تتحدث بعض الوثائق البريطانية التي نشرها مؤخراً موقع www.qdl.qa بالتعاون مع المكتبة البريطانية، عن بداية تأسيس الإرسالية الأميركية في البحرين. مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين اهتمت المؤسسات التبشيرية الأميركية بمنطقة الخليج العربي، وسعت لإنشاء بعض المراكز لها فيها. إضافة للبصرة ومسقط، تم افتتاح فرع الإرسالية الأميركية في البحرين العام 1893 والذي كان يسعى للتبشير بالمسيحية ليس في البحرين فقط، وإنما في المناطق القريبة منها أيضاً. في العام الأول من تأسيسها، استطاعت الإرسالية الأميركية في البحرين أن تبيع أكثر من 100 جزء من الكتاب المقدس، كما قامت بإرسال أول بعثة تبشيرية لمنطقة الأحساء. أنشأت الإرسالية الأميركية أول مستشفى في البحرين، كما أنشات مدرسة للأولاد وأخرى للبنات.
بتاريخ 21 أبريل/ نيسان 1903 كتب رئيس الإرسالية الأميركية العربية في البحرين السيد زويمر، رسالة إلى المقيم السياسي في الخليج. وقد حوت الرسالة بعض المعلومات عن المستشفى التابع للإرسالية. ومما جاء فيها: «بدأت الإرسالية الأميركية العربية خدماتها الطبية منذ سبع سنوات. خلال العام 1902 أكملت وجهزت الإرسالية مستشفى ومستوصفاً جديداً مع مكان مخصص للإقامة يضم واحداً وعشرين سريراً. يعمل معنا طبيبان مؤهلان، ممرضتان متدربتان، موظف مساعد من السكان المحليين وقد حصل على خبرة من الهند، شخص متخصص في الدواء وآخر لتضميد الجراح. سيكون هناك، بشكل دائم، طبيب مؤهل في موقع المسئولية ونتوقع في المستقبل القريب أن ينضم لفريق عملنا الدائم ثلاثة أطباء، اثنان من الذكور وسيدة. خلال السنوات الماضية كان الأطباء التابعون للإرسالية يعالجون الرعايا الهنود الذين يسكنون في البحرين. في الوقت الحاضر فإن الطبيب المسئول قد تم توظيفه من قبل نائب القنصل، وذلك لعلاجه وعلاج الخدم التابعين له. نظراً للأعمال التي قامت ومازالت تقوم بها، فإن الإرسالية ترجو الحصول على منحة من حكومة الهند تختص بالخدمات الطبية لتستمر في تقديم خدمتها لمساعد الوكيل السياسي في البحرين. في مقابل المنحة ستقوم الإرسالية بتقديم الخدمات الطبية بشكل مجاني للممثلين البريطانيين والخدم الذين يعملون معهم».
وتحت عنوان «المصالح الأميركية في البحرين، 1895-1904» يذكر جون جوردن لوريمر في القسم التاريخي من كتابه «دليل الخليج» أن الإرسالية الأميركية العربية التي افتتحت في البحرين تنتمي للكنيسة الإصلاحية الهولندية. ترأس الإرسالية في البحرين السيد زويمر وهو مؤلف كتاب «جزيرة العرب مهد الإسلام». يضيف لوريمر «في فبراير من العام 1899 طلب زويمر مساعدة المقيم السياسي البريطاني لشراء مبنى في البحرين، ولكن حكومة الهند البريطانية رأت من غير الملائم مساعدته في هذا الشأن. بعد ذلك اشتكى حاكم البحرين وبعض السكان من تعديات زويمر وقراء الكتاب المقدس على الإسلام الأمر الذي أقلق حكومة الهند وأشعرها بضرورة اتخاذ بعض الإجراءات بخصوص المبشرين الذين قد يواجهون مخاطر الاعتداءات الشخصية. على إثر ذلك قام مكتب الشئون الخارجية البريطانية بالتواصل مع السفارة الأميركية في لندن فتم تحذير زويمر من قبل مجلس الإرساليات الأميركي وتوصيته بأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر أثناء أدائه لمهماته. وقد توقفت الشكاوى بعد ذلك. في أبريل من العام 1901 سأل زويمر المقيم البريطاني إن كانت هناك أية اتفاقيات بين الحكومة البريطانية وحاكم البحرين تمنع الحاكم من بيع مبنى للإرسالية من أجل إنشاء مستشفى فيه». وقد نجح زويمر في الحصول على المبنى المطلوب. يضيف لوريمر «أول مستشفى ومستوصف في البحرين، والذي يضم 21 سريراً، تم افتتاحه من قبل الإرسالية العام 1902 تحت اسم «Mason Memorial Hospital». منذ الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1901 أصبحت الخدمات الطبية التي تقدمها الإرسالية العربية تقدم للممثلين البريطانيين في البحرين».
