن مشاعره سواءً في كراس المادة أو أمام الناس لأنه يفتقر لمعجم لغوي يعينه على صف و تدبيج افكاره ومشاعره و توضيحها بصورة مشرفة أو مقبولة. ، وغني عن القول ان اغلبنا يشعر بالنشوة أن تحدث ابناؤه أمام الغرباء بلغة انجليزية سليمة و يتباهى بذلك، ولا يقلقه قط ان ابنه او ابنته غير قادر على نطق عبارة او كتابة سطر بلغة عربية صحيحة، لأنه هو ذاته إذا تكلم مع صديق او جار عربي مثله .. تسمع منه عشرين لفظا اجنبياً تقع بينها سبع كلمات عربية و من ضمنها الأسماء!

يقال ان كونفوشيوس حكيم الصين قال مرة " لو اتيح لي أن أحكم لبدأتُ بإصلاح اللغة" ، و قد كنت اكتب متحسرا مشفقا على لغتنا منذ سنوات وإن كنت حققت بعض النجاح في "ضبط" الكلام على مستوى أفراد من الأهل والأسرة! إلا أن الوعي بحقيقة ان لغتنا هي هويتنا و كياننا و منبع ديننا وثقافتنا، ذلك ليس في الحسبان لأننا نعتقد اننا – فعلاً – نتحدث العربية في كلّ مكان .. و أيّ عربية!