العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ

طالب الرفاعي... التأسيس والأصوات الروائية الجديدة في الكويت

«البحرين الثقافية»... حبْرٌ كثير... معنىً أقل...

تتفاوت قيمة المواد التي تنشر في المجلة الدورية «البحرين الثقافية» التي تصدر عن وزارة الثقافة، بين عدد وآخر؛ ربما يكون العام الجاري (2014)، من أكثر الأعوام ارتجالاً في نشر المواد من حيث تقريرية بعض الإضاءات النقدية التي نشرت على صفحاتها. الأمر ينسحب أيضاً على النصوص الشعرية والقصصية. تلك ملاحظة أولية لها تفصيل في مقام آخر؛ سيتم تناوله في إضاءة موسعة لحصاد أعدادها للعام الجاري مع نهاية السنة.

العدد الثامن والسبعون لم يخْل مما تمت الإشارة إليه وإن كان أقل من العددين السابقين؛ من حيث انكشاف بعض موادهما وركاكة بعضها.

الرواية في الكويت

ربما أكثر ما يلفت في العدد دراستان، الأولى للكاتب والروائي الكويتي طالب الرفاعي، والثانية لجعفر حسن في «عبدالله خليفة روائياً». الأول تناول في دراسته «الرواية في الكويت... التأسيس والأصوات الروائية الجديدة»، وتنويهه إلى أن عبارة الأصوات الروائية الجديدة، هي إشكالية ورؤيته في ذلك، أن تلك الأصوات «تتخذ من الجدّة محوراً للبحث. والجديد قد يكون مكتوباً بأقلام مخضرمة سبق وقدمت روايات كثيرة، أو يكون لكاتب يجرب الكتابة للمرة الأولى».

يستند الرفاعي عبر المدخل في الدراسة إلى المراجع التاريخية التي تشير إلى أن أول عمل أدبي ثقافي ولد في الكويت يرجع إلى العام 1613، بنسخ مسيعيد بن أحمد بن مساعد بن عبدالله السالم مخطوطة «موطأ الإمام مالك»، مروراً بإرهاصات الرواية، من خلال رصد الأعمال الروائية الكويتية وفق المراحل الآتية:

«آلام صديق» لفرحان راشد الفرحان العام 1948، «قسوة الأقدار» لصبيحة المشاري، العام 1960، «مُدرِّسة من المرقاب» لعبدالله خلف، العام 1962، «الحرمان» لنورية السدَّاني، العام 1968، «كانت السماء زرقاء» لإسماعيل فهد إسماعيل، العام 1970، «إيه... أيتها الصغيرة» لخليل محمد الوادي، العام 1970، «المستنقعات الضوئية» لإسماعيل فهد إسماعيل، العام 1971، «وجوه في الزحام» لفاطمة يوسف العلي، العام 1971، «الحبل» لإسماعيل فهد إسماعيل، العام 1972، و «الحرمان» لنورية السدَّاني، العام 1972.

في الدراسة نفسها تناول الرفاعي ما تمتاز به رواية إسماعيل فهد إسماعيل ضمن عناصر ثلاثة: الكتابة بنكهة روائية فنية جديدة ولافتة على مستوى الشكل واللغة، وانشغاله بتناول والدفاع عن قضايا الإنسان العربي أينما كان، وتحميل الكاتب لأعماله الروائية، مضامين متسقة مع تطلعات روح الإنسان كالحرية والحب والصداقة والإخلاص.

12 رواية تضمنتها دراسة الرفاعي، لـ 11 اسماً، يمثلون جيل الرواية الجديدة، وهم: ليلى العثمان، «المرأة والقطة»، 1985، و «وسمية تخرج من البحر»، 1986، وليد الرجيب، «بدرية»، 1989، ناصر الظفيري، «عاشقة الثلج»، 1992، حمد الحمد، «زمن البوح»، 1997، طالب الرفاعي، «ظل الشمس»، 1998، فوزية سالم الشويش، «النواخذة»، 1999، سليمان الخليفي، «عزيزة»، 2004، سليمان الشطي، «صمت يتمدَّد»، 2009، ثريا البقصمي، «زمن المزمار»، 2012، وفاطمة يوسف العلي، «ثرثرة بلا ضفاف»، 2013.

عبدالله خليفة روائياً

تذهب دراسة جعفر حسن في تناولها لبعض أعمال الروائي البحريني الراحل عبدالله خليفة، في اتجاه تفكيك الشخصيات، عامداً إلى إسقاطات اجتماعية وسياسية في تتبّعه للدلالات التي ينثرها خليفة في أعماله، واللغة التي يعمد من خلالها إلى استجواب الراهن، ولو بدت الكتابة على متاخمة مع التاريخي. لا انفصال بين الزمنين في واقع سلوك وممارسات ما انفكّت تختفي تارة، لتطل برأسها مرة أخرى وبشراسة وتوحش، لم يعمل خليفة على مواراته أو القفز عليه، وإن تحايل في تجسيده أو استدعائه بلغة لا تخلو من مواربة ومكر في كثير من الأحيان.

