العدد 4473 - الجمعة 05 ديسمبر 2014م الموافق 12 صفر 1436هـ

منتدى «الوسط» الثقافي يناقش «فعل التحول الاجتماعي في الحوار الثقافي»

احتفاءً بيوم الفلسفة العالمي

احتفاءً بيوم الفلسفة العالمي الذي تحتفل به منظمة اليونسكو في ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني في كل عام، احتفلت «الوسط» عبر منتداها الثقافي بيوم الفلسفة العالمي يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014. عقد المنتدى الذي تديره الصحافية منصورة عبدالأمير تحت عنوان «فعل التحول الاجتماعي في الحوار الثقافي» واستضاف ثلاثة من المهتمين بالمجال الاجتماعي والثقافي والإنثربولوجي وهم كل من أستاذ علم الاجتماع باقر النجار، وأستاذ الدراسات الثقافية نادر كاظم وأستاذ مساعد في كلية الآداب بجامعة البحرين سوسن كريمي.

وذهب النجار للبحث في أسرار نجاح التحولات المجتمعية في الغرب فيما تفشل في الشرق، معزياً ذلك إلى تنبه الغرب لتوظيف الفلسفة في خلق خطط مستقبلية لنهضة مجتمعه، فيما أشار كاظم إلى أن التحولات الأخيرة في المجتمع العربي تعكس انشغال الشرق لأول مرة بذاته بعيداً عن الغرب المهجوس به دائماً، ومن هنا فالتسامح يعدّ مدخلاً أنسب من الفلسفة لمناقشة هذا الموضوع خصوصاً لما آلت إليه بعض التحولات الاجتماعية من ربيع إلى خريف إلى تطرف. وفيما يلي نص النقاشات التي تمّت أثناء المنتدى.

منصورة عبدالأمير

نناقش اليوم موضوعاً يبدو متناسباً ومتزامنا مع مناسبة مرّت بنا الأسبوع الماضي وهي الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة الذي أقرّته اليونسكو لتحتفي فيه بالتفكير الحر العقلاني والمنطقي. نريد اليوم أن نتحاور عبر مساحة تفكير حرة لنتحدث عن قضية لعلَّها ذات بعد سياسي لكننا سنناقشها في إطار ثقافي، وهي قضية التحولات الاجتماعية ومدى انعكاسات هذه التحولات على عملية الحوار الثقافي والانفتاح على الثقافات. على الأخص ونحن نعيش الآن فترة ما بعد التحولات الاجتماعية في منطقتنا، وهي تحولات شهدها العالم ككل، وكان لها وجهان سلبي وآخر إيجابي. الجماهير العربية وقفت من هذه التحولات موقفين متضادين، الأمر الذي انعكس على عملية الحوار مع، والانفتاح على، الثقافات الأخرى، وربما اتخذ أشكالاً معادية لدى البعض وأخرى مدافعة عن هذا الانفتاح، فنجد توصيفات «الربيع» في مقابل «الخريف» ما الذي حدث وكيف حدث؟ هل هو نتاج انفتاح غير ناضج على الثقافات الأخرى؟ وما الاسم الذي يمكن أن نطلقه على هذه التحولات؟ كيف نتصرف إزاء هذه التحولات المتسارعة؟ هل نحن في مأزق وهل لدينا أي خيارات للخروج منه؟ هل نحتاج لوضع سياسات ثقافية مجتمعية جديدة، هل نحتاج للانعزال الثقافي ومراجعة الذات. أسئلة كثيرة تطرح نفسها نحتاج لأن نلقي الضوء عليها أو نقترب منها في هذا المنتدى.

متحدثنا الأول هو باقر النجار وهو واحد من أبرز الباحثين الخليجيين في الحقل السوسيولوجي وأغزرهم إنتاجاً، ومنذ عام 1984 والنجار أستاذ لعلم الاجتماع بجامعة البحرين، وقد شغل منصب عميد كلية الآداب بجامعة البحرين خلال الفترة من 1995 إلى 1999 كما كان عضواً في مجلس الشورى البحريني في عام 2002. ومن أبرز مؤلفاته، خمسة كتب في مجال علم الاجتماع وهي «العمل الاجتماعي التطوعي في الخليج العربي» 1988 و «إنتاجية العلم في القطاع الصناعي في البحرين» 1993 و «سوسيولوجيا المجتمع في الخليج العربي» و «المرأة وتحولات الحداثة العسيرة» 2000 و«الديمقراطية العصية في الخليج العربي» و «الحركات الدينية في الخليج العربي» 2008م.

باقر النجار

هذا اللقاء يصادف كما ذكرتم يوم الفلسفة العالمي واحتفاؤنا بهذا اليوم كما يبدو في البحرين وحتى في منطقة الخليج ليس كبيراً، وعندما حاولت البحث عمّا عمل في هذه المنطقة، وأقصد هنا دول مجلس التعاون، لم أجد إلا بعض الأشياء الصغيرة في الكويت، في حين أنه كان هناك بشكل أو بآخر اهتمام أكبر بيوم الفلسفة في مناطق أخرى في العالم العربي، وتحديداً في بلاد المغرب العربي.

إن تعاطينا مع الفلسفة بشكل عام وكأنها علم تجريبي أكثر منها علم في الواقع. حيث إن التجارب التي جاء بها الغربيون تحديداً في توظيف الفلسفة كأداة لتحليل الواقع الاجتماعي، ساهمت في نقل الفلسفة من أبراجها العالية إلى الواقع. وخلال السنوات الخمسين الماضية أو أكثر بدأ اتجاه داخل الفلسفة ينزع نحو الاهتمام بقضايا التطبيق أكثر منها بقضايا التنظير. وساهمت هذه المحاولات في فهم قضايا متعلقة بواقع الإنسان، وماذا يمكن أن تقدم الفلسفة من فائدة له. وهنا فنحن نتحدث عن النظريات الكبرى الأولى التي جاء بها ماركس وماكس فيبر والتي من خلالها حاولا تفسير تغيرات العالم.

