العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ

«امرأة في ضيافة القلب»... جديد الستراوي نحو قصيدة حديثة متألقة

يعد الكاتب والشاعر علي الستراوي تجربة شعرية بحرينية مميزة، حيث أعطت ولاتزال تقدم الكثير من خلال فضائها الشعري في المشهد البحريني المعاصر إبداعاً منفرداً في بناء القصيدة الشعرية، وبما لديه من قدرة على التعبير وابتكار المعاني في خلق تلك الصور وتجديد مفاهيمها اللغوية عبر الكلمات. وهاهو يصدر حديثاً ديوان «امرأة في ضيافة القلب» والذي صدر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وضمن مجلة «الرافد» حيث تجلت في مجمل القصائد أبعاد إنسانية ضاجّة بالبوح والجمال.

قصائد تناثرت على جنباتها عطر الروح حيث الإحساس المرهف بالصورة والكلمات المعبرة عن مشاعر الشاعر التي خلق من خلالها عالماً حافلاً بالألوان.

كانت الريح

حينما تغسل وجوهنا بالنسيم

تنحدر نجمة من الظل إلى

((العويس)) ومضة الضوء

بهجة الإمارات البهية

حينما ودعتنا

ألتصقنا بك.. ((جدنا)) الذي لم يحرمنا من القهوة العربية

مطلع جميل يستفزنا ويثير فينا الدهشة والاغتراب.. مطلع استطاع من خلاله شاعرنا الستراوي أن يخلق بعداً ويقول لنا بأن المجد باقٍ في شخصية (عويس) باقٍ في تلك الروح التي تغلغلت بداخلنا وتوجّست خفقاتها كلما اقتربنا منها أو ابتعدنا بهواجسنا شعراً ومشاعر.. هي شخصية ثقافية مرموقة تركت في المشهد العربي أثراً كبيراً، يحاورها الستراوي هنا وتركيزه الشخصية التي وضعها في قالب أدبي جميل ورائع تغنى بها شوقاً وقدم لها هذا الإهداء عرفاناً بدورها الثقافي.

لم يتوقف الشاعر الستراوي عند ذلك بل أخذ من الحنين طريقاً ومن العشق طريقاً آخر ومن الأمل إصراراً ليرسم أبعاداً أخرى وظلاً آخر لتلك الصورة حيث الخيال الجميل في انتقاء الكلمة وبناء القصيدة من الداخل بما يملك من رصيد حياتي غني في طرحه.

«امرأة في ضيافة القلب»، محتواه الشعري بالصفحة رقم 21 حيث يقول فيها:

1

على ضفة من عرق الروح

يستريح النهار على ظلها

يسبح للذاكرة والكدح

ولعنفوان اشتعل فؤاده بالبياض

امتطى صهوة الحكيات

مستعيداً لنا ساقية امرأة لا تنام!

2

امرأة تغزل..

وترشف قهوتها

في ضيافة القلب

3

امرأة يحكى عنها

لكنها تظل كمن لا يعرف الدرب

شهقة في الحلم

بهجة في النبض..

واشتعالاً للكلام

هي تلك المرأة التي رسمها الشاعر في مخيلته... هي تلك الصورة التي خلق من خلالها روح التأمل حيث انشغالات نبضها السريع الذي استوقف الشاعر في تلك المحطة ألا وهي محطة الهيام الوجداني. لهذا نراه أبدع في الطرح استفزازاً لتلك المشاعر المتأججة، فلكل شاعر أنثاه في النهاية. فحين يبقى شاعرنا الستراوي قادراً على الوصول بالقصيدة إلى حيث يريد فهي مطاوعة تنساب كالسهل وتتدفق إبداعاً صقلته التجربة.

يعود ليكمل شاعرنا علي الستراوي مجازاته الإبداعية من خلال هذا الإصدار (امرأة في ضيافة القلب) ليبين لنا أن تلك القصائد وذلك النبض الشعري هما ما جعلني أخلق ذلك الفضاء الشعري في تكوينه ولونه.

من القصائد التي احتواها هذا الديوان قصيدة (لوعة في الضلوع) تتوسط هذا الإصدار في صفحته 71 والتي نذكر هنا مطلعها الذي يقول:

هي العصافير..

لثغها سر تلك الشجرة

كلما انحدرنا من غيمة في التعب

جلسنا معاً.. نقلم وجع الروح من صحوة في الحزن

ونداري خجلنا عن صبحنا المتعب بالأسئلة

عن (خاتون) وهي تحدث صغارها..

تسامر سحرها بتنسك وصلاة..

(رباه) أستغفرك من لوعة في الضلوع

وتحت وسادة القلب أدفن زعفران ((المحو))

وأتأمل وجهك المضيء بالبرق..

أستعيد ذاكرتي وأقرأ..

البحر عنفوان النخل

والنخل عنفوان الريح

أعرفك..

نرى في هذا المطلع من القصيدة تأكيد شاعرنا الستراوي على توصيف المعنى الحقيقي لذلك المخلوق ومدى مكانته العاطفية والروحية رغم تعلقه بمخلوق آخر... حين يذكر العصافير ذلك المخلوق الضعيف ويتصور مكانته في خيال خطابي ذلك هو الإحساس الذي يخلقه الشاعر حين يعيش تلك المشاعر. لم يكن ذلك الوصف عبثاً وإنما تأكيد لما طرحه وتأمله في كلماته الراقية. ولو استوقفنا عند الكثير من المعاني التي تربطنا مباشرة نحن كقراء نستنتج ما تعنينا من معانٍ نتذوقها شعراً وأدباً.

كان لاستطراده الأدبي والفني صورة جميلة استطاع من خلالها انتقاء الكلمة وابتكارها نموذجاً إبداعياً يرتقي بذائقة القارئ وهو يتحول في بساتين الستراوي الشعرية.

«امرأة في ضيافة القلب» ديوان يمتزج فيه البوح بالصورة في واقعها لتعبر عن تلك المعاني الدقيقة في رؤاها البعيدة الخيال التي لا تغادر تلك المشاعر... ويبقى شاعرنا جميلاً في عطائه الأدبي المتجدد رائعاً وراقياً كلما أصدر جديداً في عالم الشعر. كما إنه أيضاً غني عن التعريف، فالستراوي له شق آخر من تجربته الشعرية تأخذ اللون الشعبي، يبدع فيه أيضاً لكن لم تتسنَّ له فرصة نشر نتاجه في ديوان مطبوع.

العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً