في الحياة كثيرٌ من الأشخاص الذين يفضّلون العيش في الظل، يكرهون أن يعرف أحدٌ بما يقومون به من إنجازاتٍ وأعمال، إما تواضعاً أو رغبة منهم في خدمة من يحبون وهم الأكثرية، أو خوفاً من العين أو الحسد وهم الذين يعيشون حياتهم في خوفٍ وقلق دائمين.
بعض كائنات الظل - إن استعطعنا تسميتهم بهذا الاسم تجاوزاً- يجيدون استخدام جهودهم ونجاحاتهم في خدمة الآخرين؛ منهم من اعتاد إعطاء نتاجه لاسم غيره مرغماً أو تفضلاً ومحبة، ومنهم من اعتاد أن يكون خلف من يحب كي ينجز وينمو ويعلو اسمه عالياً في سماء النجاح. أول هؤلاء هم الوالدان أيُّ والدين، حين ينذران حياتهما ووقتهما وكل ما يملكانه لأبنائهما، من غير أن يحسبا ذلك، أو حتى يتذكرانه، وبرغم من أنهما عند الآخرين معروفان، إلا أن أبناءهما قد يجهلان ذلك ويعتبرانه ضرباً من أداء الواجب الذي لا يلتفتون له ولا يشكرون عليه، وربما لا ينتبهون إليه ولو من باب الرغبة في المعرفة.
الزوج غالباً ما يكون كائن ظل حين يحلم بنجاح زوجته ورفعتها، وإيصالها لبر الأمان والنجاح في مجال عملها وحياتها الاجتماعية، وحين يكون نموذجاً يحتذي به أولاده فيسهمون في هذا النجاح. بعض الأزواج استطاعوا نشل زوجاتهم من مستنقع التردد والفشل والتخوف من الإقدام، فكانوا لهن جسراً وطوق نجاة وظهراً يستندن إليه كلما عصف بهن التعب، يفعلون هذا لأنهم ببساطة يحبونهن ويتمنون لهن تحقيق كل جميل، فتراهم يقومون بأعمال البيت والاهتمام بالأطفال كي تنجز زوجاتهم ماعليهن من واجبات وما يتمنين من طموحات.
كثيرٌ من الزوجات في المقابل كائنات ظل، وهن ينجزن أعمال البيت ويبدين اهتمامهن بأزواجهن في الجوانب العاطفية والنفسية والمادية، يدققن في أصغر التفاصيل ليصلن معهم إلى قمة النجاح، ويعرفن كيف يوفرن لهم بيئة صحية لتحقيق كل أهدافهم في شتى المجالات.
أما كائنات الظل التي تضطر مرغمةً لإهداء مجهودها لغيرها كبعض الموظفين الذين لا يدافعون عن حقوقهم حين يغتصبها رؤساؤهم فهم كثيرون للأسف، يفعلون ذلك جهلاً وخوفاً واستسلاما؛ فكم من رئيسٍ علا صيته وارتفع اسمه بمجهود غيره، وكم من محترفٍ وموهوبٍ ومتقنٍ لعمله بقي في الظل خوفاً من الإفصاح عن عمله فيلقى عقاباً قد يصل للفصل في بعض الأحيان، وهذا لا يبرر أبداً القبول بكل هذا الظلم وبالبقاء في الظلمة؛ فحين يعرف الآخرون بجهوده لابد وأنهم سيقدرونه ويضعونه في المكان المناسب.
ما ينتشر اليوم في بعض الأوساط التي تخص المجالات الإبداعية خصوصاً، هم نوع آخر من كائنات الظل، وهم الكائنات التي نأسف لوجودها، حين يبيع أحدٌ ما جهده وابداعه لأحدهم كي ينسبها لنفسه بمقابل مادي؛ لأنه فضّل الطريقة الأسهل للحصول على المال حين وجد من يستغل جهوده كي يبرز اسمه، ولا مبرر لذلك؛ إذ جميعنا قادرون على تحصيل ذلك المال بعد شيء من الجهد في تسويق أنفسنا ومنجزاتنا بدلاً من اختيار الطريقة الأسهل، والتي تعتبر نوعاً من الغش الذي تنهى عنه أخلاقنا وترفضه جميع الأديان.
كائنات الظل متنوعة، كبقية الكائنات فاختر أي الأنواع تريد.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4475 - الأحد 07 ديسمبر 2014م الموافق 14 صفر 1436هـ