لم يوظف الغربيون الفلسفة في فهم التحولات الماضية أو الحالية وإنما وظفوها كذلك في خلق تصورات وسيناريوهات مستقبلية لمجتمعاتهم، وهذا تحديداً أعطاهم قدرة على التأمل والتوقع والتكيف مع التغيرات التي تحدث وستحدث في مجتمعاتهم، وهي قدرة مكَّنتهم على رسم حلول لمشكلاتهم وفهم أكثر لعمل آليات الحلول والخروج من المآزق. فالخمسين أو الستين سنة الماضية التي مرت بها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء الأفكار النازية والإيديولوجيات الشمولية أكسبتهم قدرة على فهم مشكلاتهم الاقتصادية والسياسية وتلمّس الحلول لمعضلاتهم الاجتماعية أكثر منها في مناطق كثيرة في العالم. أتذكر في مطلع الثمانينيات عندما كنت طالباً في بريطانيا كانت الكثير من الدراسات والندوات تتحدث عن المجتمع الصناعي في أوروبا. وبعد دخولنا في الثمانينيات كان هناك حديث آخر عن المجتمع ما بعد الصناعي. وكثير من هذه الكتابات كانت كتابات فلسفية وليست كتابات سسيولوجية أو اقتصادية، ككتابات هابرماس وبودريار وجيتنز وغيرهما، وهي كتابات وظفت الفلسفة في فهم هذا الواقع ومنها انطلق الحديث بعد ذلك إلى ما بعد الحداثة. وفي نهاية الثمانينيات كان الغرب يتحدث عن قضايا جديدة، كان هناك الكتاب الذي يتحدث عن الموجة الثالثة في العالم وكتاب آخر يتحدث عن صراع الحضارات القادم واختتم القرن بكتابات تتحدث عن نهاية التاريخ وذلك بأفول عصر الإيديولوجيات الكبرى، وهي كلها مقدمات للحديث عن ولوجنا لعصر العولمة. نحن نظرنا إلى كثير من هذه الكتابات بقدر من الريبة والشك. كان اعتقادنا دائماً أننا نحن المستهدفون من كل هذه التغييرات والتحولات. وهي تحولات قد أصابت كل أرجاء الكون، بعض هذه الأرجاء استطاع أن يتكيف مع معطياتها ومتطلباتها على صعيد هياكله الداخلية وعلاقاته الخارجية كالهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول وبعضها الآخر كحال أجزاء مهمة من المنطقة العربية وبعض أقطار إفريقيا وآسيا كان العناد هو نمط تعاطيها مع هذه الموجة من التحولات العالمية. لقد وجدنا أنفسنا لكل ذلك في تيار جارف أضعف من قدرتنا على التكيف بل أضعف من قدتنا على اقتراح البدائل غير التقليدية التي اعتدنا على تبنيها في المرحلة السابقة.

أعتقد أن الموجة الثالثة مرت بمجموعة من المراحل ربما آخرها ما نعيشه من مرحلة ما سمِّي في كثير من الأدبيات بثورة تقنيات الاتصال والتواصل الاجتماعي. وهي تقنيات بعضها وظف في الاقتصاد أو الاجتماع وحتى في السياسة وبعضها الآخر جيء به من عالم العسكريتاريا. أعتقد أن المرحلة الثالثة تشهد تسارعاً كبيراً وغير مسبوق لتكنولوجيا الاتصال. وهي حالة أحدثت في العالم بشكل عام تغيرات هائلة، ولا أعرف إذا كنا في المنطقة العربية نتابعها بشكل دقيق ومتتابع أم لا، واضح أننا لا نتابع هذه التغيرات بقدر متابعتنا لتقنياتها الاستهلاكية. وأعتقد أن الحالة الجديدة التي دخلنا فيها بفعل هذا التطور والعالم الافتراضي الجديد قد أفرز مجموعة من المشكلات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية التي بات العالم المتطور والنامي يزخر بها.

إن تكنولوجيا الاتصال لم يعد بالإمكان السيطرة على مصاحباتها وما تنقله لنا من آثار جديدة هي جزء من هذه التغيرات التي كان منبتها الأول الفلسفة وتوظيفاتها في الواقع.

وكما أشرت في السابق أن الفلسفة قد ساعدت الغربيين على رسم تصورات بواقع مستقبلي سيعيشونه وبالتالي هذا ساعدهم على التكيف وبالتالي لم تعد هذه المجتمعات تعيش الهزّات التي تعيشها المنطقة العربية ومنطقة العالم الثالث، هذه التغيرات المهمة التي حدثت في الغرب هي أنه أصبح هناك سيادة الطبقة الوسطى وأصبح هناك قدر مما يمكن أن أسميه بالاتساق القيمي في هذه المجتمعات وصلت إلى قناعات مشتركة، تمنع أي شكل من أشكال الصراعات السياسية المدمرة التي تشهدها مواقع مختلفة من العالم. وربما أبرز هذه التحولات أن شق الاختلاف السياسي والإيديولوجي بين الفاعلين السياسيين لم يعد قائماً في شكله القديم قبل ثلاثين أو أربعين عاماً. ولربما أبرز مثال على ذلك أن شق الخلاف بين الأحزاب السياسية البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية المختلفة وبين تلك ذات التوجه الفكري الاشتراكي أو اليمني المحافظ إن هو إلا قليل. سواء تعلق ذلك بسياساتها الداخلية أو مواقفها الخارجية. فتعاطي هذه الدول مع قضايا العالم رغم منحاه النفعي بات واحداً وقائماً على الخبرات المتراكمة أكثر منه الأفكار الطيارة.

نحن في المنطقة العربية نشتكي من أن عمليات العولمة فجّرت لدينا مشكلة الهويات وهي مشكلة موجودة وقائمة حتى في المجتمعات الغربية. انظروا كيف تعاطت بريطانيا مع اضطرابات الآسيويين والسود في ضواحيها الفقيرة وكيف تعاطت فرنسا مع إضرابات مهاجري المغرب في ضواحيها الجنوبية. لقد تبنّت هذه الدول سياسات الإدماج لأقلياتها العرقية والدينية وهي في ذلك تطور من آليات فعل الإدماج هذه ليشمل كل قطاعات الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي والمؤسساتي. بالمقابل لننظر كيف تعاطى العراق الجديد مع مكوناته الإثنية المختلفة وكيف فعل الإقصاء بها وكيف قاد هذا الفعل سورية إلى التدمير وكيف تعاطى السودان في الشمال مع جنوبه الزنجي - المسيحي لنكتشف الفرق في فهم المشكل وبالتالي الفروق الشاسعة في طبيعة الحل أو آليات الحل وهي آليات قد أثبتت تجارب المنطقة العربية أنها تقود لمزيد من التعقيد لا أنها في اقتراب من الحل.

الغربيون باتوا يتساءلون حتى عن النموذج الذي بات يعرف بهم وهو نموذج إدارة الدولة والتعددية السياسية والقائم على انتخاب النظام الديمقراطي، وباتوا يتساءلون ما إذا كان هذا النظام قادر على أن يتجاوزوا من خلاله الكثير من المشكلات ولربما بات البعض يتساءل عمّا يسميه بأزمة الديمقراطية في الغرب وأن ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية من صراع بين الحزب الديمقراطي الحاكم والحزب الجمهوري بشأن إقرار موازنة الدولة أثار هذه المخاوف، وقبل سنين كادت بريطانيا أن تدخل في معضل العجز عن تشكيل حكومة تجمع المحافظين والليبراليين بفعل التوازن الجديد الذي جاء في البرلمان البريطاني بعيد الانتخابات الأخيرة. مع ذلك فإن هذه الدول كانت قادرة على التجديد وابتداع الحلول في حين عجزت الأكثرية البرلمانية العراقية في البرلمان العراقي السابق عن تشكيل الحكومة واضطرت دول إقليمية ودولية للضغط على رئيس الوزراء العراقي السابق لترك منصبه في إطار من التسويات أو الترضيات النفعية.