في موضع آخر من الكتاب، يذكر لوريمر «تقام صلوات الصباح كل يوم قبل العمل في المستشفى. والاستشارة الطبية والدواء لا يقدمان إلا لمن يحضر هذه الصلوات (وإن كان ليس ضرورياً أن يشارك فيها). هناك مدرستان تتبعان الإرسالية واحدة للأولاد وأخرى للبنات. يقوم بمهمة التدريس في هاتين المدرستين المبشرون إضافة إلى مدرسين محليين. عدد الطلبة المسجلين العام 1905 هو 85 طالباً. كما تقوم الإرسالية ببيع الإنجيل وكتب مسيحية أخرى مكتوبة باللغة العربية».
لم يكن الوجود المسيحي كبيراً في البحرين في تلك الفترة. يذكر لوريمر أن في المنامة ما يقرب من 40 شخصاً من المسيحيين المشرقيين، و6 من الأميركيين إضافة إلى 4 من الأوروبيين. بالنسبة للمسيحيين المشرقيين فنحو 30 شخصاً منهم يعملون في التجارة والبقية يعملون مع الأميركيين الستة في الإرسالية الأميركية. أما الأربعة المسيحيون الأوروبيون فهم الوكيل السياسي البريطاني إضافة إلى تاجر بريطاني واثنين من التجار الألمان.
الخدمات الطبية والتعليمية التي كانت توفرها الإرسالية الأميركية ربما ساهمت في إثارة بعض الأسئلة والنقاشات حول كيفية التعاطي مع خدمات مهمة تقدمها مؤسسة تهدف للتبشير. كان المجتمع البحريني في أمس الحاجة للخدمات الطبية والتعليمية التي تقدمها الإرسالية الأميركية، ولكن كانت هناك خشية من الجانب التبشيري الذي قد يتخفى خلف تلك الخدمات. هنا يبرز السؤال الكبير والجدلي حول كيفية التعاطي مع الخدمات التي تقدمها الإرسالية لمجتمع محافظ كالمجتمع البحريني في تلك الفترة. فمن يرفض أن يتعلم في مدارس الإرسالية ليس بالضرورة أنه ضد التعليم ولكنه يخشى من التبشير، ومن يقبل بالتعليم ليس بالضرورة أنه مع التبشير ولكنه يرغب في التعليم. هذه الجدلية نفسها قد نجدها اليوم تجاه بعض المشاريع المرتبطة بالشأن السياسي أو برامج حقوق الإنسان. تقدم بعض الدول الغربية على الخصوص خدمات على شكل دورات ومحاضرات وبعثات، على سبيل المثال، وتبرز معها الجدلية القديمة نفسها، ويبرز السؤال حول كيفية التعاطي معها.
مازال الغرب قادراً على تقديم الخدمات لمجتمعاتنا، ومازلنا بحاجة لمناقشة القضايا نفسها التي ناقشها الأجداد، بعد أكثر من قرن من إنشاء الإرسالية الأميركية في البحرين.
إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ
صفحات مهمة
شكرا استاذ حسن
نتابع باهتمام تنقيبك الجاد في سلسلة الوثائق والتى من دون شك كنز تاريخي لبلدنا والمنطقة