الأصل في علاقات الدول هي المصالح. هذا ما لا يختلف عليه اثنان، وما جُبِلَت عليه الدول منذ الأزل. نعم، قد تلعب أمور أخرى دوراً في تكوين علاقات ما بين دولتين، كالتاريخ والموروث الثقافي، إلاَّ أن التجربة أثبتت، أن المصالح هي الأمضى من أي شيء آخر.
بل إن التأمل في الأحداث الجارية، يمنحنا القدرة على رؤية تلك المصالح، وهي تقوم بتكييف ما دونها من أشياء، كالتي أشرنا إليها من تاريخ وثقافة (وغيرها أيضاً). بمعنى، أن تقوم المصالح بوضع مسائل التاريخ والموروث الثقافي في قوسها ضمن سياق ممتد مع غيرها من المتغيرات، دون أن تترك الفرصة لها بأن تتسيَّد على أصل السياق وحركته.
اليوم، يُقتَل المسيحيون في الشرق الأوسط ويُهجَّرون، بينما عشرات الدول الغربية (المسيحية) لا تُحرِّك ساكناً. بل ربما ساهمت هي في خلق ذلك المناخ، منذ أن أتت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة لتغزوان العراق، وينفجر الصراع الديني. وربما ندرك أن المصالح الغربية كانت هي الأكثر أهمية بالنسبة لتلك الدول دون غيرها.
عرقية الإيغور في شينجيانغ الصينية بينهم وبين حكومة بكين، صراعاً محتدماً على الوجود منذ سنين، في حين تُبقِي تركيا علاقاتها مع الصين في أوج قوتها، على رغم أن الإيغور هم شعب تركي أصيل منذ أن كان امتدادهم يصل إلى آسيا الوسطى. السبب هو المصالح، واستيراد أنظمة دفاع صاروخية لأنقرة، وليس 11 مليون إيغوري تركي مسلم.
الروهينيغا مسلمون، ولهم علاقة ثقافية متجذرة مع بنغلاديش، إلاَّ أن الدول الإسلامية وبنغلاديش مازال موقفهما «عادياً»من الصراع الدائم في أراكان، بين 800 ألف روهينغي مسلم والحكومة البورمية، رغم كل الصور «المفزِعة» التي نقلتها وكالات الأنباء العالمية.
بل إن حكومة دكا (العاصمة البنغلاديشية) وقبل عام كانت تتفاوض مع حكومة نايبيداو (العاصمة البورمية) لتعزيز قضايا «الأمن والتجارة والاستثمار، والتعاون بين حرس الحدود» وكذلك «استيراد الغاز والكهرباء» وإطلاق مشروع «الخدمات الجوية المباشرة وخط النقل البحري الساحلي، والتعاون في قطاع الطاقة». هذا ما أعلِن من حينها.
حتى التوغل الروسي في الشرق الأوكراني، وضم شبه جزيرة القرم بعد الإطاحة بفيكتور يانوكوفتيش، لم يكن الهدف منه (بالأساس) هو حماية الناطقين باللغة الروسية في تلك المناطق كما قيل، بل إن المسألة بالنسبة لموسكو متعلقة (أولاً) بوصولها للمياه الدافئة، انطلاقاً من بحر آزوف ثم مضيق كيرتش وصولاً للبحر الأسود فمضيق البوسفور حتى بحر مرمرة ثم مضيق الدردنيل ثم بحر إيجة وانتهاء بالبحر الأبيض المتوسط.
أمام كل ذلك تصبح دراسة المصالح ودورها في صياغة علاقات الدول ببعضها أمر في غاية الأهمية. لأن إدراكها يفتح الباب للرؤية السياسية الحصيفة كي تتحرك ضمن فضاء يتسم بالعقلانية، وبعيداً عن فهم الأشياء والظروف بغير ما يجب. هذا الأمر هو ما تدركه الدول فيما بينها، بل وتُقدِّره لبعضها طبقاً لظروف كل دولة.
نعم هناك قيم أساسية تلعب دوراً رئيسياً في صياغة المصالح كالجغرافيا، التي تؤسس لمشترك تاريخي وثقافي وتواصل اجتماعي واقتصادي، لكننا أيضاً نرى أن دولاً تجاورت لكنها بقِيَت على حدود منفصلة عن بعضها (في القرار) إلى حد ما كما هو الحال بين الصين والهند، والأخيرة مع باكستان، بل وحتى في دول أخرى في آسيا الوسطى ومنطقة الشرق الأوسط عموماً.