والمسألة الأخرى التي جاءت مع هذه الثورة هي التحولات وانفتاح الغرب على الثقافات والحضارات إن هو إلا نتاج لهذه التحولات التي جاءت على أوروبا في الخمسين سنة الماضية أو أكثر والتي من خلالها أسّست المجتمعات الغربية لمسألة القبول بالآخر وتأسّس من خلالها نظامهم التعليمي ونظامهم القانوني والنظام الإعلامي لهذه القيمة الثقافية والاجتماعية. وهي قيمة قادت لاهتمام أكبر بمسألة حقوق الإنسان، وهي أداة قد يوظفها الغرب لتحقيق بعض الأهداف السياسية وأداة ضغطية مهمة، إلا أننا لا ننكر أنه في المجتمعات الغربية تشكلت قوى وجماعات بات إيمانها بتحقيق العدالة الإنسانية وحقوق الإنسان هدف سامي.

إلى أي مدى تعيش المنطقة العربية هذه التحولات، أتذكر أول مرة نهتم في المنطقة العربية بمسألة العولمة كانت في نهاية التسعينيات وهي القضية التي كانت مطروحة مع نهاية الثمانينيات، وحضرت معظم الندوات الرئيسية التي تم تنظيمها في الدول العربية في ذلك الحين. كان الهمّ الأساسي الذي كان يطرح من كل الاتجاهات الفكرية في هذه الندوات هو أن العولمة شكل جديد من الهيمنة الغريبة على العالم الثالث وتحديداً الدول العربية وبالتالي كيف نواجه هذه العولمة. لم ننظر إلى العولمة كحالة من حالات من حالات التحول الاقتصادي تتطلب تكيفات سياسية واجتماعية وثقافية وكشكل من أشكال التحدي الذي يتطلب منا نحن في المنطقة العربية مجموعة من التحولات الاقتصادية والسياسية والثقافية. نتيجة لذلك عاشت حالة من اللاتوازن السياسي والإخفاق الاقتصادي وحدث شكل من أشكال الانكسار الاجتماعي في شبكة المجتمع القائم وانتهينا إلى ما سمي بربيع العرب والذي فجر مجموعة من الصراعات المختلفة والتي أخذت أشكالاً من صراع الهويات وصراع دول.

منصورة عبدالأمير

الآن ننتقل لمتحدثنا الثاني وهو نادر كاظم، أستاذ الدراسات الثقافية في قسم العلوم الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة البحرين، وهو أكاديمي وكاتب وناقد ثقافي من البحرين. مهتم منذ منتصف التسعينيات، بالنظرية النقدية والنقد الثقافي والدراسات الثقافية، وله العديد من المشاركات في المحاضرات والندوات والمؤتمرات داخل البحرين وخارجها. كتب الكثير من المقالات النقدية والفكرية في الصحافة البحرينية والعربية. كما أن له دراسات كثيرة منشورة في دوريات بحرينية وعربية. وهو اليوم يركز اهتمامه على قضايا تقع في دائرة واسعة بين الثقافة والهوية والتاريخ والفكر السياسي. من مؤلفاته «تمثيلات الآخر: صور السود في المتخيّل العربي الوسيط» 2004، «الهوية والسرد: دراسات في النظرية والنقد الثقافي» 2006 وكتب كثيرة. الحديث لك، أخبرنا كيف نتصرف.

نادر كاظم

سأبدأ مما انتهى إليه باقر النجار وهو الربيع العربي والتحولات الاجتماعية. وقبل هذا فإن هناك يوماً عالمياً آخر كان أحرى بالمنتدى أن يحتفي به ويركز عليه في مداخلاته وهو اليوم العالمي للتسامح الذي يصادف يوم 16 نوفمبر، فما نحتاج إليه اليوم بشكل كبير وملحّ هو هذا النقاش في قضايا متصلة بالتسامح واحترام إنسانيتنا وتنوعنا وحوار الثقافات وقبول الآخر، وربما كانت حاجتنا إلى هذا أعظم من حاجتنا إلى اليوم العالمي للفلسفة، وإن كان هذا لا يقلل من أهمية الفلسفة، لكني أتصور أن التفكير الحر والنقدي الذي تنهض عليه الفلسفة إنما يتعزز بتعميم أخلاقيات التسامح والاحترام المتبادل بين المختلفين. ومن المفارقة أن اليوم العالمي للتسامح أقرّ من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1996، وهو العام ذاته الذي صدر فيه كتاب من أهم الكتب التي أثارت جدلاً واسعاً على مستوى العالم، ونظر إليه على أنه أحد الكتب التي أعلنت عن دخول العالم مرحلة جديدة بعد نهاية الحرب الباردة، وأقصد كتاب «صراع الحضارات» لصمويل هنتنغتون الذي صدر في 1996 كتوسيع لمقالة صدرت في العام 1993. وفي الحقيقة فإن كثيراً من الجدل الذي دار حول هذا الكتاب والانتشار الواسع الذي حظي به إنما يرجع إلى أن هذا الكتاب سمّى المرحلة التي يمر بها العالم بتسمية واضحة وبسيطة ومفهومة من قبل الجميع، فقد قال للجميع إن ما يمر به العالم بعد الحرب الباردة هو صراع حضارات، فهذه تسمية بسيطة لما كان يحصل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فكل الذي عمله هنتنغتون أنه سمّى هذه الانعطافة الجديدة باتجاه مرحلة جديدة سيتصدر فيها الصراعات على مستوى الثقافة أو الحضارة أو الهويات الجماعية الكبرى على مستوى العالم. وسواء كان هذا التشخيص صحيحاً أم لا فإن العالم كان يتصرف كما لو كان ممسوساً بتأثير من هذه النبوءة التي كانت في طور أن تحقق نفسها بنفسها، لأن ما تحدث عنه الرجل في العام 1996 جاءت أحداث 11 سبتمبر لتؤكده، وأن هؤلاء الإسلاميين خارجون من معاقلهم في أفغانستان ليضربوا الحضارة الغربية المسيحية في عقر دارها في نيويورك. وهكذا صار الجميع منخرط في هذا الجدل بشأن صراع الحضارات.

