السابقة، هي أن تقوم بفعلٍ لم يسبقكَ إليه أحد. هذا الوصف كان يلازم الزعيم الليبي الراحل معمَّر القذافي عندما كان في السلطة طيلة 42 عاماً، سواءً في تصريحاته المثيرة أو أفعاله الغريبة، لكن الغريب أن أحداً لم يتخيَّل أن يبقى الرجل يُطلق «سوابقه» من قبره المجهول.
فقبل أيام نشرت صحيفة «ذي صنداي اندبندنت» خبراً صاعقاً هَزَّ الليبيين ومعهم العالم أجمع. الخبر يقول بأن أموالاً ليبية تُقدَّر بـ 2 تريليون راند مُخبّأة بجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى «مئات الأطنان من الذهب وستة ملايين قيراط من الألماس مُخزَّنة في سبعة مخابئ سرية مابين جوهانسبيرغ وبريتوريا تحت حراسة مشددة».
يضيف الخبر بأن هذه الأموال تم شحنها إلى جنوب إفريقيا في الشهور الأخيرة من حكم القذافي، ضمن أكثر من 62 رحلة جوية قادها طيَّارون من القوات الخاصة الجنوب إفريقية، وهي الشحنات التي تقرَّر نقلها من ليبيا أثناء وجود الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما في طرابلس الغرب عندما كان يحاول إقناع معمَّر القذافي بالتنحي عن الحكم.
الصحيفة قالت بأنها «اطلعت على وثائق رسمية حكومية من جنوب إفريقيا تؤكد أنه يتم الاحتفاظ على الأقل بنحو 179 مليار دولار بطريقة غير قانونية». وقد تقدم الطيَّارون الذين نقلوا تلك الأموال والمجوهرات إلى جوهانسبيرغ ودول أخرى مجاورة «بشهاداتهم الخاصة في محاولة لتوضيح دورهم وتجنب الاتهامات الجنائية» حسب نص الخبر.
هذه الأموال «القارونية» سال عليها لُعاب الشركات ورجال الأعمال، فانبرى كل واحد منهم لتجريب حظه. فالصحيفة قالت بأن «شركتين حاولتا النصب والاستيلاء على تلك الأموال، عبر تقديم أنفسهم كمبعوثين من الحكومة الليبية والمجلس الوطني لاسترداد الأموال، ولكن جنوب إفريقيا أوقفت أكبر عملية سرقة في التاريخ» كما تقول.
الحقيقة، أن هذا الخبر أصابني (وكذلك آخرين بكل تأكيد) بمزيد من الذهول. وبالمناسبة، فإنني وقبل أن أتلقَّفه حاولت تعضيده بمصادر ذات مصداقية واعتبار رغم أن الصحيفة التي نقلته هي مستقلة ولها مكانة مرموقة في الإعلام وأوساطه.
وقد وجدت أن معهد دراسات الأمن الإفريقي (INSTITUTE FOR SECURITY STUDIES – ISS) قد ذكر الخبر أيضاً. وهو معهد ذو أبحاث موثوقة وتحليلاته خاضعة لخبراء، ولديه مكاتب إقليمية في نيروبي (كينيا)، أديس أبابا (إثيوبيا)، وداكار (السنغال) فضلاً عن بريتوريا.
فـ 350 مليار دولار أو 172 مليار (أقل أو أكثر) ومئات الأطنان من الذهب وستة ملايين قيراط من الألماس (بل إن بعض التقديرات تشير أن التريليونيْن هما بالدولار الأميركي وليس بالراند الجنوب إفريقي) هي ثروة تبني ليبيا من أقصاها إلى أقصاها، لكنها اليوم مجرَّد مبالغ مُهرَّبة في أقصى جنوب الأرض، يتنازع عليها الطامعون.
لقد ذكَّرني هذا الخبر المؤسف بالتصريح «البائس» للمتحدث السابق باسم الحكومة الليبية موسى إبراهيم خلال حقبة القذافي لوكالة «رويترز» للأنباء بتاريخ 26 سبتمبر/ أيلول 2011، عندما قال بأن القذافي وأسرته «لم يستغلوا ثروة ليبيا النفطية، وإنهم كانوا من أفقر المواطنين»، مضيفاً بأنه «لم يتمكن أحدٌ من إثبات أن القذافي وأسرته يمتلكون أصولاً أو حسابات».
كان موسى يقول ذلك في الوقت الذي كانت فيه المغنية نيللي فرتادو تكشف بأنها «حصلت على مليون دولار مقابل الغناء لمدة 45 دقيقة في حفل خاص لأفراد أسرة القذافي في إيطاليا، فيما تم الاتفاق مع ماريا كاري وبيونسي نولز للغناء في مناسبات عائلية أخرى» حسب تقرير لـ «رويترز؛، وأن نجل القذافي سيف الإسلام المعتقل الآن في الزنتان «يمتلك منزلاً في لندن قيمته 19 مليون دولار أميركي يضم تسع غرف نوم وحوض سباحة وسينما» حسب صحف بريطانية.
