العدد 4477 - الثلثاء 09 ديسمبر 2014م الموافق 16 صفر 1436هـ

في قراءة للبيان الختامي للقمة الـ 35 بالدوحة .. دول التعاون تعبر عن تضامنها ودعمها للبحرين

طوال عمره المديد، لم يدخر مجلس التعاون الخليجي جهدا في إظهار دعمه لكل دول منظومة التعاون، وأعلن مرارا وتكرارا وقوفه بجانب أي عضو من أعضائه الستة ، خاصة في أوقات الأزمات التي مرت ببعضها، وها هو الآن يجدد عهده ثانية، ويعلنها صريحة مدوية أن ما يربط دول المجلس أكثر من مجرد رابط تنظيمي ومؤسسي، وأن مصيرا واحدا يجمعهم معا يستوجب إقصاء الخلافات جانبا، ويحتم التكاتف والتضامن فيما بينهم، والنظر للمستقبل نظرة واحدة حتى يمكن مواجهة التحديات المشتركة التي تجابههم جميعاً.

والمدقق في البيان الختامي للقمة الـ35 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي اختتمت أعمالها يوم أمس بالعاصمة القطرية الدوحة، يستطيع أن يخلص إلى هذه الحقيقة المهمة بدلالاتها المختلفة، والتي تؤكد على معان كثيرة ليس فقط الوشائج العميقة بين دول التعاون، وصلات القربى والتاريخ الوثيقة فيما بينهم، وأن الدول الأعضاء تقف بجانب بعضها البعض وقت الحاجة وعند اشتداد الأمور والملمات، وإنما أيضا تؤكد على هذا المعنى المتميز لهذه القمة مقارنة بغيرها ، وهي أن مواقف البحرين المشهودة والثابتة ناحية دول المجلس منذ قرار إنشائه وحتى اللحظة، والتي قوبلت بكل ثناء وتقدير، كما سيتضح تاليا، لابد أن تقابل بالقدر ذاته من الإجلال والتعظيم.

وقد أكد على هذا الموقف الواضح أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس في بيانهم الختامي لقمة الدوحة، وذلك بعدما أعلنوا وقوفهم إلى جانب المملكة في كل خطواتها الرامية إلى محاربة الإرهاب، وإدانتهم الشديدة للتفجيرات الإرهابية التي راح ضحيتها أرواح بريئة، في إشارة للجريمتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا رجال شرطة ومواطنين ومقيمين أبرياء مما يهدد الأمن والسلم الأهلي، ليس في البحرين فحسب، وإنما في كل دول المنطقة والعالم على اعتبار أن الإرهاب يعد واحدا من أهم تحديات العالم المعاصر.

كذلك، فإن قادة دول التعاون وجهوا التحية للبحرين، قيادة وحكومة وشعبا، لأنها ومع نجاح الانتخابات النيابية والبلدية الرابعة في تاريخها الحديث بجولتيها النزيهتين اللتين شهدتا إقبالا ومشاركة واسعا وترحيبا إقليميا وعالميا، استطاعت تفويت الفرصة على بعض الموتورين الحاقدين الذين يحاولون تبرير الخروج على الشرعية الدستورية بدعواتهم، وتجاوز المؤسسات التمثيلية القائمة بأعمالهم غير القانونية، والتي لم ولن تجد لها قبولا على الأرض.

وكان البيان الختامي للقمة قد هنأ بنجاح الانتخابات النيابية والبلدية التي جرت في المملكة في 22 و29 من نوفمبر الماضي باعتبارها إنجازا تاريخياً شارك فيه أبناء المجتمع البحريني بجميع مكوناته وبنسبة مشاركة عالية تثبت وقوفهم خلف قيادتهم الحكيمة من أجل بناء مستقبل زاهر في ظل المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة ملك مملكة البحرين، متمنياً لمملكة البحرين وشعبها التقدم والازدهار.

