العدد 4478 - الأربعاء 10 ديسمبر 2014م الموافق 17 صفر 1436هـ

إخوان البحـرين... مراجعـات داخل صندوق أسود

حمدي عبدالعزيز

صحافي و كاتب مصري

يمثل إخوان البحرين «صندوقاً أسود» للكثير من الأصدقاء والخصوم، فلا يجد الأصدقاء ما يدافعون به عنهم لأنهم هم أنفسهم يلتزمون الصمت غالباً، فيما تتصاعد هجمات الخصوم، التي يصيب بعضها المرمى أو يخطئ الكثير منها الهدف. وربما تكون هذه الهجمات أحد الأسباب القوية التي تجعل هذا التيار ينكفئ على ذاته، فكرياً وتنظيمياً، بما له من أضرار سياسية واجتماعية مؤكدة.

طيلة المشروع الإصلاحي، انشغل الإخوان (بما يسميه الكاتب غسان الشهابي بـ «التسلل الذكي»)، في مفاصل الدولة، وتحوّلوا إلى ما يشبه «القبيلة» التي تعطي الامتيازات لأعضائها في مقابل التزامهم بـ «الثوابت» التي ظلت تضيق يوماً بعد يوم، لكن هذا التسلل واجه صعوبات كثيرة كشفت عنها الأجواء السياسية لانتخابات 2010، وكذلك الأداء السياسي والبرلماني 2014.

لقد كان إخوان البحرين مطالبين خلال العقد الماضي، وما مضى من العقد الحالي، بأمور كثيرة في مقدمتها: الانخراط في المشروع الإصلاحي، بأفكار وآليات مختلفة تعزّز الشرعية التاريخية لنظام الحكم، لا أن تكون من المشاركين في وضع هذه الشرعية على المحك في أزمة 14 فبراير/ شباط 2011، مراجعة تجنيد وتجديد نخبتها السياسية والبرلمانية، إذ أن معايير التنظيم تختلف بالتأكيد عن معايير المجتمع، مراجعة العلاقة مع القوى المجتمعية والسياسية عموماً والليبرالية خصوصاً بما يشيع مناخ التسامح لا الاستقطاب، تطوير مشروعات العمل الخيري والاجتماعي والابتعاد قدر الإمكان عن الحصول على مردود سياسي لها، طرح رؤى فكرية تعزّز الهوية الوطنية وليس بلورة أوراق فكرية بطريقة copy and paste من برامج أحزاب إسلامية أخرى في المنطقة «يعشقون الاقتباس من برامج حزبي العدالة والتنمية في المغرب وتركيا على اعتبار أنها تناسب المرحلة الإصلاحية في البحرين»!

لكن هذه المراجعات ظلت غائبةً، أو ربما جرت مراجعات للأداء في انتخابات 2010، ولكنها كانت «سرية» فلم يطلع عليها كثير من أبناء الحركة أنفسهم، وظلت القيادة تشغل قواعدها بقضايا جزئية: تنظيمية كالالتزام التنظيمي الصارم؛ وفكرية كتكريس العداء للآخر بكل تلاوينه؛ واجتماعية ودعوية تجر المجتمع إلى الوراء بصبغتها السلفية الفقهية، التقليدية لا التجديدية.

وقد نجحت قيادة الحركة في فرض الانضباط التنظيمي وعدم مساءلتها، عبر وسيلتين: المنافع التي يجنيها عضو «القبيلة» الإخوانية مقابل صمته أو تبريره أو حتى ترويجه لإنجازات الحركة وقيادتها من جهة، وتعظيم الشعور بالتهديد من جانب الليبراليين أو المكوّن المذهبي الآخر، من جهة أخرى، حيث يخلط «مثقفو» و»دعاة» الحركة بين الجانب العقدي لهذا الآخر وامتداداته الخارجية، وبين تعزيز الهوية الوطنية في ظل شرعية تاريخية ومستقبلية لنظام الحكم.

إن الأداء البرلماني الحالي لا يجب أن يعتبر وحده مؤشراً لتراجع القوة السياسية للإسلاميين عموماً وإخوان البحرين على وجه الخصوص، إلا أنه يفرض عليهم مراجعة أدائهم والتفاعل مع الانتقادات السياسية والفكرية والاجتماعية لهذا الأداء على المستويات كافة، نظراً لأنه ليس ضرورةً لتجديد الحركة فقط وإنما يعتبر كذلك وسيلةً مهمةً لتعزيز الإصلاح في البحرين، من خلال تشجيع كافة الأطراف السياسية والمكونات المجتمعية على تجديد رؤاها وعلاقاتها وأدواتها السياسية.

ومن القضايا الجديدة المطلوبة للمراجعة: فتح أبواب جمعيتهم السياسية للمستقلين والنساء بشكل يحقّق مصلحتهم من جهة، ويطوّر التجربة السياسية من جهة أخرى؛ العلاقة مع القوى السلفية والليبرالية في إطار مفاهيم التعددية والتسامح؛ تغيير النظرة إلى الآخر المذهبي بما يسهم في تعزيز القناعات بالعمل السلمي في الأوساط الاجتماعية كافة وعدم المشاركة في أي قول أو فعل يسهم في جر فتية صغار إلى مستنقعات عنف يحرّكها لاجئون بالخارج أو قوى غير قانونية.

إن التطورات السياسية، المحلية والإقليمية، تدفع إخوان البحرين إلى تعزيز الولاء لنظام الحكم، عبر مزيدٍ من الإنكفاء التنظيمي والرؤى المغلقة، مقابل السماح لهم بعودة «التسلل الذكي» مرةً أخرى، وكل ذلك يسير في اتجاه مناقض لما اختطه نظام الحكم نفسه من تكريس وتطوير المشروع الإصلاحي.

وتؤكد نتائج انتخابات 2014، حقيقة أن «إخوان البحرين» لا يمكن أن يكونوا «راكبين مجانيين» في قطار الإصلاح والتنمية، وعليهم أن يفتحوا صندوقهم الأسود، ويقدّموا مراجعات حقيقية تخدم مسيرة الديمقراطية وشرعية نظام الحكم والهوية الوطنية، وتزيد من ثقة جميع الأطراف السياسية والمجتمعية فيهم.

إقرأ أيضا لـ "حمدي عبدالعزيز"

العدد 4478 - الأربعاء 10 ديسمبر 2014م الموافق 17 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:36 ص

      الاخوان منا...

      .....هم بلاء كبير اعان الله الامة واعاننا عليهم

    • زائر 1 | 10:06 م

      لن أثق فيهم

      لمزيد من التراجع في كل المجالات إخوان الا مسلمين فهم سبب بلاء العالم الاسلامي فماذا قدموا لقضية القدس

اقرأ ايضاً