أتصور أن ما حصل في المنطقة مع موجات الربيع العربي يمكن النظر إليه على أنه إعلان بأن العالم قد دخل مرحلة أخرى، هي مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي هيمنت عليها أطروحة صراع الحضارات. فقد كشف «الربيع العربي» في العام 2011 عن حقيقة جديدة وهي أن العالم لا يعيش صراع حضارات وأن المنطقة التي كانت طرف أساسي في أطروحة صراع الحضارات هاهي تتحرك من أجل مطالب ديمقراطية وعدالة اجتماعية وبأسلوب سلمي وبعيداً عن هواجس الانشغال بالغرب المسيحي أو الآخر الهندوسي أو البوذي أو أياً كان، وبدت المنطقة منشغلة بنفسها أكثر من انشغالها بآخرها. وهذه واحدة من اللحظات التاريخية القليلة التي ينشغل فيها العرب بذاتهم بعد الانشغال الوسواسي إلى حد المرض بآخرهم العدو الذي هو سبب تخلفهم وسبب تأخرهم وعدم وحدتهم وتشرذمهم والفوضى التي في منطقتهم ودكتاتوريتهم، وذلك بدءاً من السلاجقة فالمغول فالعثمانيين ثم البريطانيين والفرنسين والآن الأميركيين. كان الربيع العربي يرسل رسالة للعالم فحواها أن المشكلة والمرض يكمن فينا وأنه لابد أن نبحث له عن حل وعلاج بعيداً عن رمي عللنا وأمراضنا على الآخرين الذين لا شغل لهم سوى التأمر علينا والتخطيط ضدنا، وبهذا يكون الانشغال بهؤلاء الآخرين بشكل دائم له ما يبرره.

بهذا المعنى فإن الذي حصل في 2011 يمثّل منعطفاً مهماً في تاريخ المنطقة التي استقرت على مدى عقود بقواعد لعبة سياسية أو جيوسياسية معينة، وجاء الربيع العربي كاهتزاز سيعيد رسم قواعد لعبة جديدة ويمهد الأرضية لتحولات جديدة تضع المنطقة في السكة الصحيحة من المسار الديمقراطي. ثم نعلم ماذا جرى بعد ذلك حيث أخذت التعقيدات كامل المنطقة في مسار آخر.

سألتني ما الذي حدث؟ وكيف حدث ما حدث؟ ولو دخلنا في تفصيلات الإجابة عن هذه الأسئلة سنأخذ الوقت بأكمله، ولكن يمكن المرور على الإجابة من خلال إشارات سريعة. وسأبدأ من أسباب ما حدث. أولاً توجد مسببات واقعية قادت إلى ما حدث بعضها مرتبط بأزمة مالية حصلت في العالم 2008م انعكست بشكل سلبي على طبقات واسعة من المجتمعات العربية، وتكفي متابعة الصحف العربية خلال الأعوام 2008، 2009، 2010، 2011م لنكتشف أن هناك توجهاً واضحاً في المنطقة نحو زيادة الضرائب وسحب الدعم الحكومي عن السلع الأساسية التي كانت تدعمها الدولة سابقاً. وزيادة الضرائب حصلت في أكثر من منطقة مثلاً في الأردن والسودان، وسمعنا حديثاً حتى في بلد خليجي مثل البحرين عن سحب الدعم الحكومي من بعض السلع الأساسية أو إعادة النظر في الفئات المستفيدة من دعم الحكومة. وهكذا نكتشف أن هناك مشكلة حصلت منذ 2008م تفاعلت معها عوامل أخرى من بينها انسداد منافذ الإصلاح السياسي والتحول السلمي في المنطقة، فلم تكن أنظمة المنطقة تسمح حتى بتداول كلمة «ديمقراطية» أو «برلمان» حتى عهد قريب، فكانت آفاق الإصلاح والتحول السلمي في المنطقة شبه معدومة في الوقت الذي كانت مطالب الناس تتزايد. تخيّل أن لديك كائناً حياً ينمو داخل قوقعة أو قالب خشن، فإذا ظل هذا القالب لفترات طويلة متماسكاً وصلباً فبإمكانه خنق هذا الكائن الحي الموجود وهو هنا الشعوب العربية أو أن يتمكن هذا الكائن من تحطيم هذا القالب، وهذا ما حصل عندما حانت الفرصة في المنطقة العربية لهذا الكائن الحي ليفجر القالب ويخرج، ثم تبيّن لنا أن الأمور أكثر تعقيداً مما كنا نظن، وأنها متشابكة أكثر مما كنا نتصور.

وعلى العموم، فهناك تحولات مهمة حصلت في المنطقة، وهي تحولات تجعلنا نعيد النظر في كثير من القضايا، وواحد من هذه التحولات الأساسية ينبغي أن يكون فيها نقاش مستفيض في مناخ معقد له أول وليس له آخر. لقد أدخل الربيع العربي المنطقة برمّتها في مناخ معقد بحزمة مشكلات تفجرت في المنطقة، وجملة صراعات وتوترات طائفية وقومية تكاد تشعل كل المنطقة. ربما الآن بدت صراعات المنطقة تهدأ قليلاً ولكنها حتى لحظة قريبة كان الكل يضع يده على قلبه خوفاً من أن تشتعل المنطقة برمتها في حرب طائفية إقليمية تحرق الأخضر واليابس.

على صعيد آخر، هناك صعود وانحسار لقوى كانت أساسية في المنطقة، هناك صعود بشكل واضح في القوة الخليجية في المنطقة العربية، التي بقيت بمنأى نسبياً عن امتداد نار ولهيب الربيع العربي، واستفادت من قوتها الاقتصادية التي كانت مواتية في ظل غياب أو تراجع لاعبين إقليميين كبار مثل سورية وسابقاً العراق ومصر. الأمر الثاني هناك تراجع أو انحسار حاصل فيما يسمى بحركات الإسلام السياسي والتي كان الكل يتوقع أن الربيع العربي جاء لهذه الحركات بفرصتها التاريخية على طبق من ذهب. كانت الشهور الأولى من الربيع العربي تعطي هذا الانطباع، فقد وصل الإخوان المسلمون في مصر إلى الحكم، وحركة النهضة في تونس ستصل إلى الحكم، والإخوان في سورية كانت عيونهم مصوّبة في اتجاه الحكم بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، والإسلاميون الشيعة يحكمون في العراق. كان كثيرون قد بدأوا في إعادة تسمية هذا الربيع الذي لم يكن عربياً بقدر ما كان ربيعاً لحركات الإسلام السياسي، فالفرصة التاريخية هاهي تأتي أخيراً لحركات الإسلام السياسي لتصل إلى الحكم، وأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمها التاريخي الذي مضى عليه أكثر من ثمانين عاماً، وهو الحلم الذي كان يتردد في مخيلة حركة مثل حركة الإخوان المسلمين. والخلاصة أن الربيع العربي تسبب في صعود حركات وقوى وانحسار حركات وقوى أخرى. فما بدا أنه يمثل القوة الأساسية في الشهور الأولى من الربيع العربي، هو الآن يمرّ بطور انحسار ويتلقى الضربات والضغط العام إعلامياً، كما فتحت له السجون في مصر أو بعض البلدان الأخرى. وتزامن مع هذا حملات أخذت شكلاً من أشكال الشماتة أو الهجوم وتجريم ما فعلته حركات الإسلام السياسي التي جرى تحميلها بسبب فشل الربيع العربي، وكتب الكثير حول هذه القضية وحول طريقة وصول الإخوان المسلمين للحكم وإدارتهم السيئة للمرحلة الانتقالية.