وواقع الأمر، أن هذا الموقف الداعم والمرحب ليس بغريب على دول التعاون، خاصة أن البحرين لم تألوا جهدا هي الأخرى في إظهار دعمها ومؤازرتها لكل ما من شأنه رفعة وتقدم وازدهار دول المجلس، وجاءت مشاركة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في القمة الأخيرة وكلماته التي صرح بها لدى وصوله الدوحة وفي افتتاح القمة وعقب فعاليات ختامها، لتؤكد مدى إيمان جلالته بأهمية مجلس التعاون الخليجي وضرورة تطويره للوصول به إلى مرحلة الاتحاد الكامل.

وتعبر كلمات العاهل خلال القمة وعقب وصوله أرض الوطن، في الحقيقة، عن سياسة راسخة انتهجتها مملكة البحرين في دعم كل ما يوحد دول مجلس التعاون إيمانًا بوحدة الهدف والمصير والمصلحة المشتركة لشعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولذلك لم يكن مستغربًا أن تقف دول التعاون وقفتها المشهودة تلك بجانب البحرين في مواجهتها للجرائم الإرهابية التي تحاول النيل من وحدتها واستقرارها، مرحبين في بيانهم الختامي أيضا بكل الجهود البحرينية التي تبذل للحد من جرائم الإرهاب ومنع وصوله للمنطقة، سيما بالنظر إلى نتائج المؤتمر الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب الذي عقد في العاصمة المنامة في نوفمبر 2014، وإعلان المنامة الصادر عنه، الذي اعتبروه مرجعا في تحديد السبل والطرق الكفيلة للحد من ظاهرة الإرهاب بشكل كامل وشامل.

ويكشف ذلك في الواقع عن دور بحريني متعاظم في الشأن الخليجي، كما يعبر عن دلالة مهمة بأن المملكة لا تدع فرصة يكون من شأنها تطوير العمل الخليجي المشترك إلا وتساهم فيها قدر إمكانها، ولعل هذا المعنى يعيد إلى الذاكرة الجهود الكبيرة التي قامت بها المملكة أثناء فترة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحتى الآن، وحرصها الدائم على تفعيل دور المجلس وتقويته، والوصول به إلى مرحلة الاتحاد.

كما يشهد التاريخ أن جلالة الملك كان أول من أعلن موافقة بلاده على مقترح خادم الحرمين الشريفين صاحب الجلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأعلن جلالته استعداد مملكة البحرين إلى الانضمام إليه فورًا، بل ويتابع جلالته بشكل مستمر هذا الموضوع الحيوي، ويتداول فيه مع أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، للانتقال من التنسيق والتكامل الحالي إلى مرحلة الاتحاد الشامل والكامل.

لقد عمل جلالة الملك على أكثر من اتجاه في سبيل ترسيخ دعائم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويمكن هنا رصد أهم جهود جلالته في سبيل تدعيم التعاون الخليجي وصولا إلى مرحلة الاتحاد المنشودة، وتتمثل في:

أولاً ـ الترحيب الدائم من جلالته بالمشاركة في واستضافة الاجتماعات الخليجية، فعلى مستوى القمة عقدت ثلاثة اجتماعات للمجلس الأعلى للتعاون الخليجي في مملكة البحرين منذ تسلم جلالة الملك أمانة الحكم عام 1999.

الأولى كانت في ديسمبر عام 2000، حيث استضافت البحرين اجتماعات الدورة الحادية والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والثانية في ديسمبر عام 2004، حيث استضافت المملكة اجتماعات الدورة الخامسة والعشرين، وأخيرًا في ديسمبر 2012، حيث استضافت المملكة اجتماعات الدورة الثالثة والثلاثون للمجلس الأعلى.

كما تحرص المملكة على استضافة اجتماعات المجالس الوزارية الخليجية، وكافة الاجتماعات التي يقرر المجلس عقدها في البحرين، والمساهمة بجد وإخلاص في إنجاح هذه الاجتماعات والخروج بنتائج ملموسة لصالح الشعوب الخليجية.