الحقيقة، أن المسألة الأساسية هنا، هو معرفة السطح الذي تسير عليه المصالح بين الدول. ففي أحيان كثيرة، تتشابك الدول في مصالح متعددة، لكنها بأوزان مختلفة. بمعنى، أن وزن المصالح بين الدولة (أ) مع الدول (ب) تختلف ما بين الأولى والدولة (ج) على سبيل المثال.
هذه المعادلة تنطبق مع الدولة (ب) والدولة (ج) في علاقاتها الحرة الأخرى مع الدول، بحيث تجد الدولة (أ) نفسها وضمن مسطرة أخرى من المسار، أنها أقل حظوة في زاوية محددة، من دول أخرى. ومن هنا، يحدث التباين والاختلاف، في تفسير المصالح وحدودها بين الدول.
قد تختلف دولة ما مع دولة أخرى، في الوقت الذي يُوجد على طرفَيْ العلاقة للدولتين المتخاصمتين، علاقات مستقرة، في الاتجاه المعاكس للخصومة لكل بلد، وهو ما يعيد تأكيد «نسبية» الصداقة والخصومة في آن، بحيث لا يستطيع أحد أن يملأ كأسها بالكامل.
من هنا، تنشأ المعادلة المعقدة في العلاقات السياسية التي أشرنا إليها من قبل، وهي وجود عدوّ صديق يستلزم موقفاً ليس بالضرورة أن يكون عدائياً بل ربما يكون وسيطاً أو حتى حليفاً. هذا الأمر يتكرر مع صديق العدو، ومع عدو العدو، ومع صديق الصديق، وكأننا في بازار للمساومة، التي تُخِفض حيناً وترفع حيناً آخر.
لقد رسمت هذه المعادلة المتداخلة علاقات أكثر من مئتي دولة في العالم، تبدأ خطوطها في الاتصال والتشابك، أو الانقطاع. هذا يعني أننا أمام صداقات «محدودة» وعداوات «محدودة» لكنها تختلف في مستوياتها. والأهم من ذلك، أن الفراغات التي تتركها تلك المحدودية» هي بالأساس ليست فراغاً بل هي مجال لدول أخرى تقوم بلعب دور حيوي فيها وهكذا.
من هنا يتضح لنا، أن الصراعات القائمة ليست أزلية، بل خاضعة لظروف الصراع القائم بالأساس على المصالح. وعندما ندرك ذلك، ندرك أيضاً أن الصداقات والعداوات قد تحدث حتى بين الدول القريبة من بعضها، كون خطوط الاتصال والتشابك والانقطاع تسري عليها بالمنسوب ذاته.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4475 - الأحد 07 ديسمبر 2014م الموافق 14 صفر 1436هـ
مضحك ذكر ايران
لطفت مقالك بذكر إسرائيل إيران على مدى200سنة لم تشن حرب موضوع الجزر من أيام الشاه لم يستطيعوا أن يطلقوا اسم كأس دول مجلس الخليج العربي عطاهم الشاه العين الحمراء وحتى بشن المقبور صدام حربه بدعم صريح من دولنا لم تتخد معهم اي موقف ونقول لك تعلموا من الإيرانيون شي واحد هو الكرامة والعزة والوطنية لا مساومة عليها وليس كما هو حادث لنا بتوفير الأمن الداخلى والخارجي من قبل الغرب حفظ الله بلد الإسلام المحمدي الأصلي
فعلا وتلك الدولة التي تتغنى بالقيم تغمض عينها لكي تحصل على قاعدة
فعلا المصالح الاقتصادية اهم من أشياء كثيرة قد يكونون ناطقين بلغتهم ومن أجناسهم لكن المصالح تجعلهم ضحايا وايضا تلك الدولة التي تستقبل اللاجئين ألسياسين من العالم وتوفر الأمان لهم وهي من الدول التي ترفع شعار القيم وحقوق الانسان تدوس على حقوق شعب يسعى لانتزاعها بتوفير الغطاء السياسي لتكون فائدته مصالح اقتصادية والحصول على قاعدة حربية لتوفر الأمن لتلك الدولة او الدول عجيب وموضوع في الصميم
الفرق بين مصالح اليوم ومصالح الامس
منطق مناصرة الاديان والاعراق والطوائف هو الذي اشعل الحرب العالمية الأولى وهو ما لا تكرره الدول اليوم
كل الدول ممكن
كل الدول ممكن التحالف معها و التعاون معها وفق المصلحة الا دولتان و هما اسرائيل و ايران لأنهما العدو الكبر للإسلام الحقيقي و العروبة
كل الشكر والتقدير لك استاذي
مقال مليء بالمعلومات والفائدة