خلاصة الكلام فإن الربيع العربي سواء اختلفنا حول تقييمه إيجاباً أو سلباً، فإنه أضاف إضافة مهمة في المنطقة، فهناك قواعد لعبة جيوسياسية تنشأ في المنطقة، وهناك توترات هي بمثابة مخاض لمولود جديد يمكن أن يأتي سليماً أو مشوهاً أو حتى يجهض، كل هذا مازال في علم الغيب حتى الآن إلا أن المنطقة مازالت تمرّ بهذا المخاض وغبار المعارك المتطاير بدأ ينحسر، إلا المنطقة مازالت تتأثر بشكل من أشكال الهزات الارتدادية للربيع العربي منذ 2011، ومازلنا في هذه المرحلة ولم نغادر مرحلة الاهتزازات الارتدادية للربيع العربي، ومازالت المنطقة تمور بمخاضات وتحولات.

منصورة عبدالأمير

إذن هي هزات ارتدادية وكما يسميها نادر كاظم هي لا توازن خلق فجوة بين التجلي التقني للعولمة الذي وصلنا ومعدل استجابة منظومتنا السياسية والمجتمعية لهذا الانفتاح. ننتقل الآن لسوسن كريمي، وهي أستاذ مساعد في كلية الآداب بجامعة البحرين تدرس الإنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية واثنوغرافيا الجندر والتراث الشعبي في البحرين تخرجت من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن حيث حازت على شهادة الماجستير والدكتوراه في الإنثربولوجيا الاجتماعية تخصص منطقة الشرق الأوسط. بحث الدكتوراه كان بعنوان «الزي والهوية. التراث والحداثة في البحرين» وهو دراسة للتركيبة الطائفية والإثنية والاجتماعية للمجتمع البحريني وأثر التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تشكيل الهويات المعاصرة في البحرين.

تتمحور اهتمامات كريمي الأكاديمية والبحثية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بشكل خاص وحول الموضوعات التالية: العرقية، الدين، السياسة، الجندر، الأزياء والتراث.

سوسن كريمي

نحن «كأنثربولوجيين» تعوّدنا أن نلامس وننطلق من الواقع والميدان وهو المجتمع الإنساني، ومن هنا سأنطلق، وتعليقاً على يوم الفلسفة العالمي وكإنسانة وأكاديمية أراحني ما وجدته على موقع اليونسكو وأختلف مع كاظم في أن يوم التسامح أولى أن نحتفي به من يوم الفلسفة، فمن يقرأ في الفلسفة يجدها أداة عقلية للتفكير والنقد الحر، ولن نصل للتسامح بدون أن نؤسس لهذه النوعية من القيم العقلية القائمة على حرية الاختيار والقائمة على الفكر النقدي والقدرة على التحليل والتأمل للذات والمحيط.

الفلسفة كانت حتى وقت قريب تعرف ببرج عاجٍ للنخبة، فقط الشيء الجميل في يوم الفلسفة العالمي أن هناك أهدافاً ومشاريع لتحويل الفلسفة إلى عمل يومي يقوم به الطفل حتى قبل دخول المدرسة، فمن ضمن برامج اليونسكو لتعميم الفكر الفلسفي هو برامج «بري سكول فيلوسفي»، وليس كما هو قائم حالياً في المرحلة الثانوية أو المرحلة الجامعية، بكل بساطة نحن بحاجة لأن نسأل أنفسنا كيف نؤسس العقل الناقد. أنا كأكاديمية بجامعة البحرين وعلى رغم أن دراساتي كانت عن مجتمعي ورغم أننا أكثر المجتمعات الخليجية وعياً وتحرراً وإنسانية في العلاقة بين الذكور والإناث والعلاقة مع الوافدين والملونين مقارنة بمجتمعات الخليج، ولكن حين نأتي إلى الاتصال المباشر مع مجتمعي وعالمي وطلبتي وجدت الواقع المعاش يختلف تماماً عن الصورة التي نحملها عن أنفسنا، فضمن ما يسمى بمساحة الحوار، نحن دكتاتوريون أكثر من الدكتاتوريين على رأسنا.

والشيء الملفت للنظر أن شعار هذه السنة ليوم الفلسفة العالمي كان إسهامات فكر علي ابن أبي طالب في ثقافة السلام والتحاور الثقافي، وقد أُجريت بحوث وندوات في هذا الإطار. نحن ندّعي أن علي ابن أبي طالب لنا نحن، وإذا كان هذا الفكر نابعاً من ثقافتنا فأين الخطأ؟ فالآخرون وصلوا لمرحلة يحتفون بهذا الجهد ونحن لحد الآن ننظر للغربي ونقيس أنفسنا عليه.

وأرجع إلى أن الثورة العربية عكست حالة الانشغال بالذات. نحن لحد الآن مشغولون لحد النخاع بالغربي من أقوى سلطة عندنا إلى أبسط إنسان. وأكبر تجليات هذا الانشغال والانغماس هو ثقافة الاستهلاك. ومن وجهة نظري، أحد مسببات وعوائق التحرر الفكري مسألة الاستهلاك المفرط والسطحي في ثقافتنا. فالإنسان الخليجي غير مستعد للتنازل عن رفاهيته يريد أن يظل متدغدغاً في الماديات، وبمراجعة بسيطة ليوميات أي طالب أو إنسان عربي أو خليجي أو بحريني، ما هي أولوياته في جدول يومياته؟ أين الهم الفكري أو الثقافي؟ أين الوعي السياسي؟ حدُّ المثقف والمتعلم أن يقرأ بعض الصحف والمقالات، ونحن كأفضل مؤسسة علمية ممثلة في جامعة البحرين طلبتنا لا يقرأون، وتعليمنا لحد الآن لا يخلق طلبة مبدعين فكرياً، وأحراراً ذوي أفكار ناقدة. لدينا صراع حقيقي، ونرى ذلك في أهم مؤسسة تعليمية في مجتمع البحرين، وأكثر مؤسسة يجب أن تكون متطورة. أرجع إلى الإمام علي، لا يحق لنا ادّعاء شيء من فكره فكل ما نفعله هو أننا نتمسك بالاسم وبتاريخ هذه الأمة العربية التي مازالت تعيش على بقايا تاريخ الأجداد والآباء.

الإنسان الخليجي غارق في الماديات وبدراسة أو عملية مسح لأي من المسلسلات أو الدعايات للمرأة أو الإنسانة الخليجية نرى أي نوع من القيم يتم تسويقها. هل يحملون هم الإنسان أو هم المرأة أو المشاكل الموجودة في المجتمع؟ نحن نعيش في حالة صراع مادي وحرب كبيرة تشنّها مختلف أجهزة الإعلام لكننا لحد الآن في موقع المستقبِل. بكل أسف أقول مجتمعاتنا عالة على المجتمع الإنساني من ناحية المعرفة والإنتاج بمختلف أشكاله. نحن نستهلك من الآخرين المعرفة والأكل وكل شيء ولا نعطي الإنسانية أي شيء، بل البعض يرانا مصدراً لخراب الأمم.

