يعيش هاورد كنج في البحرين منذ العام 1983 إلى يومنا هذا. 31 عاماً قضاها في توثيق ومتابعة الحياة البيئية والفطرية بشكل عام والطيور بشكل خاص. كنج إنجليزي الجنسية قدم البحرين للعمل كموظف مسح ورسم الخرائط في وزارة الإسكان وبدأ اهتمامه بمتابعة الطيور من حديقة منزله بالقضيبية. في العام 1994 ذهب لجزيرة حوار في مهمة عمل، قضى فيها يومين فقط وغادرها بعد أن لفت انتباهه طائر اللوهة وسلوكه، بالإضافة لطيور أخرى. عاد للجزيرة بعد أربعة أعوام لعمل خرائط ومسح شامل، إضافة لإعداد تقرير عن الحياة البيئية والفطرية هناك فتمخض عن ذلك كتاب عن حياة الطيور في حوار. اقتنى أول كاميرا احترافية خاصة به في العام 2006 فبدأ بتصوير الطيور ورصدها بعيداً عن حوار. يخرج كل يوم جمعة قبل طلوع الشمس حتى مغيبها، يتنقل من منطقة لأخرى. دخل جميع القرى والمدن والمناطق الزراعية والبرية ليوثق 328 نوعاً من الطيور التي ينشر صورها ومعلومات عنها في مدونته الخاصة على الإنترنت.
“الوسط” التقت بهاورد كنج وأجرت معه هذا الحوار:
متى كانت بدايتك في رصد الطيور. ولماذا اخترت البحرين وهي الأقل تنوعاً من حيث تواجد الطيور في المنطقة؟
- أتيت للبحرين في العام 1983 للعمل كموظف مسح ورسم خرائط بوزارة الإسكان وبدأت بالاهتمام ورصد الطيور من حديقة منزلي الكائن بالقضيبية والذي بني مكانه الآن فندق عمر الخيام وكان حينها قريباً من البحر. كنت أجلس في الحديقة وأدون مشاهداتي لسلوكياتها، انتقلت بعدها لمشروع حقيقي للتوثيق بدأ من جزر حوار. وليس دقيقاً وصف البحرين أنها الأقل تنوعاً من حيث الطيور في المنطقة، ففي حديقة منزلي ببريطانيا رصدت 26 نوعاً، أما بحديقة منزلي هنا فرصدت 110 أنواع من الطيور. مساحة البحرين الصغير فعلاً إلا أنها مقصد للكثير من الطيور المهاجرة على رغم أنها الآن عرضة للتناقص!
وما هي أسباب تناقصها؟
- بعض الطيور المهاجرة تأتي من سيبيريا وألاسكا وأميركا وإفريقيا والهند وغيرها للبحث عن المناطق ذات الجو الدافئ والمعتدل فتصل منهكة والضعيف منها يسقط ميتاً قبل وصوله. وما تبقى أما يمر عابراً لمناطق أخرى أو يستقر لفترة ثم يستأنف هجرته، وأثناء مرورها أو مكوثها تتعرض لعمليات القنص والتي تتم للتسلية فقط. والطيور الكبيرة هي الأكثر عرضة للقنص. بالإضافة لتزامن موسم هجرة الطيور مع موسم تكاثر الطيور الجارحة - والتي يوجد منها الكثير في حوار - ما يجعلها عرضة للافتراس قبل وصولها البحرين. ومن الأسباب المهمة في تراجع أعداد الطيور تقليص المساحة الخضراء والقضاء على البيئة التي تعتبر مقصداً لها. أضف إلى ذلك التطور العمراني على حساب البيئة.
كيف كانت بدايتك مع الطيور في جزر حوار؟
- في نوفمبر/ تشرين الثاني 1994 أرسلت من قبل وزارة الإسكان لجزر حوار لعمل مسح وخرائط لها. قضيت هناك يومين فقط وعدت لسبب اشتداد الأزمة بين البحرين وقطر على الجزر. في هذين اليومين لفتت انتباهي الطيور هناك وخصوصاً طيور اللوهة وفراخها وسلوكها فبدأت الأسئلة تدور داخلي. لذلك قررت العودة مجدداً واكتشاف هذا العالم.
