يمكن لأيٍّ منا تطويع آلامه وصدماته والعثرات التي تعترض مسيرته وجعلها تسير في صالحه وصالح تحقيق آماله، ولكن على النقيض تماماً، هنالك من لا يستغل مواطن قوته ويقوم بإضاعة الفرص بل ويستسلم لكل معضلة وينهار فيكون هشاً سهل الكسر، فيضع نهاية طموحه بيديه.
يقال إن حصان أحد المزارعين وقع في بئر مياه عميقة وجافة، فبدأ بالصهيل واستمر لعدة ساعات، كان خلالها المزارع يبحث عن طريقة ليستعيد بها حصانه، ولم يستغرق الأمر طويلاً كي يقنع نفسه بأن الحصان قد أصبح عجوزاً، وأن تكلفة استخراجه تقترب من تكلفة شراء حصان آخر، ولأن البئر جافة منذ زمن طويل وتحتاج إلى ردم، أقنع المزارع بعض جيرانه بمساعدته في ردمها والتخلص من حصانه بدفنه. وهكذا بدأ الجميع بجمع الأتربة والنفايات بالمعاول والجواريف وإلقائها في البئر.
في بادئ الأمر، أدرك الحصان حقيقة ما يجري، حيث أخذ في الصهيل بصوتٍ عالٍ يملؤه الألم وطلب النجدة، وبعد وقت قصير اندهش الجميع لانقطاع صوت الحصان، فنظر المزارع إلى داخل البئر وقد صعق لما رآه؛ فقد وجد الحصان مشغولاً بهز ظهره كلما سقطت عليه الأتربة، إذ كان يرميها بدوره على الأرض، ويرتفع هو بمقدار خطوة واحدة للأعلى! وهكذا استمر الحال، الكل يلقي الأتربة إلى داخل البئر فتقع على ظهر الحصان فيهز ظهره فتسقط على الأرض، ويرتفع خطوة بخطوة إلى أعلى، وبعد الفترة اللازمة لملء البئر، اقترب الحصان للأعلى وقفز قفزة بسيطة وصل بها إلى خارج البئر بسلام.
لو أن هذا الحصان استسلم، وهو الذي لا يملك عقلاً بشرياً يفكّر ويخطّط ويحوّل كل ألمٍ إلى أمل، لكان مدفوناً في قاع تلك البئر، فكيف بمن يملك ذاك العقل الذي ميّزه الله وأكرمه به؟
المعضلات كثيرة، والأحجار التي تصادفنا في الطريق اليومي كثيرة ومتنوعة الأحجام والأشكال، وجميعها تنتظر من يحيلها جسراً يصل به إلى مبتغاه، قوياً وقادراً على العطاء بسعادة.
والأمثلة البشرية كثيرة على هذا النجاح الذي يأتي بعد الكوارث والصدمات نتيجة إصرار صاحبه على تحقيق ذاته، وما أوبرا وينفري إلا واحدةً من هؤلاء، وهي التي بات يعرفها كل بيت في العالم، وحقّقت نجاحات وجوائز متعددة في الكتابة الأدبية والإنتاج والإعلام والسينما، وهي التي رُفِضَت للعمل في التلفزيون في بداية حياتها بحجة أن وجهها لا يتناسب مع الظهور على الشاشة الفضية.
وجوان رولينج، مؤلفة سلسلة «هاري بوتر» الشهيرة جداً، مازالت تتحدّث عن رفض دور النشر لكتبها سنوات طويلة قبل نشر أولى أجزاء سلسلتها.
وفي المقابل فإن عالمنا العربي أيضاً يزخر بكثير من قصص النجاح التي جاءت بعد رفض ومحاربة وبعد ضيق شديد؛ فقد كان صالح الراجحي مالك بنك الراجحي السعودي مثلاً، مجرد بائع فيما عمل أشهر مدرب في التنمية البشرية إبراهيم الفقي رحمه الله منظفاً في أحد الفنادق قبل أن يصبح مديراً له ويمتلك سلسلة فنادق ويشتهر في مجال التنمية البشرية.
وهناك من الأمثلة الكثير، كطه حسين الذي فقد بصره في الرابعة من عمره؛ ونجيب محفوظ الذي حورب بعد كتابة رواية «أولاد حارتنا» التي كُفِّر على إثرها وتعرض لمحاولة اغتيال؛ وإسماعيل ياسين الذي عانى بعد وفاة والدته وإفلاس والده، فهرب من بيته خوفاً من بطش زوجة أبيه ولم يكمل تعليمه لانشغاله بإعالة نفسه منذ صغره... وغيرهم.
لا يأتي النجاح يسيراً سهلاً أبداً، ولا يتذوق حلاوته من يصل إليه من غير تعب أو جهد، ولهذا فإن الحياة السعيدة لا تتسع إلا للمناضلين والمكافحين.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4490 - الإثنين 22 ديسمبر 2014م الموافق 30 صفر 1436هـ
هناك صعوبات وليس هناك مستحيل
كم رائعة انت ايتها الكاتبة، تبثين الحماس والامل والتفاؤل في نفوس قراء مقالاتك. ...المرحوم حسين الامير، كان مكافحا حول اعاقته البصرية الى جسر عجز المبصرون عن ادراك مدى اصراره ونضاله للاعتماد على ذاته. إذا توفرت قوة الارادة فإنه يمكن الوصول الى الاهداف. اعتقد ان هناك صعوبات في الحياة وهذا لا يختلف عليه اثنان، لكن ليس هناك شيئ مستحيل.