والغرب مازال يلعب دوراً في صياغة أحوالنا ولنراجع أدبيات الاستشراق والاستشراق الجديد. ونحن الإنثربولوجيين لدينا عقد الاستشراق والذي مازال لحد الآن يعمل بشكل قوي. والاستراتيجيات تتغير بحسب الواقع السياسي ولكن مازلنا كأمم وشعوب ليس لدينا إستراتيجية حالية ولا مستقبلية ونحن لحد الآن في موقع المستقبِل ومن هنا نتخبط حتى في مجالات السياسة. نحن كحكومات وشعوب وحتى كمؤسسات ومثقفين ماذا نقدم للمجتمع من نقد حقيقي صارم وعمل بناء، هناك حالة غربة حقيقية لمن يحمل هم وطنه أو هماً إنسانياً في مجتمعاتنا.

درّست طلبة جامعة البحرين كمجتمع بحث وطبّقت عليهم دراسة مفاهيم الحرية والديمقراطية وشفافية التواصل والتحاور، فوجدت أن هذه القيم إلى الآن جميلة ولكن التطبيق الفعلي ضعيف جداً فنحن نتحاور حتى في أبسط الأشياء، وحينما نتكلم عن النصوص الدينية يخافون أن يتكلموا لأن هناك نوعاً من الخوف من التنجس ومسألة التابوهات/المحرمات إذا انتقدت قضية ما لأن فيها ملكية مقدسة لا يحق لأي أحد أن يتكلم في هذه المجالات. إذا حدث أي تساؤل من أي طرف للطرف الثاني هناك تحسس، طلبتنا ليس لديهم ديمقراطية على رغم أنهم يطالبون بالديمقراطية ولحد الآن ينتظرون أن يتم إعطاؤهم الحرية بينما هذه الامتيازات يفترض أن يتحصلوا عليها أولها بالسعي الجاد للمعرفة والوعي ويحققوها وهي تتطلب أثماناً غالية جداً. ومجتمعاتنا غير مستعدة أن تتنازل عن رفاهيتها السطحية وعن تقليد الغرب والتعلق بالماديات وأن تدفع أثماناً لبناء الإنسان الحقيقي.

الربيع العربي لا أرى أن كل نتائجه سلبية وبتعبير عامي بسيط لأحدهم مشيراً إلى أن ما حدث هو خير يقول: «احنه قاعدين ننشخل». فكرة حقيقية فعلاً على كل المستويات وجمعياتنا السياسية من وجهة نظري أغلبيتها فشلت في أن تحمل همَّ الإنسان البحريني لحد الآن، معظم الجمعيات غارقة في الانتماءات الطائفية.

وما نحن فيه نتيجة الواقع الحالي الذي نعيشه، ولابد من أثمان تدفع، ليس شرطاً أن تكون الأثمان بالدم هناك أثمان تدفع بالعقل بالتغيير في البنية العقلية وخيارات الإنسان، مجتمعاتنا لحد الآن غير مستعدة للتنازل عن امتيازات كثيرة همُّها لحد الآن ليس همّ المعرفة أو الوعي في المجتمع ونحن في بداية الطريق للتغيير، وكل ما يحدث هو للأفضل. نعم هو محزن وموجع وبخسائر كبيرة ولكن هذا ما يجب أن يحدث.

بعدها فتحت باب المداخلات التي كانت كالتالي:

الكاتب والروائي عبدالرسول درويش

من أهم قيم الحضارة في الغرب هو البعد الفلسفي والبعد الصناعي بالإضافة إلى وجود العقل، والثورة الصناعية والثورة الفلسفية التي انطلقت منذ العصور الوسطى، ولو تحدثنا عن جامعة غولدن وهي واحدة من أقدم الجامعات في أوربا والموجودة في الدانمارك، وقد تأسست سنة 1743م وهذه الفترة واكبت ظهور كثير من الفلاسفة ومنهم غوتن وفولتير والثورة الفرنسية بالإضافة إلى الثورة الصناعية. الفلاسفة عملوا على تغيير المجتمع وجاء التغيير بعد خمسين سنة، فهل ننتظر نحن في مجتمعنا أن تكون هناك ثورة فلسفية وفلاسفة كثر حتى يضعوا خطاً نستفيد منه لنهل الثقافة ومن ثم يبدأ التغيير؟

أما بالنسبة إلى الثورة الصناعية هل لابد أن يكون هناك تغيير اجتماعي تستمد منه الثورة الصناعية بينما نحن مجتمع استهلاكي بحت، هل لابد أن نتحول إلى مجتمع صناعي ثم نتغير فكرياً.

أما حول عدم معرفة الطلاب ديمقراطية الفكر والخوف من الحوار مع الآخر فهذا بسبب الضعف المعرفي، والتصحر الثقافي بينما المعرفة تعطيك قدرة على النقاش والجهل يخلق الفجوة الكبيرة، وبالإضافة إلى كوننا مجتمعاً استهلاكياً ولا يقرأ حتى في دينه وموروثه، نحن لا نقرأ لأنفسنا فكيف نقرأ للآخر، ومن الأولويات حق الاختلاف خاصة فيما يتعلق بالدين إذا لم نقرأ في الدين فكيف نتعلم فلسفة وديمقراطية الحوار.

الكاتب والباحث محمد السلمان

هل الفلسفة لها علاقة بالتطرف الديني الذي نشهده حالياً باعتبار ما كان سابقاً فهو ما يحدث الآن، فنجد أن الربيع العربي تحول إلى تطرف عربي إسلامي ضد الآخر أياً كان هذا الآخر، هل الفلسفة لها علاقة لأنها هي التي فتحت الآفاق للتنظير الفلسفي والتنظير خارج القدسية والتابو المعروف فهل هناك علاقة.

الغرب الذي نتكلم عنه في الواقع هو أول ما بدأ مع فترة الكشوف الجغرافية والنهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر والسادس عشر وهي تسمية هم أطلقوها علينا، باعتبار أنهم هم الذين اكتشفونا بينما نحن مكتشفون أنفسنا. في هذه الفترة بالذات بدأت النظرة الأوروبية الحديثة بحل مشاكلها بتصديرها إلينا وهذه خطوة معروفة وخصوصاً المشاكل الاقتصادية لم يبدأ حلها إلا بتصديرها للآخر ومثال واضح أوروبا وإسبانيا الذين هم أول من بدؤوا بهذا الموضوع فصدروا مشاكلهم إلى الشمال الإفريقي إلى درجة أنهم كانوا يبحثون عن شخص اسمه منصور الذهبي كان يستورد لهم الذهب والفضة لعملتهم لأنه كان لديهم جوع نقدي في تلك الفترة بالإضافة للأمراض.

