العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ

نقاد ومخرجون: السينما والتلفزيون...أخوان متعاديان... يتقاربان مرة أخرى

ضمن ندوات «أيام البحرين السينمائية»

ضاحية السيف - منصورة عبدالأمير 

12 ديسمبر 2014

في ثاني ندوات مهرجان «أيام البحرين السينمائية» التي قدمت تحت عنوان «السينما والتلفزيون: لقاء أم افتراق» في قاعة محاضرات متحف موقع قلعة البحرين، تحدث كل من أستاذ مادة النقد السينمائي الأردني عدنان مدانات والمخرج السينمائي والتلفزيوني السوري مأمون البني والناقد السينمائي المغربي خليل الدامون، عن حقيقة العلاقة بين السينما والتلفزيون ومستقبل هذه العلاقة في ضوء التطورات التقنية.

عدنان مدانات، قدم ورقة بعنوان «السينما والتلفزيون في العالم العربي: تنافس أم تعاون متبادل؟»، قال فيها إنه على رغم أن عروض الأفلام السينمائية عبر التلفزيون تسرق جمهور صالات السينما وتحوله إلى جمهور تلفزيوني منزلي، إلا أنها أدت إلى قيام كبرى محطات الإنتاج التلفزيوني في العالم إلى تمويل الإنتاج السينمائي، ما حول الصراع بين السينما والتلفزيون إلى مصالحة ومن ثم تعاون وتنسيق استوعب الفروقات بين الاثنين.

لكنه أضاف بأن الوضع في الوطن العربي مختلف تماماً إذ إن «منتجي الأفلام السينمائية يتذمرون من الاستغلال الذي يتعرضون له من قبل شركات الإنتاج التلفزيوني التي تشتري حقوق عرض الأفلام بأبخس الأسعار» كما أن «محطات الإنتاج التلفزيوني لا تقدم الدعم لإنتاج الأفلام الحديثة وتكتفي بشراء حقوق عرض الأفلام القديمة».

مدانات أكد بأن التلفزيون في العالم العربي «لايزال يهدد مستقبل السينما» إن لم يتم حل الإشكالية بينهما «على أساس الاستفادة المتبادلة وعلى قاعدة العوامل المشتركة»، مشدداً على ضرورة التركيز على الجانب الدرامي «هنا تتبدى بشكل أوضح الصفات المشتركة ما بين السينما والتلفزيون، إضافة إلى الفروقات من ناحية كونهما نظامين إنتاجيين تحكمهما قوانين مالية وإدارية وتنظيمية وتوزيعية متباينة».

وقال إن كلا الوسيلتين «تتعاملان مع مادة واحدة هي المادة الروائية الدرامية» وإنهما «جزء من نظام إنتاجي اقتصادي ونظام إعلامي ثقافي ترفيهي وجمالي يتوجه أساساً للجماهير العريضة ويمتلك قوة تأثير وإقناع هائلتين». مرجعاً عدم تطور التعاون بينهما إلى أوجه التشابه هذه «لاصطدامها مع شروط عامة سائدة في العالم العربي بالذات».

إشكاليات العلاقة بين السينما والتلفزيون تكمن في أن السينما بدأت اتجاهاً مغايراً عما انتهت إليه، فبعد أن كانت تعتمد «الاستثمار التجاري والتسلية الرخيصة واختيار المواضيع البعيدة عن المشاكل الفعلية للمجتمعات العربية» ما أنتج جمهوراً اعتاد الأفلام الخفيفة السهلة، أجبرتها تطورات تاريخية معينة لاتخاذ توجه نحو التطوير والتغيير والاقتراب من المشاكل الواقعية والجدية والارتقاء فكرياً وفنياً، لكن «طبيعة التلفزيون وشروط التعامل معها في العالم العربي لا تستوعب هذا التوجه.

من هنا بدأ التلفزيون يجذب جمهور السينما إليه، ويعوده على الاسترخاء ويعيده إلى الأشكال الأولى للسينما. بل إن التلفزيون جذب الفنانين والفنيين العاملين في السينما والممولين «وبدأ يكرس تقاليده الخاصة، سواء منها ما يتعلق بتكاليف الإنتاج أو بطبيعة النصوص وطريقة معالجتها الدرامية، أو بأنواع التمثيل والإخراج» وهي التقاليد ذاتها «التي تسعى السينما العربية عامة والمصرية بخاصة، للتخلص منها من خلال فنانيها ذوي التوجه الواقعي والجدي».

هذه التقاليد «تلعب دورها الخطير السلبي في الحياة الثقافية العربية من خلال تأثيرها المباشر على مستوى الوعي الفكري والفني والدرامي لجماهير المتفرجين وعلى مستوى التذوق الجمالي كما تؤثر على توجهات المخرجين وكتاب الدراما».

كذلك أدى ذلك إلى أن «أعداداً متزايدة من المخرجين السينمائيين يلتحقون بالعمل التلفزيوني وفق شروط المهنة» ما يتهدد السينما كتعبير ثقافي عصري، ما انعكس مثلاً على مستوى الفن الإخراجي مشيراً إلى أن «السينما عانت كثيراً كي تتخلص من التصوير داخل الأستوديو بديكوراته البدائية والتي تفرض حلولاً بدائية على المخرجين في تحريكهم للكاميرا أو للممثلين وسعت السينما للخروج إلى الواقع والتصوير في الأماكن الحقيقية، وتوصلت بالتالي إلى رفع مستوى العمل الإخراجي عموماً، غير أن العمل في التلفزيون وهو أسهل من العمل في السينما أعاد الإخراج إلى حالتها البدائية الأولى، ضمن ديكورات مفتعلة وغير مقنعة داخل الأستوديو التلفزيوني، مع قصر مهمة الإخراج في الغالب على إفساح المجال أمام الممثل لكي يؤدي حواره فقط».