ثانيًا ـ حرص جلالة الملك على أن تبادر المملكة بطرح المشروعات التي تصب في ترسيخ دعائم المجلس وتوثيق التعاون بين أعضائه، وحظيت مقترحات وجهود مملكة البحرين بالثناء والترحيب من جانب كافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنها مقترح مملكة البحرين بشأن تذليل الصعوبات التي تعيق توظيف مواطني مجلس التعاون في باقي الدول الأعضاء، ومقترح مملكة البحرين بإنشاء لجنة خليجية عليا لحقوق الإنسان، ومقترح إنشاء اتحاد وكالات الأنباء الخليجية...وغيرها.

هذا بالإضافة بالطبع لمشروعها الإصلاحي الرائد الذي يعد بمثابة النموذج لدول المنطقة التي سعت على نطاق واسع لاتخاذ إجراءات سياسية شبيهة، وهو النموذج الذي قوبل بترحيب دول التعاون بنتائجه الأخيرة، في إشارة للانتخابات النيابية والبلدية الرابعة، باعتبارها فرصة سانحة للمشاركة في القرار العام، وأساسا صالحا للانطلاق لآفاق أرحب من التقدم والبناء على كافة الصعد في البحرين وغيرها.

ثالثًا ـ الحرص الدائم من جلالته والمبادرة إلى تنفيذ الاتفاقيات والقرارات الخليجية التي تصب في اتجاه تدعيم الوحدة الخليجية وتبني العديد من الأنظمة الموحدة لدول المجلس، فقد أصدر جلالته العديد من المراسيم الملكية والقوانين بالموافقة على هذه الاتفاقيات والقرارات وأبرزها: الاتفاقية الأمنية الخليجية والاتفاقية الاقتصادية الموحدة، والقانون رقم (28) لسنة 2013 بالتصديق على الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والمرسوم بقانون رقم (7) لسنة 2002 بالموافقة على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والقانون رقم (1) لسنة 2006 بالموافقة على قيام الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والقانون رقم (81) لسنة 2006 بالموافقة على قانون (نظام) التنظيم الصناعي الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وغيرها الكثير من المراسيم والقوانين التي ساهمت في تعزيز الاندماج بين البحرين وأخواتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

رابعًا ـ تقديم جلالته الرعاية للمنشآت الخليجية في مملكة البحرين، وكافة أوجه الدعم الممكنة للقيام بدورها على أكمل وجه، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: أن جلالة الملك وهب جامعة الخليج العربي أرضا بمساحة مليون متر مربع لبناء مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز الطبية، وأرضاً أخرى لبناء مركز سمو الأميرة الجوهرة الإبراهيم للطب الجزيئي وعلوم المورثات والأمراض الوراثية، كما تقدم المملكة دومًا الرعاية والعناية للوفود التدريبية الخليجية على أرض المملكة وطلبة العلم الذين يفدون إليها من جميع دول المجلس للاستفادة من النهضة التعليمية بها.

وفي النهاية، لا يسعنا إلا أن نقول إن جلالة الملك لا يألوا جهدًا من أجل ترسيخ دعائم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو ينظر بعين ثاقبة إلى المستقبل، حيث يرى جلالته أهمية الاتحاد الخليجي في عالم لم يعد ينظر للكيانات المتفرقة، وأن الاتحاد بين دوله لم يعد ترفًا، بل هو السبيل الأوحد للولوج إلى المستقبل في ظل ما تواجهه دول مجلس التعاون الخليجي من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة ومخاطر جسيمة من كل حدب وصوب، وهو ما يفسر ـ بالتأكيد ـ هذا الدعم والترحيب بكل ما تقوم به المملكة، قيادة وحكومة وشعبا، من أجل التضامن الخليجي ـ الخليجي، الذي لم يعد بإمكانه أن يتخلى عن أي من دوله في مواجهة آفة الإرهاب التي باتت أحد أهم مصادر الخطر التي يواجهها العالم، وليس المنطقة فحسب، ولا حتى البحرين وحدها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:05 ص

      حفظكم الله تعالى

      فعلا شعوب دول الخليج العربي فخورين بكم وبحكمتكم
      ونتمنى ان نصل الى الاتحاد في وقت قريب ان شاء الله تعالى
      ليكون دول الخليج العربي بلد واحد وشغوبها واحدة

اقرأ ايضاً