منذ زمن بعيد يمتد إلى قرون، اعتاد كثيرون من اهل هذه البلاد إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) عام 61 هـ، وإحياء ذكرى أربعينيته في العشرين من شهر صفر المظفر، متخذين وسائل التعبير بالرثاء والعزاء والخطب ومجالس الموعظة.
ففي مثل هذا اليوم عاد ركب أهل بيت نبي الإنسانية محمد بن عبدالله (ص)، المكوّن من نساء أرامل وأطفال يتامى إلى كربلاء، أرض التضحية والفداء، بعد رحلة سبي تعرضوا خلالها إلى الترحيل في اليوم الحادي عشر من محرم 61 هـ، على جمال هزيلة قسراً إلى الشام، بعد استشهاد سبط الرسول (ص) وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، الإمام الحسين بن علي (ع)، بأيدٍ إرهابية قاسية لا تعرف حرمة للنبي (ص) ولا لأهل بيته الذين أوصى القرآن الكريم بمودتهم.
لقد أفرط الإرهاب البغيض وتفنن في العاشر من محرم الحرام 61 هـ، في القتل والتنكيل والترهيب لأهل بيت النبوة، ولم يترك وسيلةً قاسيةً إلا واستخدمها ضدهم، ولم يكتفِ بما فعله بهم في كربلاء، ولم يشفِ غليله كل القتل والتنكيل بأجساد الشهداء، بل حاول جاهداً التشفي منهم، بتعريض أبناء الرسول (ص) للإهانة بعد الإهانة عند وصولهم لأرض الشام، حيث أصدر أوامره الظالمة بإيقافهم في الشوارع والطرقات مدداً طويلة، وأمر بعض الجهلة والمتملقين بمهاجمتهم بالألفاظ القاسية والعبارات الساقطة، وعرّضهم للشماتة والاستخفاف والازدراء. وعندما أدخلوهم على رأس الإرهاب وهم في أسوأ حال، أخذ يكيل لهم أقسى الكلمات والعبارات النابية دون حياء من الله ولا رسوله، وقد جمع في ذلك اليوم البائس مئات المدعوين من الشام وخارجها. وكان من بينهم وفدٌ كبيرٌ يمثل الدولة الرومانية العظمى، وكان عنوان الدعوة التي قدمت للمدعوين «الاحتفال بالانتصار الكبير على الخوارج».
وقد لاقى أهل بيت الرسول (ص) كل صنوف التعذيب والإرهاب والسب والشتم والشماتة والإشاعات الإعلامية المضللة. ولكنهم انتصروا على الإرهاب بصبرهم وثباتهم وصمودهم ورسوخ إيمانهم بقضيتهم. لقد نعتهم الطاغية زوراً وبهتاناً بنعوت ظالمة تخرجهم عن ملة الإسلام، وقد كان لرمز الطهارة والنقاء الإنساني حفيد الرسول الإمام علي بن الحسين (ع)، ورمز العفاف والأخلاق السامية زينب الكبرى (ع) حوراء بني هاشم، الدور الكبير في تعرية الإرهاب وكل رموزه، ما أجبره على وقف حملته التي عملت على الحط من قدر الإمام الحسين (ع) والنيل من أهل بيت النبوة، وإعادتهم إلى المدينة المنورة وطن جدهم المصطفى (ص)، ووفر لهم احتياجات السفر من جمال وهوادج وزوّدهم بالأكل والشرب.
لم يكن يتصور الإرهاب الذي نهب مقدرات الأمة الإسلامية ومارس الدجل بمساعدة المتملقين والمتسلقين على رقاب العباد الذي تلاعب بعقول بسطاء الناس، أن هؤلاء الذين أتعبهم جسدياً ونفسياً وجعلهم يقطعون الفيافي والقفار في صيف قائظ شديد الحرارة، بعد أن رأوا أحبتهم صرعى على أرض كربلاء وقد مثلت الأيدي البغيضة بأجسادهم الشريفة وطحنوها بحوافر الخيل، أنهم قادرون على فضحه وتبيان زيفه للرأي العام في الشام وخارجها، بالصورة التي جعلته يفقد صوابه ويختلّ توازنه.
لقد استطاع أهل البيت بحججهم الدامغة وبيانهم الواضح وبلاغتهم المتينة أن ينتصروا على الإرهاب في عقر داره، فالدور الذي تحمله الإمام زين العابدين (ع)، والسيدة زينب الكبرى (ع) كان مكمّلاً للدور الثوري المناهض للإرهاب والظلم الذي تحمله الإمام الحسين (ع) في كربلاء، وقدم من أجله التضحيات الكبيرة وفي مقدمتها نفسه الزكية ونفوس أبنائه وإخوته وأصحابه البررة، ولم يبخل في تقديم كل غالٍ ونفيس عنده، ولم يتراجع قيد أنملة عن مطالبه النبيلة التي خرج من أجلها، رغم الترغيب بمواقع دنيوية متقدمة تارة، والتهديد بالقتل والتنكيل والحرمان تارةً أخرى، إلا أنه لم يتنازل عن مطالباته الشرعية الإصلاحية، التي رفعها قبل خروجه إلى كربلاء، حيث قال (ع): «لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص)، وأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
بعد كل ذلك العناء والتعب، عاد أهل البيت الرسالة (ع) إلى كربلاء في اليوم العشرين من صفر 61 هـ، ليقيموا العزاء على قتلاهم الذين يزيدون عن 75 شهيداً، وليتذكروا تلك الأوقات العصيبة بكل تفاصيلها المرة؛ وليتذكروا إيثار العباس بن علي وصبره وإرادته الصلبة وإيمانه الراسخ؛ وليتذكروا عبارة علي الأكبر التي قالها بكل اطمئنان لأبيه الحسين: «مادمنا مع الحق لا نبالي إن وقعنا على الموت أم وقع الموت علينا»؛ وليتذكروا القاسم بن الحسن وهو يرد على سؤال عمه الحسين (ع): كيف ترى الموت يا ولدي؟ فيقول: والله يا عم لا أراه إلا أحلى من العسل معك.
عادوا ليتذكروا بسالة وتضحيات أصحاب الحسين (ع) وتقديمهم لأنفسهم من أجل أن لا تمسّ قيم الإسلام بسوء، وليتذكروا كل المشاهد والمواقف المأساوية التي حدثت على يد الإرهاب الحاقد في يوم عاشوراء، وليتذكروا شموخ وإباء الإمام الحسين الذي لم يتزلزل ولم يتغير في أحلك الظروف القاسية، ليعطوا رسالة وجدانية واضحة وجلية للأمة الإسلامية جمعاء، مكتوبة بدم الحسين الشهيد (ع)، إن كل ما قُدّم من تضحيات كبيرة في يوم عاشوراء، من أجل أن يبقى الإسلام خالداً وحيوياً في علاقاتها الإنسانية، ومن أجل أن تكون تعاليمه الأخلاقية القيمة حاضرة في أوساطها، لتحقق للإنسان السعادة والرقي، ولتحفظ عزته وحريته وكرامته الإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4480 - الجمعة 12 ديسمبر 2014م الموافق 19 صفر 1436هـ
مأجورين
من الأسباب الرئيسية للعودة الى كربلاء في يوم العشرين من صفر هو لدفن الرؤوس التي قطعت مع الأجساد المدفونة في أرض كربلاء..لم يكتفي الظالمون بقتل الحسين و اهل بيته و أصحابه بل عمدوا الى قطع رؤوسهم و رفعها فوق رؤوس الرماح و الطواف بها الى الطاغية الأكبر. اما النساء فقيدوا بالحبال و سيقوا الى الشام يتقدمهم عليل كربلاء و سياط الظالمين تنهال على اجسادهم... عظم الله لكم الأجر...
كان هؤلاء الطغاة يعمدون الى اقامة الدولة الاسلامية بحسب مفهومهم.. كداعش زماننا
صدقت يا أستاذ سلمان
مصيبة كبرى زلزلت الأرض وثورة خالدة رغم أنف الحاقدين هذا هو الحسين وهؤلاء هم أهل بيته سلالة النبوة العطرة فهنيئا للملايين التي تجتمع اليوم بقربه وشوكة في عين كل حاقد حاسد
فعلا هو انتصار ..
منذ سنة 61 هجرية كانت الواقعة المؤلمة للحسين وثورته على الظلم على انها ستقضي وتمحو ذكرها الا انها ما زالت باقية لانها صادقة الاهداف خالصة النوايا من اجل حماية الدين من الاعوجاج فكم من حروب انهت امما وكيانات واخفت اسماء وشعوبا الا اسمك يا حسين مخلد كلما الزمان تجدد
غريب الرياض
سلام الله عليهم اجمعين