وقال إن هناك استثناءات لإنجازات حققها مخرجون شباب في التلفزيون مثل نجدة أنزور ومأمون النبي وهيثم حقي، والمخرج والناقد السينمائي الراحل سمير نصري.

ليس المخرجون وحدهم من يتأثرون، لكن كتاب الدراما والممثلين أيضاً، وكذلك تأثر اقتصاد السينما التي تحول الإقبال عنها إلى التلفزيون عدا عن تأثير مشاركة فناني السينما في الدراما ما أدى إلى رفع أجورهم السينمائية.

خليل الدامون:

الصناعة الثقافية أهم

بعدها تحدث الناقد السينمائي خليل الدامون عن ضرورة وضع السينما والتلفزيون في الوطن العربي في إطار المشهد السمعي والبصري العالمي، مؤكداً أن كلا الوسيلتين تعملان بشكل متجانس بحكم تطور وسائل الاتصال خلال العقد الأخير.

التطورات الحاصلة في مجال التلفزيون الآن أصبحت تفرض نفسها بإلحاح، وقبل الإجابة عن العلاقة بين السينما والتلفزيون لابد من وضعهما في السياق العام لما آلت إليه وسائل الإعلام والاتصال في السنوات العشر الأخيرة. وقال إننا اليوم نتفاعل مع كل الوسائل بشكل متجانس بسبب تطور وسائل الاتصال نتيجة الثورة التكنولوجية، ما أدى إلى ظهور ما يسمى بثقافة الاتصال أو الثقافة التكنولوجية بحسب الباحثين أو الثقافة الجماهيرية أو الصناعة الثقافية على لسان مدرسة فرانكفورت.

وقال إن إنتاج الصورة يتحقق عبر كاميرات كثيرة مثتبة في كل مكان ولم يعد المخرجين السينمائي والتلفزيوني هما المرجعان الوحيدان لإنتاج الصورة وتوزيعها واستهلاكها. السينما والتلفزيون يعالجان داخل سياق ما تنقله وسائل الاتصال وإن ظلا الأكثر قوة وتأثيراً من الوسائط الأخرى. كما لا يمكن أثر الثورة الرقمية في مجال الرقمية الذي أصبح كبيراً ومدمراً بحيث لم يعد يهم الحقيقة أو الخطأ وإنما المهم الفعالية.

وقال إننا في عصر الميديولوجيا ففي تعاطينا مع «داعش» مثلاً لا يهمّ مشروعهم وتعاطينا معه بل المهم كيف تروّج وسائل الاتصال لهم على شبكات الاتصال والتواصل، فلكي نفهم ما يجري بين السينما والتلفزيون لابد أن نفهم ما يجري في مجال الصناعة الثقافية.

مأمون البني: اقتحمنا

التلفزيون وطوَّرناه

المخرج السينمائي والتلفزوني مأمون البني قدم ورقة بعنوان «السينما والتلفزيون لقاء أم افتراق» قال في بدايتها بأن العداء بين السينما والتلفزيون قديم «على رغم تطابق أو اختلاف بعض عناصرهما المشتركة، مثل الديكور والإضاءة والتصوير والإكسسوار والصوت والمونتاج والمكياج وغيرها».

أما الفروقات بينهما فلخَّصها البني في «اعتماد التلفزيون على السرد الصوتي الذي يشكل الحوار المستمر الجزء الأساسي فيها» مشيراً إلى أن ذلك نزع عن التلفزيون «القدسية التي نبجّلها في صالات العرض السينمائية لمتابعة فيلم سينمائي».

لكن هذه الفروقات «بدأت تتلاشى بعد التطور التقني الذي ما برح أن يمدّنا بأجهزة تقنية دعمت الصورة وأصلحت بين الأخوين (السينما والتلفزيون)»، مُرجعاً سبب ذلك إلى «مخرجين سينمائيين اقتحموا مجال الدراما التلفزيونية في الثمانينيات وقلبوا الطاولة على اللغة التلفزيونية».

البني كان واحداً من هؤلاء المخرجين وقد استعرض تجربته هذه موضحاً «بدأنا عند تحقيق الأعمال التلفزيونية بتنفيذ التقطيع الفني (الديكوباج) على الطريقة السينمائية أي اعتماد الكاميرا الواحدة (المحمولة) رغم أن الكاميرا كانت إلكترونية مجهزة للأخبار وتسجل على شريط (واحد إنش)، ما استدعى ذلك حمل مكنة التسجيل بحجم أكبر من الكاميرا نفسها بثلاث مرات لمرافقة التصوير». وقال إن ذلك استمر «حتى وصلت كاميرات رقمية ديجتال ساعدتنا لتفعيل لغة أقرب إلى اللغة السينمائية».

لكنه اختتم بأن «المشاهد نفسه يمكنه البتّ في أمر التقارب أو التباعد بين التلفزيون والسينما، كونه بدأ يتأقلم ويعتاد على متابعة الأفلام السينمائية على شاشات الإغراء التلفزيونية بغض النظر عن الأسباب التي أدّت به إلى العزوف عن الذهاب إلى السينما رغم الإغراءات التقنية لصالات السينما».

العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً