النجف المدينة القديمة تحمل بين جوانبها تاريخاً حافلاً بالذكريات، وخصوصاً أحياءها القديمة وجغرافية منازلها التاريخية التي لاتزال تتخذ من الطابع القديم نموذجاً حصريّاً لها في فن العمارة والبناء، فمنازل النجفيين لاتزال على عهدها القديم مترابطة ومتلاصقة ببعضها بعضاً، ونادراً ما تجد أن هناك منزلاً منفصلاً عن الآخر، وإذا تجولت في ممرات أحيائها ستجد ممرات صغيرة تبحر بك إلى زمن حياة الأجداد وتاريخ حياتهم القديم، وحين تتعمق وتفتش وتبحث في دفاتر التاريخ ستجد أن النجف لها تاريخ حافل من الذكريات مع شخصيات عملاقة ومن مختلف بقاع الأرض، وذلك لأن النجف مدينة العلوم الدينية، وكانت مقصداً للكثير من العلماء ومراجع الدين ولاتزال في النجف أثار وأسماء للمؤسسات مرتبطة ببلدان لا تنطق حتى اللغة العربية ومن أشهرها الجامع الهندي الذي شيد على نفقة مجموعة من تجار الهند الذين كانوا يقصدون النجف سعياً منهم لبناء المساجد أو لتقديم الأموال، ويعتبر الجامع الهندي أحد مراكز حلقات التعليم الديني في النجف، كما يحتضن الجامع الهندي ضريح المرجع الراحل السيد محسن الحكيم وعدد من أبنائه بالإضافة إلى أسماء لعلماء وشخصيات اشتهرت بأسماء موطنها الأم كالشيخ الجزائري، وغيره من علماء الدين الذين استوطنوا مدينة النجف منذ آلاف السنين.
«ذكريات غير متناثرة»
كان الخطوة الأولى
قبل السفر بعدة أيام لمدينة النجف استوقفني كتاب «ذكريات غير متناثرة من النجف الأشرف» لرئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري، وقمت بتقليب هذه الذكريات القديمة صفحة صفحة والسير خلف كل كلمة دوّنها الجمري وحررها قلمه كي تبقى ذكريات لا تندثر وتكون إرثاً تاريخيّاً يؤرخ لذكريات الراحل الشيخ عبدالأمير الجمري لما يقارب اثني عشر عاماً «1962 - 1973»، وهذه الذكريات جعلتني أقرر أن يكون هذا الكتاب رفيق السفر في رحلتي للنجف الأشرف وإطلاع النجفيين على هذا الذكريات التي مضت عليها حقبة زمنية طويلة.
رجالات النجف... من أين لك هذا التاريخ وأنت في مقتبل العمر؟
بعد الوصول إلى مدينة النجف الأشرف قمت بالتجوال في أحيائها القديمة وممراتها الصغيرة والتعرف على أسمائها، فمدينة النجف بها مناطق عديدة لكن أشهرها محلة المشراق والحويش والعمارة والبراق وهذه الأحياء السكنية غالبيتها مرتبط بأسواق تحمل الاسم ذاته للمحل، ومن بين هذه الأسواق سوق يسمى بالسوق الكبير وسمي بالسوق الكبير لطوله وكثرة المحلات التي توجد به، فالسوق الكبير يمتد لمسافات طويلة ويربط الأحياء النجفية ببعضها بعضاً، وبعد التجوال قمت بسؤال بعض رجالات النجف عما دونه الجمري في كتابه كطريق عقد أبوالحسن والمدرسة الطالبية التي تعلم في صفوفها محمد جميل الجمري، ومنصور الجمري، والسؤال عن محل أبو مزهر لبيع العبي (البشوت) حيث كان الشيخ الجمري يتوافد على هذا المحل لشراء البشوت، وكذلك تم السؤال عن محل حسين العذاري وهذا المحل كان تصله رسائل الشيخ الجمري من البحرين.
وحينها شاهدت علامات الاستغراب والاندهاش في عيونهم ووجوهم وقبل أن يجيبوني على أسئلتي بادرني النجفيون بعدة أسئلة: من أي البلدان أنت؟ وآخر يسألني كم تبلغ من العمر؟ وآخرون من أين لك كل هذا المعلومات والمسميات التي باتت في طي النسيان؟، غير أنني بادرت بقراءة ما دونه منصور الجمري عن حياة الشيخ الجمري في النجف على مسامعهم، وبمجرد أن سمعوا باسم الراحل الشيخ عبدالأمير الجمري قاموا بالترحم عليه، بعد ذلك أجابوني بكل أسف بأن كل ما سألتنا عنه ليس له أثر أو تاريخ في النجف الآن، فالمدرسة الطالبية هُدمت وأصبح مكانها فندق سياحي، وأصحاب المحلات التي ذكرتهم اختارهم الله من زمن طويل، ومنزل الشيخ الجمري أصبح الآن ضمن التوسعة الحديثة للعتبة العلوية المقدسة لمشروع «صحن السيدة فاطمة الزهراء» الذي يتم تشييده حديثاً.
البهاش... الجمري وثق لذكريات لم نوثقها نحن النجفيين
ليث كامل البهاش من مواليد العام 1962 أرشدني إليه أحد رجالات النجف، وهو من طلاب المدرسة الطالبية وكان زميلاً لمنصور الجمري آنذاك، سعد كثيراً حين عرفته بنفسي، وأني أحمل معي بعض الذكريات المدونة والمؤرخة عن المدرسة الطالبية... استقبلني أجمل استقبال ورحب بي أطيب ترحيب وبدأنا نتصفح كتاب الذكريات التي دوَّنها الجمري.
وأفاد البهاش بأن المدرسة الطالبية تعود ملكيتها إلى آل نجم وهي عائلة نجفية معروفة وكان مدير المدرسة شخصاً يدعى مكي النجم.
ويذكر البهَّاش أنه كان معه زملاء من عدة بلدان لكون النجف تستقطب طلاب العلوم الدينية من مختلف بقاع الأرض، فكان غالبية علماء الدين يهاجرون ويتوافدون إلى النجف برفقة عائلاتهم، كما أن العوائل البحرينية التي تتوافد على النجف كانت معروفة في الأوساط النجفية، مشيراً إلى أنهم كانوا يدرسون في مدرسة واحدة تجمع النجفيين مع غيرهم من البلدان الأخرى.
وعن تاريخ هدم المدرسة، ذكر البهاش أن آخر عهد للمدرسة كان في التسعينات ولم يتبق لها آثر الا بعض المساكن القديمة التي تقع خلفها.
ويستذكر البهاش أسماء المعلمين وبعض الطلاب الذين كانوا في الصورة التي وثقها الجمري في الكتاب كالمعلم غازي الرشيدي الذي توفي قبل ما يقارب خمس سنوات، كما طلب البهاش من الجمري إعادة الذكريات مع احد المعلمين والمعروف باسم «الكروي».
وبعد الحديث عن أيام المدرسة تطرقنا إلى أيام الطفولة التي دونها الجمري حيث أعجب البهاش بالذكريات التي يمتلكها الجمري كلعبة الدعبل وبائع الايسكريم وغيرها من الذكريات الشيقة التي أبحرت به إلى الطفولة الجميلة.
وختم البهاش حديثه بالقول: إن «توثيق هذه الذكريات وجمعها وطباعتها في كتاب «ذكريات غير متناثرة من النجف الاشرف» ليس بالأمر السهل، كما أسعدني كثيرا أن أقتني هذا الكتاب كي أعيد ذكريات طفولتي وأيام دراستي والأحداث التي مرت بها النجف، وأنا سعيد جدّاً بهذا التوثيق الذي وثقته الأقلام البحرينية، إذ إن الجمري وثق لأحداث ومحطات تاريخية مهمة في النجف الاشرف نحن كنجفيين لم نوثقها».
العدد 4491 - الثلثاء 23 ديسمبر 2014م الموافق 02 ربيع الاول 1436هـ
البحراني
هذه السنة تميزت صحيفة الوسط بتغطيتها بشتى المجالات لمناسبة الاربعين واستغلتها خير استغلال .. هنا بالصحيفة وبالانستغرام .. فتحية للاقلام المخلصة
تسلم بو هادي
حبيبي الورده ابو هادي
عطرك تجاوز البلد
ووصل للنجف
موفق يا حبيبي
دعواتي لك من قلبي بالتقدم والرقي ومزيد من العطاء
وان يصل عطائك لبلدان أخرى
انت مبدع
انت طاقة حسينية علوية مهدوية
لاتحرمنا من هذا العطاء
مع محبتي/ابوس هادي
ابو صالح
بحث رائع
لطالما انتظرنا هذه اللمسات التي ترابط بين الاوراق التاريخية بين البلدان العريقة والمرتبطة بتاريخ سكان اهل البحرين..
وفقت وبانتظار المزيد