المشكلة العالمية التي حدثت في العالم الرأسمالي في المجال المالي لم يتم حلها إلا بتصديرها إلينا ليبدأ حلها وداخلياً لم تحل. إذن الخلاصة أن تصدير المشاكل يؤدي إلى هيمنة وهذا القانون منذ أن بدأ به اليونان في البحر المتوسط وأخذه الرومان فيما بعد فيما أطلق عليه بالاستعمار، فنحن كنا في تلك الفترة لا نصدِّر المشاكل، نصدِّر الاقتصاد، نصدر الثقافة قبل أن يبدأ الغرب الأوروبي بالنهضة الخاصة به. هذه المسألة تحتاج إلى أن ننظر إليها بهذا المنظار ونسحبها على الربيع العربي. هل فعلاً بدأ الغرب الأوروبي يتخوف بعد قيام فترة الربيع العربي بيد الفئات الشبابية الواعدة أن نبدأ بالتصدير إليهم نوعاً آخر ليس المشاكل بل شيئاً آخر غير الديمقراطية فكلنا نعلم أن الديمقراطية روتينية عبر ثلاثة أو أربعة أحزاب تتداول السلطة فهي ديمقراطية تعلموا عليها ولا يمكن الخروج من نسقها وإلا يكون هناك ربكة في المجتمع وترتيب آخر، فهل تخوّف الغرب الآن بعد ألف وخمسمئة سنة ومع مطلع الألفية الثالثة أن نبدأ بتصدير هذه المشاكل التي فيها توجّس، هل تخوفوا من الديمقراطية التي يبحث عنها الشباب العربي الإسلامي؟ أساساً لا ننسى هذه الخلفية الثقافية من أن تنتقل لأوروبا لاحظوا معي حينما بدأت اعتصامات في أوروبا وفرنسا وغيرها تخوّف الغرب وتم القضاء عليها مباشرة لم يتركوا لها الديمقراطية التي نسمع عنها، لماذا؟ هل فعلاً هذا التوجس الذي دار في أنفسهم فسارعوا عبر التقنية الحديثة لكبح الجماح وتحويله وعمل فورمات سريعة لنا فتحول ذلك إلى تطرف.

الكاتبة والصحافية عصمت الموسوي

أعجبني جداً يوم الفلسفة وربطها بالواقع الذي نعيشه، ويوم أن انقطعت الفلسفة العربية انقطع الفكر الحر والناقد وكل هذا الجدل الحر بدءاً من المعتزلة وابن رشد وطه حسين والآن نحن أمة لم تعد تفكر أو يسمح لها بالتفكير الناقد. وإذا نظرنا إلى الربيع العربي فجزء من أزمته هو الاستبداد الشامل الفوقي وحتى الاستبداد لدى الشعوب. الفلسفة انقطعت لأن سؤال الدين الحقيقي لم يسأل لم يتم تحديد أين وقع الخطأ، وأحرى بنا أن نناقش ونستفيد من يوم الفلسفة ونناقش لماذا انقطع أثر الفلسفة ونطرح هذه المسألة ونعكسها على الربيع العربي الذي يعتقد البعض أنه كارثة أو خريف عربي إلا أنني أرى أن هذا الاختلاف طبيعي.

وبالنسبة للانشغال بالآخر أرى أننا عالة على الأمم ولولا هذا النفط لانتهينا، بل إن النفط أصبح نقمة وصار يشتغل به لتخريب الحراك الديمقراطي والحريات.

أعتقد القاعدة وداعش و11 سبتمبر ليس صناعتنا بل صناعة غربية الهدف منها ابتزازنا وهي وإن كانت موجودة كفكر ما بيننا لكنها الآن كتنظيم واحتلال دولة هي صناعة غربية.

الربيع العربي أجهض وتم تحويله إلى خريف لأن مصلحة الغرب والأنظمة لا تتفق مع استمراره، وأحمد ربي أن العالم بدأ يتحرك وحتى لو تدمرنا إلا أننا سنقوم من الركام فما كنا نعيش أبداً، وكان تصنيفنا في آخر تقارير التنمية البشرية أننا في آخر الركب في التنمية وفي المعرفة وفي وضع المرأة وفي الحريات في كل شيء والشيء الوحيد الذي كنا فيه في المقدمة هو الاستهلاك، نحن دول تمكنا من المال والنفط وهذا ساعد أن نعيش وننمو نمواً أسمنتياً وليس نمواً معرفياً. أحمد الله أنني عشت لكي أشهد الربيع العربي فالعالم بدأ يتحرك وأنا متفائلة ويوم الفلسفة أفضل يوم لنسأل فيه أنفسنا كيف انقطعت الفلسفة العربية ونناقشها ونعيد نقاشها، أم التفكير النقدي بدأت بعض المدارس الخاصة تدرسه كمقررات وهذا غير موجود في جامعاتنا.

الكاتب إبراهيم الدمستاني

هناك ربط بين يومي الفلسفة والتسامح؛ فبحسب محمد عابد الجابري أن التسامح أول ما ظهر على هامش الكتابات الفلسفية من خلال أصل فرنسي للكلمة ثم نقلت للإنجليزية ولم يتم مراعاة جذورها المعرفية، وفي كل الأحول سواء اخترنا يوم الفلسفة أو التسامح فإن كان للفلسفة جانب مشرق فلها جانب سيئ فأرسطو كان يفلسف العبودية ويقبلها فإذن الفلسفة لها جانب مظلم، وأرى أن الحل يكمن في الأخلاق.

وجاءت ردود المحاضرين كالتالي:

باقر النجار

ليس فقط المنطقة العربية وإنما العالم الثالث كله مستقبل للأفكار الغربية وبالتالي مستهلك للمنتَج الغربي وأن ما يحدث شكل من أشكال الثورة الفلسفية في المنطقة الغربية أنا لا أرى أنه يوجد بنية فكرية تسمح بأن تتجلى في بعض مراحلها إلى شكل من أشكال الثورة الفلسفية هذا غير متوقع في المنطقة العربية، بالإضافة إلى أنك لن تدخل فيما يسمى باكتشاف العجلة وإنما لابد أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون وإلا فأنت لا تستفيد من الزمن في إحداث التغيرات داخل بنيتك الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هذا الكلام يروج في المنطقة العربية وفي المناطق الأخرى من العالم، إلا أنه لو ننظر إلى قارات العالم نجد أن هناك تحولات تكيُّفية لمتطلبات جديدة على مستوى العالم هذه المتطلبات تتطلب منك تحولات على مستوى البنية الاقتصادية تتضمن شكلاً من أشكال التحوّل السياسي، وتتطلب منك شكلاً من أشكال التكيف الاجتماعي والثقافي. ما حدث في أميركا اللاتينية أو في إندونيسيا وفي الفلبين البعض كان يسميه ثورة، وأنا أسميه تكيفاً. هم استطاعوا أن يتكيّفوا مع المتطلبات الجديدة في هذا العالم وما حدث في ماليزيا وكوريا الجنوبية وبعض الدول الآسيوية الأخرى هو هذا الشكل من أشكال التحول وهو تكيف وكذلك ما حدث في جنوب إفريقيا هو شكل من أشكال التكيف. بمعنى أن النظام العام في هذه المجتمعات لم يكن بإمكانه الاستمرار في ظل هذه التغيرات العالمية بشكله القديم لابد أن يخضع ذاته لشكل من أشكال التغيير والتكييف.

