من الواجب والضروري أن يهتمّ قادة دول مجلس التعاون الخليجي بموضوع أخطار وتداعيات ظاهرة «داعش» وأخواتها من رافعي ألوية البربرية الهمجية التكفيرية الجهادية في أرض العرب. إنها ظاهرة واضحة للعيان، ومن المؤكّد أنها ستكون مؤقتةً. وخطوات بناء القدرات الأمنية الذاتية لدول المجلس من أجل مواجهتها هي حتماً خطوات في الطريق الصحيح.
ولكن، طالما أن مواضيع الأمن الخارجي في دول المجلس مطروحة بشدّة، فإننا ندعو القادة إلى تضمين جداول أعمال مناقشاتهم بنداً آخر يتعلق بالوجود العربي في المجتمعات التي يديرون. إنه خطر قديم يزداد تفاقماً وتنذر إرهاصاته بقرب هبوب عواصف، ليست أمنية فقط وإنما أيضاً وجودية. إننا نتحدث عن التراجعات المفجعة في الهوية العربية لمجتمعات وأناس دول مجلس التعاون. دعنا نفصّل الأمر.
في العام 1975 كانت نسبة العمالة الوافدة من مجموع سكان دول مجلس التعاون نحو 29 %، بعد ثلث قرن، وفي العام 2008، ارتفعت نسبة العمالة الوافدة من مجموع سكان دول المجلس إلى 69 % .
دعنا نذكر إحصائية أخرى، ثم نعلّق. في العام 1975 كانت العمالة العربية تمثّل 72 % من مجموع العمالة الوافدة، بعد ثلث قرن تراجعت نسبة العمالة العربية لتصبح 32 % . إذاً نحن أمام ازدياد مذهل في أعداد العمالة الوافدة يصل إلى أكثر من ضعفي الزيادة في أعداد المواطنين .
ونحن في الوقت نفسه، أمام تراجع مفجع في أعداد العمالة العربية الوافدة بالنسبة للعمالة الأجنبية غير العربية الوافدة، إن ذلك يعني أن نسبة العمالة الوافدة غير العربية بالنسبة لسكان دول المجلس، التي كانت 18 % في العام 1975 قد ارتفعت لتصل إلى 37 % من مجموع سكان دول المجلس.
نحن هنا بالطبع نتحدث عن مجموع دول المجلس، أما نسبة العمالة الأجنبية غير العربية من مجموع سكان بعض دول المجلس منفردةً، فإنها أعلى من ذلك بكثير، وتكوّن أخطاراًً هائلة إن لم تواجه من قبل تلك الدول بمفردها ومن قبل دول مجلس التعاون مجتمعة أيضاً.
المأساة الكبرى تنتظرنا في المستقبل القريب إذا استمرت الزيادة السابقة في أعداد العمالة الوافدة والتراجعات السابقة في أعداد العمالة العربية الوافدة بنفس الوتيرة. عند ذاك، أي في نهاية ثلث القرن المقبل، ستصل نسبة العمالة الوافدة غير العربية من مجموع سكان دول مجلس التعاون إلى نحو 80 %، وسيصبح سكان دول المجلس أقليةً صغيرةً معزولةً، لغةً وثقافةً وديناً، هل نستطيع آنذاك أن نتحدث عن مجتمعات خليجية عربية؟
كلا، إذ سينضمُ الخليج العربي إلى قائمة الأجزاء التي ضاعت أو اقتطعت من وطن العرب.
هل ستقتصر الأخطار المهدّدة للهوية العربية في دول المجلس، على التغييرات في التركيبة السكانية التي وصفنا سابقاً؟ الجواب هو: كلاً .
هناك ظاهرة أخرى كتب عنها الكثيرون، إنها ظاهرة التراجع في أهم مكوّنين للهوية العربية في دول المجلس: اللغة العربية والثقافة العربية.
إن الزيادة المتعاظمة في أعداد المدارس والجامعات الخاصة غير العربية واضحة للعيان، وما كانت لتشكّل هذه الزيادة مشكلة هوية لو أن خرّيجيها يتقنون اللغة العربية الأم كما يتقنون اللغات الأجنبية المستعملة في تدريس الغالبية الساحقة من مواد ومقرّرات تلك المدارس والجامعات.
وبسبب ضعف هؤلاء في اللغة العربية فإن ذلك سينعكس على تواصلهم مع ثقافة أمّتهم: تاريخها، آدابها، فنونها، فقهها، نتاجات مفكّريها وإعلامها. وعندما تضعف اللغة ويضعف الارتباط بالثقافة، فإن الهوية تصبح في خطر كبير، ومن دون هويةٍ تضعف المجتمعات والأمم وتصبح مرشّحةً لأن تكون على هامش الحضارة وخارج التاريخ.
هل من خطوات لمواجهة الظاهرتين؟ الجواب القاطع هو: نعم، بشرط توافر الإرادة السياسية والالتزام القومي العروبي.
بالنسبة لمشكلة التركيبة السكانية هناك حاجة لاتخاذ قرار حاسم بأن تكون النسبة الأكبر من العمالة الوافدة عمالة عربية، ولنتوقف عن سخف الاعتقاد بأن العمالة العربية ستجلب معها مشاكل سياسية، فهذا انطباع غير صحيح ولا ينطبق إلا على أقلية صغيرة إلى أبعد الحدود، بل ومن الضروري العمل على تدريب جزء من العمالة العربية وتوطينها، وستثبت الأيام أن هؤلاء سيكونون أحرص على سلامة وطمأنينة ورقي مجتمعات دول مجلس التعاون من بعض المواطنين الأصليين.
أما موضوع اللغة العربية فإنني شخصياً أعتقد بأن الحل الوحيد والسهل لهذا الموضوع يكمن في اتخاذ قرار من قبل كل دول المجلس بأن لا يعترف بتخريج أي طالب عربي من المدارس الخاصة، في نهاية المرحلتين الإعدادية والثانوية، إلاً إذا نجح في اجتياز امتحان رسمي في أساسيات اللغة العربية الكافية لربطه بثقافته العربية، هذا الشرط وحده سيجعل الطلاب وذويهم ومدارسهم وجامعاتهم يقومون تلقائياً بما يلزم لتخريج طلاب متمكنين من لغتهم الأم.
هناك الكثير الكثير من الخطوات المطلوبة، لكن محدودية حجم المقالة لا تسمح بالدخول في تفاصيلها، والاستعداد لمجابهة الأخطار الأمنية الخارجية وإهمال مجابهة الأخطار الداخلية الكارثية المستقبلية سيكون مدخلاً لعواصف مستقبلية هوجاء.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4479 - الخميس 11 ديسمبر 2014م الموافق 18 صفر 1436هـ
نسيت شياً
يا دكتور علي نسيت أن المشكلة في البحرين خصوصاً و بعض دول الخليج عموماً هي في تج..... كل من هب ودب اذا استطعت أن تحصل على احصائية دقيقة عن عدد المج.....ن من الجنسيات المختلفة الذين لا يتقنون حتى بعض لهجات دولهم فما بالك باللغة العربية أو حتى في صورها البسيطة و هي اللهجات العامية اذا استطعت الحصول على هذه الاحصائية عندها أخبرنا ما هو مصير شعب البحرين بل هواء البحرين من تنفس هؤولاء . انها جريمة العصر يا دكتور .
انت في واد والجماعة بواد آخر
الهمّ الأول لبلدان الخليج هو كيف نكمّم الأفواه ونعطّل العقول ونبعد الشعوب عن التفكير في مستقبلها ومصيرها وما يحصل لخيرات بلدانها وثرواتها حتى يتم التلاعب بمدخرات الأجيال واموال البلاد والعباد .. واذا قام شعب بتحرّك رميناه بالارهاب وقمعناه وقطعنا دابره
ليبدأ كل منا بنفسه
ليبدا كل منا بنفسه قبل ان يطالب غيره
من اي حنسية سائق البيت
من اي جنسية حارس البيت
من اي جنسية خارس المجمع
هؤلاء ثلاثة وربما اكثر ادن المسالة ليست الا قائمة على
المنظور والمصلحة للشخصية والكلام ةالكتابة لا تسقط المسؤولية. للفردية
فهل يبادر الكاتب بالتصحيح
هم في واد والعروبة في واد
من استلبت إرادته فقد البوصلة....ان إعطاء المواطنة للأجنبي سواء كان عربيا ام أعجميا في سياق أهداف لبعض من تلك الدول في مخططها الب......لتغيير التركيبة السكانية سوف يلغي المكون العربي الخليجي من الوجود ،فهناك أمثلة كثيرة حينما يستبدل شعب بآخر كما حصل في موريتشيوس وسنغافورة.
الكرسي أم الوطن
الدكتور يتكلم في واد بعيد جدا عما يدور في خلد ح....
أكاد أجزم أن حك... لو اضطروا أن يحكموا الأرض دون ناسها لفعلوا.
الأهم هو الكرسي وبعده الطوفان.