في العام 1998 دخلت البحرين وقطر مرحلة جديدة في الاحتكام الدولي على الجزر فقام وزير الإسكان آنذاك الشيخ خالد بن عبدالله ال خليفة بالبحث عمن يجري مسحاً وخرائط للجزر وتوثيقاً للحياة البيئية والفطرية فيها فسأل مايكل - بريطاني الجنسية يعمل معنا بالوزارة - عمن يمكنه القيام بالمهمة فأجابه أن ثمة شخصاً يثق به وهو موظف لديه في الوزارة، وبناء على ذلك تلقيت مكالمة من الوزير شخصياً وعرض عليّ هذه المهمة التي لم أتردد في قبولها. توجهت لحوار مباشرة وباشرت العمل. بعد عام سلمت الوزير تقريراً شاملاً، بالإضافة لتقرير عن الطيور وأنواعها وطريقة تكاثرها وغذائها والذي من خلاله أصدرت الوزارة في ديسمبر/ كانون الأول 1999 كتاباً باسمي عن طيور حوار تحت عنوان “The Breeding Birds of Hawar”.
وهل لقي الكتاب رواجاً واهتماماً؟
- نعم... الكتاب نفدت جميع نسخه من السوق ولم تطبع نسخ أخرى. وأفضل اهتمام حصلت عليه كان من جلالة الملك حينما أهديته نسخة منه. تصفحه وأبدى اهتماماً كبيراً به وراح يسألني عما يحوي الكتاب، وبدأ يطرح الأسئلة عن الطيور ومناطق تواجدها وطرق عيشها وتربيتها لصغارها. أذكر أن طريقة بناء طيور اللوهة لأعشاشها أثارت انتباهه فسألني لماذا أعشاشهم بهذا الشكل! فرحت أقلد أمام الحاضرين طريقة بنائها لأعشاشها وطريقة دورانها داخل العش فضحك من طريقتي العملية في الشرح أمام استغراب الحاضرين، حتى إنني سمعت أحدهم يقول: “يبدو أنه سيبيض هنا!”.
بعد إصدارك التقرير والكتاب... هل انتهى دورك في حوار أو كان لك عمل آخر؟
- لا لم ينتهِ... ترددت على حوار بعد هذا التقرير سبع سنوات أخرى. وكنت مع مبعوث البحرين لمنظمة اليونسكو في العام 2002 إسماعيل المدني عندما أرادت الحكومة تسجيل جزر حوار محمية طبيعية وموقعاً للتراث العالمي نظراً لبيئتها الفريدة وكونها موئلاً لأنواع من الطيور والحيوانات المهددة بالانقراض. ذهبنا للصين وعرضنا مشروع حماية الجزر. رفض الطلب في نهاية المطاف لأن الجزر تقع في حدود دولتين ولا يمكن تسجيل قسم منها دون الآخر، لذا طُلب منا أن نأتي بمشروع مشترك يحمل اسم البحرين وقطر. كان ذلك غير ممكن نظراً للعلاقة بين الدولتين في تلك الفترة.
أيضا في العام 2004 راسلت قناة “البي بي سي” لأدعوها لعمل برنامج عن حوار والحياة البيئية فيها، تجاهلتني في البداية فأرسلت لها مقطع فيديو صغير يُظهر تجمعاً كبيراً لطيور اللوهة في حوار فشد ذلك انتباهما واهتمامها. أرسلت طاقماً متكاملاً مدعوماً بطائرة عمودية لتصوير هذا التجمع الذي اعتبرته فريداً في المنطقة من حيث العدد، إذ وثقت وجود أكثر من 100 ألف طائر، كما وثقت أيضاً في زيارتها تواجد بقر البحر والسلاحف والبوم وغيرها إلا أن التركيز كان على اللوهة. التصوير استغرق 107 ساعات من أجل الحصول على 10 دقائق لهذا المقطع الذي عرضت منه فقط دقيقتان وثمانية وعشرون ثانية في برنامج يستعرض مناطق عدة من العالم وما تتميز به عن الحياة الفطرية.
وفيما يخص حوار أيضاً كان لدي تواصل مع “ناشيونال جيوغرافيك”. وأجريت معي مقابلات على قناة “السي إن إن”. وساعدت عدداً من الكتاب والباحثين في مشاريعهم المتعلقة بحوار.
ما هي خطوتك التالية بعد ثماني سنوات قضيتها في حوار وتوثيق الحياة البيئية والفطرية فيها؟
- في العام 2006 اقتنيت أول كاميرا احترافية خاصة بي مع عدسة لتصوير الطيور وعليه اتجهت لخطوتي الثانية وهي التصوير والرصد بعيداً عن حوار، وساعدني على ذلك الصديق عبدالله الكعبي؛ المختص في هذا المجال. أخرج كل يوم جمعة قبل طلوع الشمس حتى مغيبها فدخلت جميع القرى والمدن والمناطق الزراعية والبرية وأية منطقة تعتبر بيئة للطيور. لأن الطيور لا تتواجد في بيئة واحدة بل لكل نوع من الطيور بيئة معينة ذات خصائص تناسب أسلوب حياتها.
وهل هذا المجهود سيتوج بإصدار كتاب؟
- لا توجد نية لدي لإصدار كتاب آخر. أنا أتابع الطيور وكلما يخص الحياة البيئية لأنني تعودت على ذلك وأجد في الأمر متعة. لكني أنشر صوري وملاحظاتي على مدونتي الخاصة التي تحمل اسم جزر حوار.
من خلال هذه المتابعة والرصد كم طيراً وثقت في البحرين وأيها حظي باهتمامك أكثر؟
- وثقت 328 نوعاً من الطيور في البحرين. المقيمة منها تتراوح ما بين 65 و70 طيراً والباقي كلها طيور مهاجرة. وأبرز طائر رصدته هو (Grey hypocolius) ويسمى الخنّاق الرمادي وكذلك البلبل الروسي. أنا جداً معجب بهذا الطائر.
كيف تجد الاهتمام الرسمي والشعبي بالبيئة في البحرين؟
- على رغم وجود بيئة غنية وفريدة في البحرين إلا أنه وللأسف لا يوجد اهتمام بها بالمستوى المطلوب لا من الجهات الرسمية ولا الشعبية. الوعي البيئي مطلوب وعلى الناس أن تفهم الطبيعة وأهمية البيئة والمحافظة عليها، فالقضاء على البيئة سيخل بتوازن الطبيعة، كما أن القضاء على أي جزء منها يخل بدورة الحياة الطبيعية للكائنات الموجودة عليها.
قضيت أكثر من ربع قرن في البحرين. فهل تفكر بالعودة لموطنك أم البقاء هنا؟
- لا أفكر بالعودة. أنا باقٍ في البحرين مع عائلتي لأنني معجب بالحياة فيها. وعائلتي كذلك. فعلى مدار الـ 31 عاماً تكونت لنا العديد من الصداقات والتواصل. الناس هنا طيبون، يشعرونك بالأمان أينما تذهب وفي أي وقت. في المزارع عندما أقابل كبار السن أبتهج جداً لمعاملتهم وبشاشة ملامحهم. ربما الصغار أحياناً مزعجون لكن ليس بالمستوى المؤذي. لذلك أن سعيد جداً بتواجدي هنا.
العدد 4486 - الخميس 18 ديسمبر 2014م الموافق 25 صفر 1436هـ
هو يقول وانته تقول
هو يقول وثقت 328 نوعاً من الطيور في البحرين وفي بريطانيا رصدت 26 نوعاً وتساله لماذا اخترت البحرين وهي الأقل تنوعاً من حيث تواجد الطيور في المنطقة؟ يعني البحرين انواع الطيور فيها اكثر
موضوع جميل
موضوع جميل. استمتعت بقراءته. مثل هذا الشخص يستحق الالتفات له وإعطائه هذه المساحة والوقت. ودائما الوسط بالمقدمة في مثل هذه المواضيع الاستثنائية والمميزة التي لا تجدها في صحيفة أخرى
يبرد القلب
هذا من الاجانب اللي يبردون القلب لو تجنسوا اهلا وسهلا بهم مو على قولة المثل: "زوير وعوير واللي ما في قدره خير"
جهد رائع يستحق الثناء
قمت بزيارة مدونته عدة مرات وبها صور رائعة للحياة الفطرية في البحرين. انصح الجميع بزيارتها. لزيارتها ابحثوا في جوجل عن Birding Bahrain وستظهر لكم.
..
لايضر ولا ينفع ... خله يوثق الانتهاكات اللي تصير في البلد من قتل وتعذيب مو مجود لي الطيور ويش انسوي بالطيور احنا
مرحباً بك في اللبحرين
قرأت الموضوع وأعجبت بهذا الرجل العالم والمفكر الذي لم يترك الوقت يذهب سدي أتمنى ألتعرف على هذا الرجل وفقك الله لكل خير