كان موسى إبراهيم يتحدّث عن فقر القذافي «المزعوم» في الوقت الذي كانت فيه سويسرا قد أعلنت قبل مقتل القذافي بخمسة أشهر بأنها «وجدت 360 مليون فرانك سويسري (415.8 مليون دولار أميركي) من أصول غير قانونية محتملة ذات صلة بالقذافي ودائرته مخبأة في سويسرا» هذا الأمر محزن فعلاً.
كنتُ أريد أن أصدِّق أن تلك الأموال هي لـ «شركات ومؤسسات عاملة» وليست أموالاً استحوذ عليها القذافي بشكل شخصي، لكن القرائن لا تدعم ما أقول. فلا شهادات البنوك في الخارج ولا طبيعة حياة أبنائه كانت تشير إلى أنه فعلاً عاش ومات فقيراً. ذهب القذافي تاركاً تلك الأموال، وتاركاً في الوقت نفسه ليبيا بلا دورة اقتصادية متينة، ولا نهضة عمرانية ولا تعليمية رائدة ولا مستويات دخل عالية، فضلاً عن المجتمع المدني.
كان يمكن للقذافي أن يعيش كريماً بكسور كسور تلك الأموال الفلكية ويحظى بثقة شعبه ومحيطه الإقليمي والدولي، لكنه آثر أن يجمع ثروة تساوي حاجة شعب كامل. ولو اكتفى بخمسين مليون دولار لعاش بمليون وربع المليون دولار كل عام وطيلة أربعين عاماً، لكنه لم يفعل، رغم أنها تكفيه وتزيد. إنه الجشع القاتل. وربما كان ذلك الفعل انتقاماً منه لطفولته القاسية، حين عاش في بيئة فقيرة، ولأبٍ راعٍ للأغنام عند والي فزّان.
كان هذا النَّهم والاستحواذ اللامحدود من القذافي انتقاماً لشخص ضعيف في صغره «جائعاً محتاجاً» «يسير يومياً نحو عشرة كيلومترات» كي «يأتي للدراسة في سرت» حسب عبد الرحمن شلقم. هنا، يستحضر المرء القول الرائع المأثور عن الإمام علي بن أبي طالب: «لا تطلب الخير من بطونٍ جاعت ثم شبعت فإن الجوع فيها باقٍ، بل اطلب الخير من بطونٍ شبعت ثم جاعت فإن الخير فيها باق».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4482 - الأحد 14 ديسمبر 2014م الموافق 21 صفر 1436هـ
فعلااا
مقال رائع ولكن هل من متعظ ..............!!
واقع مرير
ستبدي لنا الأيام كل شيء الأموال المنهوبة والجرائم ...هذا ما تعلمناه من التاريخ
سبحان الله حتي الوزراء الفقارة في البحرين
همهم استغلال مراكزهم لجمع ما يمكن جمعه اثناء وجودهم في الوزارة اما الوزراء اللي هم بخير فانهم يحرصون علي المال العام وليس زيادة ثرواتهم
لنكن واقعيين
هل هذه الأموال تعود للقذافي وعائلته أم تعود للدولة الليبية ؟ المنطق يقول أن القذافي وعائلته لا يحتاجون لهذه الأموال الطائلة وكسور كسورها تكفيهم وتزيد، فهي بكل تأكيد أموال الشعب الليبي وهنا يكون القذافي قد حافظ على أموال الشعب الليبي ولم يبذرها في الخيول والسيارات و ... كما يفعل البعض، وهنا يكون الشعب الليبي هو الفيصل في الحكم على القذافي، وليس من يقبل بسرقة أمواله بالقانون .
ما هذه الواقعية
صح أموال الشعب الليبي، لكن القذاقي كان خاشّنهم للشعب للأيام السودة. هل هذا ما تقصده؟!
اشطر واغبى الحراميه
اشطر وأغبى الحراميه هم الحراميه العرب اغلبهم هكذا يسرقون اموال الشعوب ويرحلونها للخارج نعم تنهب بالبطش وسفك الدماء وتجويع الشعوب والنتيجه تصادر هذه السرقات من تلك الدول ولم يسبق ان استرجعت الشعوب دولارا واحدا اذا هم وكلاء للحراميه الكبار وهم دول الغرب والمثل الشعبي يقول بربنقي بنا بيت اطرطنقي سكن فيه والمخفي اعظم
مفارقة
كان يمكن للقذافي ان يبني افريقيا كلها لكنه فضل العمل على استعداء شعبه والدول
تحية صباحية عطرة
مقال روعة والخبر صادم بحق
انهم جميعا ماركات عربية
انه الانتقام انه الفهم للدين انه الاستفراد بالقرار لا رأي لك لانه سيتم قتلك اوسجنك وتعذيبا بجيوش توضع في خدمة فرد او عائلة كالقدافي وأبناءه كي يستفرد يستفردون بالمال العام له الا من الفتات انظر حولك ستر اهم كلهم نفس الطبع ونفس الماركة عربية اسلامية الا مارحم ربي
مشكور أخ محمد
هل كلام الجميل ينطبق علي ناس عندنا في البحرين دائما يسون روخهم فقراء ومختاجين ويسكنون بيوت الاسكان وديما مظلومين وهؤلاء ينطبق عليهم قول لاتتمارضو فتمرضو فتموتوا