عندما كنت في طريقي لأحد المجمعات التجارية و بصحبة إبني ذي السبع سنوات سألني سؤالاً أبهرني و تملكني منه العجب فإما أن يكون إبني ذو ذكاء خارق أو تكون رائحة وزارة الإسكان قد فاحت و انتشرت حتى أصبح يشمها القاصي و الداني ، الكبير و الصغير من بُعد .كان سؤال إبني لماذا وزارة الإسكان كاذبة ؟

ضحكت و من ثم أجبته بسؤال ، لماذا قلت عن وزارتنا الموقرة بأنها كاذبة ؟

فأجاب قائلاً :جارنا (عمرو)إبنه أصبح في طولك يا أبي و جارنا (زيد)إبنه خط شاربه أما ذاك الجار إبنه يقود دراجة نارية كبيرة و كلهم يا أبي لازالوا يعيشون في بيوت أجدادهم و في كل مرة أسمعك تقول بأن الوزارة ستوزع بيوتاً و حتى يومنا هذا لم أرَ أحداً من منطقتنا قد إنتقل لبيت جديد .

حاولت (للأسف)أن أكذب عليه و لكن دون جدوى ، فتعذرت له بشح الأراضي فبدأ يعدد لي المساحات الشاسعة غير المأهولة فيقول هناك أرض كبيرة أراها عندما نكون في طريقنا الى ذاك المكان و تلك الأرض الكبيرة التي في المنطقة الفلانية و بدأ يعدد الكثيرمن الأراضي غير المأهولة على رغم صغر سنه و عدم إدراكه للحقيقة بالكامل .

أما الميزانية التي حاولت ان أخدعه بها فلم يكن منه إلا مفاجأتي بإجابة لم تخطر لي على بال و لم أكن أتوقع من طفل هذه الملاحظة.تيقنت بأن النقاش لن ينتهي بي إلا بأن أصدع بالحقيقة فقلت له يا بني :فأما سلطتنا التشريعية المتمثلة في نوابنا الكرام مشغولين بمواضيع ركيكة فضلاً عن التخطيطات لإفشال و تسقيط و العراك القائم بين ذاك النائب و تلك النائبة ناسين أو متناسين ذلك المواطن الذي أوصلهم للكرسي و العناء الذي يعيشه بسبب ضيق المسكن و من الجلي التعاون بينهم و بين الوزراء فأصبحوا لا يسمنون و لا يغنون من جوع ، ففي كل يوم نسمع عن تصريحات وزارة الإسكان و عن المشاريع الجديدة التي من المفترض أن تقضي على الشبح الذي أدقّ المواطن و لكن أرض الواقع تشهد العكس و لا ترى لنوابنا ساكناً يتحرك غير التهديد بأستجواب و إن كان ذلك فهو أشبه بالأفلام الهندية التي تنتهي بأن النائب أخ الوزير ؛ و لو سلطنا القليل من الضوء على السلطة التنفيذية لتيقنّا بأن شغلهم الشاغل هو مظهرهم الخارجي المتمثل في لون (البشت)و ماركة (التاي)أو نسبة (النشه)في (الغترة) و جُل إنشغالهم في (البروتوكولات)و كأن أخر اهتماماتهم المواطن الكادح الذي يعرق في النهار ليبني مملكتنا العزيزة و يدفع بها للمقدمة و يسهر في الليل ليلبي إحتياجات و يربي أجيال المستقبل و أعمدة البلد .

أما الفاسدين الذين يسرقون اللقمة من وسط فم المواطن البسيط و إن اضطر الأمر بهم لإدخال يدهم حتى تصل لوسط معدته لسحب تلك اللقمة التي جناها بتعبه و عنائه لما توانوا فتراهم صباحاً و مساءً يزمّرون و يصفّقون و يتمتمون برؤوسهم و يدافعون عن الخطأ و يقلّبون الحقائق و يحولون الحق باطلاً و الباطل حقاً فيقولون بأن المملكة لا تعاني من أزمة إسكانية و بأن العجلة تدور بصورة طبيعية وهم يرون مئات الآلاف من المواطنين يتألمون و يعانون من ضيق السكن متناسين عدل السماء فسيذكرهم التاريخ و سيذكر أفعالهم .

سؤالي لسعادة الوزير الموقر ، إذا كان طفل لم يتجاوز السابعة من عمره و قد أدرك بأن هناك خلل في تخطيط الوزارة و أدائها و أحس بمعاناة جيرانه فكيف بالذين يعيشون المشكلة عشرات السنين و يتقلبون بين أطباقها و تتحاذفهم الوزارة يمنةً و يسرى ؟ فاتقوا الله فينا و تداركوا تفاقم المشكلة فحلها اليوم بسيط و لكن في الغد ربما يكون مستحيل .

أردت أن أختم الموضوع معه و قضينا حاجتنا في المجمع التجاري ووصلنا للبيت فأرسلته للفراش فطلب مني خمس دقائق لكي يلعب بحيواناته و بعد أن إنتهت الخمس دقائق أرسلته للفراش فطلب مساعدتي فقال لي يا أبي لقد قمت ببناء حديقة جميلة شبهتها بمملكتنا الغالية و جعلت الأسد على باب الحديقة لأنه قوي و ليقوم بحمايتها فأي وزارة هذه فأجبته هذا دور وزارة الدفاع ، و قال جعلت النمر في وسط الحديقة ليراقب الوضع و يحافظ على الأمن و الأمان فأي وزارة هذه فأجبته هذه وزارة الداخلية ، و بدأ يعدد و أنا اوزع و في النهاية قال لي يا أبي لم يتبقى من الوزارات إلا وزارة الإسكان، و من الحيوانات إلا الثعلب و السلحفاة فأيهما وزارة الإسكان ؟

فأجبته عندما تصحو في الصباح سترى الإجابة في الحديقة .

 منير الشهابي