يختم جعفر حسن دراسته للأعمال الروائية لخليفة في تناوله الرواية وتخوم التاريخ بالقول: «تبدو لي البنية العميقة للرواية قائمة على تدرّج حشد من العادات والتقاليد في المجتمع البحريني الذي ذهب بالوصف نحو بعض العامية، ولعل هناك من سيقوم بإفراد دراسة عن ظاهرة العادات والتقاليد في مجتمع البحرين، كما تظهر في رواية (الأقلف) من جهة تلك العلاقة الحميمة بين المعتقدات الثاوية خلف طقوس عديدة يمارسها الناس في هذه البلاد».

كما تضمّن العدد حواراً مع «ستان براكهيج... الفيلم والرواية»، تولّى ترجمته القاص والروائي والسيناريست أمين صالح.

القراءة والتذوُّق

احتوى العدد افتتاحية لأمير تاج السر جاءت تحت عنوان «القراءة، التذوق، وقانون تاج السر» يبدو العنوان غريباً ومربكاً، امتلأت بسرد تجارب ذاتية للكاتب تتعلق بالقراءة وحضور الكتاب وواقعه. لم يشخّص فيها الإشكالات إلا ضمن تجربته وكأنها المبتدأ والمنتهى في هذا السياق؛ ليصل في خاتمتها إلى ما يشبه التصدّي أو الرأي المدرسي الشائع والمتكرّر في الوقت نفسه بالقول: «إذن فالمكتبات في داخل البيوت ضرورة وليست ترفاً أو جزءاً من أناقة المنزل. ومع تنوع الكتب داخلها، سيعثر كل قارئ على ما يسبب له المتعة».

تاج السر ترك الحفر على القراءة باعتبارها مدخلاً لفهم العالم بدءاً من مكان صاحبه، وباعتبارها انحيازاً للوجود قبالة العدم. باعتبارها أيضاً طريقة لفهم مجموع التصورات التي تحملها أفكار كتّابها، ومن خلال تلك الممارسة ينشأ فهم مستقل لا بمعنى تقاطعه عن الفهم ذاك؛ لكنه يوجد فهمه ضمن محيطه والحاجات والهوَّات وحتى التمايز إذا وجدت ضمن تلك البيئة التي توفر تلك القيمة وتتيحها.

على مستوى التذوق؛ لم يذهب أيضاً عميقاً في تقريب المفاهيم الدالة عليه وكذلك المحفزات. التذوق هو الآخر يحتاج إلى منبهات ومحفزات تعمل على تراكمه. البيئات التي لا تنتج الكتاب العميق والمُؤصِّل لن تتيح مثل ذلك التذوق؛ وخصوصاً إذا كانت مهووسةَ بالكم، وفي تضعضع وانحسار النوع، سينشأ عن ذلك غياب له؛ وإن وجد سيكون في حدود الركاكة والسذاجة والوهن.

اتجاهات دراسة حكايات ألف ليلة وليلة

احتوى العدد كذلك دراسة لانتصار البنّاء تحت عنوان «اتجاهات الدراسات الغربية والاستشراقية لحكايات ألف ليلة وليلة»، خلصت في خاتمتها إلى أن «من المفارقات أن أسباب سحر الشرق واحدة، وتفسيراتها مختلفة، فكيف اتفق الغرب على الوقوع تحت تأثير هذا السحر؟ وكيف اختلفوا في تفسيراته؟ وكيف تمكّنوا من ترويج الصور المتعددة عنه؟ وما هي أهداف كل فريق؟»، لتقرر في نهاية الخلاصة، أن الدراسة «لم تتمكن إلا من محاولة الإجابة عن ماهية (بعض ملامح) الصورة، أما الكيفية، والعلّية، فتستحق بحثاً مطولاً، واستناداً أعمق إلى مصادر أكثر قرْباً من الموضوعات المتلابسة مع كتاب ألف ليلة وليلة».

تقنيات البنية الشعرية لدى المعلا

الناقد والأكاديمي صالح هويدي، يكتب «تقنيات البنية الشعرية لدى خلود المعلا... (أمسك طرف الضوء) نموذجاً»، تناول في قراءته لبنية تركيب ثلاثية اللفظ، كما هو في العنوان، مارّاً على توظيف معطيات الفن التشكيلي، كما أسماها، في استشهادات انتقائية، لم تخل في طرحها من انطباعية على درجة كبيرة من المباشرة، ومن ذلك: «يلاحظ حضور بعض معطيات الفن التشكيلي في بناء الصورة لدى الشاعرة، تقوم على إكساب صورة بقوة الحضور والحياة، كما في النص المعنون (عام جديد): في هذه اللحظة الفاصلة

موجة تروح وتجيء

غيمة ترفرف

ليل يهوي بمحبته نحوي

معهم سأطفئ الماضي

على الشاطئ ذاته

بعد أن أغمض عيني وأتمنى»...

التعرْضن والتناص

الباحث والأكاديمي منذر عياشي، ساهم بدراسة تحت عنوان «الآية في الحكاية... خطاب على الخطاب»، والباحث الأكاديمي العراقي، يوسف رشيد جبر، يدلي بـ «مقاربة (التعرضن) في الرواق الابستمولوجي للتناص»، يخلص فيها إلى أن «التعرضن، هو خاصية يتسم بها العرض المسرحي في تعالقه مع العروض الأخرى كما هو التناص؛ حيث (إن كل نص هو تناص)، ويقابله (أن كل عرض هو تعرضن). وأن النص هو نسيج من الاقتباسات والإحالات السابقة والمعاصرة (على حد بارت)، يقابله العرض هو نسيج من الأفعال التي تجسد اقتباسات وإحالات من العرض ذات الاتجاهات المختلفة - السابقة والمعاصرة تخترقه بشكل مبتكر. وصولاً إلى العنصر الخامس، تشغيل خاصية بين الجيل المسرحي المتقدم مع مرجعياته التكوينية وفهمه للخصوصية الاتجاهية».

في باب «أدب ونقد» يتناول الشاعر والكاتب المغربي رشيد الخديري، مجموعة «ذاكرة ليوم آخر» للشاعر عبداللطيف الوراري، يقرر في نهايتها أن الوراري «يجعل من الإيقاع دالّاً أساسياً في التأثير الجمالي للقصيدة، فهو ينتقي الجرس الموسيقي المناسب لترجمة تموّجات الانفعال ومقتضى التجربة نفسها، فلا يقف طويلاً عند حدود الإيقاع الخليلي، بقدر ما ينشغل بتأثيث الفضاء النصي بموسيقى داخلية، تضمن حرية أكبر في التعبير عن مكنونات الروح...».

«الذي لا يحب عبدالناصر»

رواية «الذي لا يحب عبدالناصر»، للعماني سليمان المَعْمَري، يضيء مسالكها المغلقة والطرق الشائكة، الروائي والناقد العراقي، جميل الشبيبي، من خلال «السخرية والضحك والتهكم، مع تنويهه إلى أن المَعْمَري استثمر فضاء التغييرات الصاخب لما سمي بالربيع العربي، لضخ أسئلة واستفهامات ووضع علامات تعجّب عن مجريات الأحداث الواقعية واتجاهاتها المربكة، لينير المسالك المغلقة والطرق الشائكة وهي تفرز أنظمة استبدادية أقسى من الأنظمة التي سقطت، وتتجه القراءة المتأنية لهذه الرواية الساخرة باتجاه رفض وجهة النظر المحايدة أو المهادنة.

كما شارك في العدد، الناقد المصري محمد عطية محمود بـ «الأسطورة الذاتية، وسيميائية الدلالات في رواية الإيطالي (حرير) لأليساندرو باريكو.

ويتناول فيصل عبدالحسن، «غنوصية المرأة في رواية ظل الأفعى» ليوسف زيدان.

وفي باب «تاريخ وسيَر»، «أوراق قديمة... صفحات من تاريخ البحرين الحديث»، لعبدالرحمن مسامح، تناول فيها عدداً من الوثائق التاريخية بين حاكم البحرين حمد بن عيسى بن علي وعدد من الأعيان والشخصيات.

ويتناول المخرج والباحث المسرحي العراقي صميم حسب الله يحي، «الأنساق الدلالية للمخرج والمؤلف في الخطاب المسرحي... مسرحية (نساء في الحرب) إنموذجاً»، ومن البحرين يساهم محمد الخزاعي بمقالته «مارون النقاش وريادة كتابة النص المسرحي العربي»، وأسعد عرابي بـ «نقد المصطلحات الفنية في عام اللغة العربية 2014»، إضافة إلى مساهمات كل من: عزالدين المدني (تونس) بـ «بوح كاتب مسرحي»، والمخرج والباحث المسرحي المغربي عبدالمجيد شكير بـ «التجليات الجمالية في الخطاب المسرحي».

أما في باب «النصوص» فشاركت: منى الصفار بـ «نوافذ صغيرة للوحشة»، الشاعرة السعودية هدى ياسر بـ «نصطاد بعضنا بقصيدة»، وفي الترجمة ضمن باب النصوص، شارك مهدي عبدالله بـ «حادثة من الحرب» لستيفن كرين، والقاصة والروائية الإماراتية، لولوة المنصوري بـ «قبر تحت رأسي»، والشاعرة السعودية، سناء ناصر بـ «حيوات عديدة لنص واحد»، والشاعر المصري أشرف أبوالحمد الخطيب، بـ «اعتصمي بما تبقّى من دمي»، والشاعر والناقد المغربي عبدالحق ميفراني بـ «أنفاس الكينونة»، والشاعرة الفلسطينية عائشة الخواجا الرازم بـ «الموت تحت أقدام وردة»، والشاعرة السعودية بتول محمد بـ «إيماءة»، والقاص المصري أشرف أيوب معوّض بـ «قصص قصيرة جداً»، انتهاءً بباب المراجعات الذي ساهمت فيه، رباب النجار بمراجعة كتاب إيريش فروم «فن الإصغاء»، وعبدالنبي فرج بمراجعة «باب الليل» لوحيد الطويلة.

العدد لم يخْل من الجميل، لكنه لم يخْل أيضاً من بحر لجيٍّ من الحبر بمعنى أقل!

العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً