العدد 4488 - السبت 20 ديسمبر 2014م الموافق 28 صفر 1436هـ

علماء البحرين والهجرة إلى القطيف

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

لسنوات طويلة مثلت القطيف منطقة الهجرة الأولى للكثير من علماء البحرين، خصوصاً في فترات الاضطراب الكثيرة التي عاشتها البحرين. فبالإضافة لقربها الجغرافي، تعتبر القطيف قريبة، عقيدةً وتاريخاً، من شعب البحرين.

تبرز القطيف، على سبيل المثال، في حياة اثنين من أبرز علماء البحرين، وهما صاحبا أبرز كتابين تخصّصا في تراجم علماء البحرين، وهما الشيخ يوسف العصفور صاحب كتاب «لؤلؤة البحرين» (المتوفى 1772) والشيخ علي بن حسن البلادي صاحب كتاب «أنوار البدرين» (المتوفى 1922). وعلى رغم مرور 150 عاماً، وهي المدة الفاصلة بين حياة الشيخين، إلا أن كلا العالِمَيْن لجآ إلى القطيف في بعض فترات حياتهما بعد تعرّض البحرين لاعتداءات خارجية للاستيلاء عليها. ومثّلت القطيف في الكثير من سنوات الاضطراب في البحرين المنطقة الآمنة والقادرة على احتضان أهل البحرين وعلمائها. كما أنها لقربها من البحرين، تحتفظ للمهاجر إليها بإمكانية العودة السريعة متى هدأت الأمور.

يمكن ملاحظة أنواع مختلفة للهجرة إلى القطيف، فأحياناً يهاجر عالم الدين لفترة أشهر أو سنوات معدودة ثم يعود للبحرين؛ وأحياناً يهاجر للقطيف بنية العودة للبحرين ولكن أجله يحين قبل موعد العودة فيدفن في القطيف. وأحياناً أخرى يستقر في القطيف وتصبح وكأنها موطنه الثاني الذي استقر فيه.

ورغم أن اضطراب البحرين هو أبرز أسباب الهجرة القصيرة التي تستمر لأشهر أو سنوات معدودة، إلا أن هناك أسباباً أخرى أيضاً. فقد تكون مجرد زيارةٍ للأهل، وقد تكون لتلقي العلم الديني من عالِمٍ يقيم هناك، أو قد تكون لزيارة بعض الأصدقاء في طريق الذهاب أو العودة من الحج. فالشيخ يوسف العصفور، على سبيل المثال، كان يذهب لزيارة والده الذي أقام في القطيف في بعض فترات حياته. يقول العصفور: «ثم إني سافرت إلى القطيف لزيارة الوالد وبقيت شهرين أو ثلاثة». كما كان يذهب أيضاً للاستفادة من علم أستاذه هناك الشيخ حسين بن محمد البحراني الماحوزي، يقول: «سافرت إلى القطيف لأجل تدقيق الحديث على شيخنا الشيخ حسين».

أما زيارة القطيف في طريق الحج فنجد لها مثالاً في قصة الشيخ حسين العصفور، حسب ما ينقل الشيخ علي البلادي في كتابه «أنوار البدرين». يقول: «هذا الشيخ أتى لبلاد القطيف مسافراً لحج بيت الله الحرام وزيارة النبي وآله، عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، واجتمع بالسيد الأمجد السيد محمد الصنديد القطيفي (ره) وكان هذا عنده من الكتب النفيسة الكثيرة ما لا توجد عند غيره، فرأى عنده كتاباً هو يتطلبه من كتب الأخبار، فالتمس منه أن يصحبه إياه في سفره لينقله عنده، وكان السيد ضنيناً بذلك لعدم وجود نسخته فلم يعطه إياه، فبقي الكتاب المذكور عند الشيخ المذكور أياماً يسيرةً مدة جلوسهم في القطيف، ثم أعطاه الكتاب وسافر فلما قضى مناسكه وزيارته رجع على البر ماراً ببلاد القطيف، فلما اجتمع بالسيد أمره أن يأتيه بذلك الكتاب فأتى به إليه، فاستخرج نسخة جديدة كراريس مكتوبة عديدة ليقابله عليه، فقال له: هل وجدت نسخة ونقلته؟ فقال لا ولكنني تتبعته وحفظته وكتبته على حفظي بأبوابه وترتيبه وأسانيده، فتعجب السيد والحاضرون عجباً عظيماً، وقابله به طبقاً لم يختلف عنه إلا يسيراً لا يذكر».

من جهة أخرى، هناك من ينتقل للقطيف لاضطراب الأوضاع في البحرين بنية العودة، ولكنه يتوفى ويدفن في القطيف. من هؤلاء الشيخ أحمد بن إبراهيم العصفور والد الشيخ يوسف العصفور، مؤلف كتاب «لؤلؤة البحرين». يذكر الشيخ يوسف أنه بعد الهجوم الثالث على البحرين من قبل العمانيين للاستيلاء عليها «حصروا البلد لتسلطهم على البحر حيث إنها جزيرة، حتى أضعفوا أهلها، وفتحوها قهراً، وكانت واقعةً عظمى، وداهيةً دهماء، لما وقع من عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء، وبعد أن أخذوها وأمنوا أهلها هربت الناس – سيما أكابر البلد – منها إلى القطيف وإلى غيرها من الأقطار، ومن جملتهم الوالد – رحمه الله – مع جملة العيال والأولاد، فإنه سافر بهم إلى القطيف».

وبعد الاستقرار في القطيف لسنوات معدودة، عزم الشيخ أحمد على العودة للبحرين ولكنه توفي قبل تحقيق ذلك. ويضيف الشيخ يوسف: «فضاق بالوالد الجلوس بالقطيف لكثرة العيال وضعف الحال، وقلة ما في اليد، فعزم على الرجوع إلى البحرين وإن كانت في أيدي الخوارج إلا أن القضاء والقدر حال بينه وبين ما جرى في باله وخطر».

أما الاستقرار في القطيف فيبرز في حياة الشيخ علي بن حسن البلادي، مؤلف كتاب «أنوار البدرين»، والمتوفى العام 1922. ينقل الشيخ علي أنه حين كان في سن الحادية عشر أو الثانية عشر، حصل هجوم على البحرين الأمر الذي دفعه وأمه إلى الهجرة للقطيف بعد وفاة والده. ورغم أن أصل الشيخ علي يعود إلى منطقة البلاد القديم وأنه وُلد فيها، إلا أن هجرته للقطيف يبدو أنها استمرت حيث استقر وتوفي ودفن فيها.

من اللافت أن الشيخ علي بن حسن البلادي، ورغم لقبه الدال على أصله البحريني، له ابن يسمى الشيخ حسين القديحي، نسبة إلى قرية «القديح» المعروفة في القطيف، وهو اللقب الذي يربط الابن بالقطيف. هذا الأمر قد يساهم، مع مرور الوقت، في اندثار لقب «البلادي» وبالتالي انقطاع الرابط الدال على الأصل البحريني. وقد يكون الانتقال من لقب «البلادي» إلى «القديحي» مجرد نموذج من نماذج كثيرة. هذا الأمر يعني أن الكثير من علماء البحرين أو الأسر البحرينية التي هاجرت إلى القطيف واستقرت فيها ربما تكون قد ارتبطت حالياً بألقاب قطيفية، الأمر الذي يجعل من الصعب التعرف على أصولها البحرينية.

تأسيساً على ذلك، يمكن القول أن الاعتماد على الألقاب البحرينية للعلماء وللأسر التي تعيش في القطيف كدليل على أصل الارتباط بالبحرين لم يعد كافياً، وذلك لاحتمال تخلّي الكثير من هذه الأسر عن الألقاب المرتبطة بالبحرين. من جهةٍ أخرى، فإن الاضطرابات التي كانت تقع في البحرين كانت تؤدي في الكثير من الأحيان إلى تدمير الآثار التي ربما يستفاد منها في معرفة الأصول، وقد تعرّض إلى هذا الأمر مؤلف كتاب «أنوار البدرين» نفسه، حين حديثه عن أحد أجداده وهو الشيخ أحمد بن عبد الله بن جمال البلادي البحراني. يذكر مؤلف الكتاب بأنه «لم يبق لنا من آثار آبائنا ما نستكشف به أحوالنا مع كثرتها لكثرة ما وقع على البحرين من الحوادث والوقائع».

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4488 - السبت 20 ديسمبر 2014م الموافق 28 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:23 م

      محمد صبيح البلادي

      في الواقع كما تفضل الاخ عن الهجرة للقطيف ؛واسبابها لم يتطرق بتفاصيل أخرى واستمرار اسباب مشابهة حدثت في الاحساء والقطيف وادت لاستمرار الهجرة الى المحمرة والبصرة وسوق الشيوخ ؛ وهناك مالايقل عن اسم مائةعائلة تتواجد في البصرة بما فيهم عائلة العصفور ونحن البلادي كنا في المحمرة وجدي جاء للبصرة مع والدي محمد جعفر عبيد صالح الشيخ علي بن الشيخ حسين الشيخ محمد الشيخ احمد الشيخ عبد الله اين الحسن البلادي واكثر عائلتنا في المحمرة واولاد عم لنفي سوق الشيوخ ؛ ونرتبط الشيخ علي صاحب الانوار يالشيخ محمد وابنه ال

    • زائر 2 | 10:24 ص

      راي

      يشردون بدل مايدافعوا عن ديرتهم عيل وين هيهات منا الذله افاااااااا هذي علماؤكم هلون عيل اشلون انتم

    • زائر 1 | 9:53 ص

      امتداد طبيعي

      تاريخ مشترك ومصير واحد
      شكرا استاذنا لهذه الاضاءة

اقرأ ايضاً