بالنسبة لتساؤل محمد السلمان أنا أعتقد أن الغرب في أدبياته يشير إلى أن مراحل التغير الذي ارتبط بمرحلة الكشوف الجغرافية إلا أنه ربط فيما بعد بالاستعمار بشكل عام الذي خضع له العالم الثالث وهذه الفكرة تقول إن حركة الاستعمار بنيت على حاجة الغرب إلى كثير من الحاجات الموجودة في العالم الثالث وحاجته إلى أن يصدر مشكلاته إلى دول العالم الثالث إلا أن هناك دول في العالم الثالث استطاعت أن تتجاوز هذه المرحلة الكولينيالية كالبرازيل والأرجنتين والتي خضعت للاستعمار البريطاني القاسي وتجاوزت المئة عام واستطاعت أن تعيد بناء نفسها بشكل جديد وتتجاوز هذه المرحلة وكذلك في الأفق الهندي أو الجنوب إفريقي. آخر تقرير للأمم المتحدة يصف هذه الدول أنها في قمة الدول القابلة للنهوض في العقود المقبلة.

أما مسألة التطرف فهنتنغتون يشير إلى هذه المسألة في كتابه صراع الحضارات من أن صراع الحضارات سيقود إلى شكل من أشكال التطرف الديني وهو لا يتطرق إلى شكل التطرف الديني في العالم الإسلامي فحسب وإنما يشير إلى حركات موجودة في أوروبا ويشير إلى إسرائيل وإلى الهندوس وإلى كثير من هذه الحركات. والمقولة نفسها تنطبق عليها من أنها تعكس درجة من عدم القدرة على التكيف مع المتطلبات الجديدة، وبالتالي تنزع إلى الخلف وفي بعض المجتمعات تأخذ بعداً دينياً وآخر تأخذ بعداً عرقياً وتنزع نحو التطرف في موقفها من العالم والجديد فيه. وبالتالي نجد ظواهر مثل داعش وظواهر أخرى تأخذ أشكالاً أخرى إلا أنها ستبقى حالات من اللاقدرة على التكيف نحو عمليات التحول حتى يستقر المجتمع. والمجتمع الأوروبي سبق وأن مرّ بهكذا حالة، وجيوب متطرفة في إيطاليا وفي فرنسا وفي ألمانيا إلى أن استطاعت هذه المجتمعات أن تصل إلى حالة من حالات الاتساق العام. هناك مركزية غربية ونحن نتأثر بها وهذه الأشكال والأنماط والنماذج كلها تأتي من هذه المجتمعات سواءً قبلنا بها أو تمردنا عليها هم الذين لديهم قدرة على ابتداع هذه الأشكال ونحن نكيف هذه الأشكال لحالاتنا وسياقاتنا القائمة وقد نطلق عليها مسميات جديدة أو نأخذ ببعض مركباتها ونترك أخرى.

نادر كاظم

أحد التفسيرات التي طرحت لدوافع الإرهاب إبان الحملة الأميركية على الإرهاب، تفسير يقول إن سبب لجوء جماعات معينة للإرهاب والتطرف هو سبب تواصلي، بمعنى أن الإرهاب هو شكل من أشكال التعبير العنيف عن حاجة هذه الشعوب لأن يُسمع صوتُها ولأن تؤخذ قضاياها في الاعتبار، فإذا كنت أتحدث معك وأنت لا تنتبه لحديثي فقد ألجأ إلى تصرف عنيف بغرض لفت انتباهك وحملك بالقوة على أن تصغي إليّ، فهناك جماعات تعاني وتجهر بمعاناتها دون أن يسمعها أحد، فلجأت إلى العنف لأنه ثبت أن العنف يجعل الآخرين ينتبهون إليك.

نعم قد يكون بالفعل لغياب الفلسفة كما طرحت سوسن كريمي تأثيرٌ في انتشار ذهنية الإرهاب وجرائمه، ولكن علينا أن نعرّف الفلسفة كشكل من أشكال التفكير النقدي والحر والمنفتح لا الفلسفة بما هي مجموعة مقررات ومنظومة تجريدية تعشّش في عقول النخبة وأساتذة الجامعات، لأن الفلسفة بهذا المعنى لن تختلف عن علوم نظرية أخرى لا تعني إلا النخبة في حين أن عامة الناس لا دخل لها بهذه القضايا. أقول إذا تم بالفعل تعزيز الفلسفة كشكل من أشكال التفكير الحر وإتاحة الفرصة للنقاش وأن الحقيقة تصل لها بعد نقاش مستفيض وبشكل حر، إذا تم ذلك وتم تسريب هذه القيم وطرائق التفكير داخل منافذ مؤسساتنا التعليمية وحواراتنا وحياتنا اليومية فعندئذٍ نستطيع أن نقول بأن غياب الفضاءات التي تسمح بالتعبير الحر والنقاش الحر والعقلاني سيقود إلى شكل عنيف من التعبير سيترجم نفسه في صورة الإرهاب والتطرف.

أما هل الربيع العربي أثار خوف الغربيين من مآلاته لو نجح؟ هذه الجزئية من الموضوع فيها الكثير من النرجسية إلى ذاتنا العربية فالتحولات عندنا صارت تخيف الآخرين الأقوياء وهم الغرب هذه المرة. وهذا لا ينفي أن القوى الكبرى تدخّلت لحرف الربيع العربي عن مساره. لأنه علينا ألا ننسى بأن نعيش في منطقة اكتسب أهمية وثقل عالمي طوال التاريخ وازدادت في العصر الحديث لأكثر من سبب. ويمكنني أن أركز على أربعة عوامل تعطي منطقة الشرق الأوسط اعتباراً خاصاً، الأمر الذي يجعلنا نتنبه إلى أن المنطقة حتى في المستقبل ستبقى محتفظة بأهمية خاصة في نظر اللاعبين الدوليين في العالم. أول هذه العوامل موقعها الاستراتيجي، فتاريخياً نحن حلقة الوصل بين أوروبا والشرق الأقصى، وموقع المنطقة الجغرافي جعلها محط أنظار القوى الكبرى في العالم طوال التاريخ منذ المغول حتى الأميركان الذين كانوا يجوبون العالم بحثاً عن آبار النفط. العامل الثاني إسرائيل. والعامل الثالث الثروات النفطية التي اكتشفت في المنطقة في القرن العشرين. والعامل الرابع هو أن هذه المنطقة هي مركز الثقل المقدس للديانات الثلاث المسيحية واليهودية والإسلام، وهي الديانات التي يدور حولها معظم الجدل العالمي. وعلى هذا فالمنطقة ستستمر في كونها محط أنظار العالم واللاعبين الكبار.

قرأت مرة حواراً لتزفتان تودوروف، وهو مفكر فرنسي ومن أصل بلغاري، بعد صدور كتابه «أعداء الديمقراطية الحميمون»، وهو كتاب يناقش فكرة تقول بأن الديمقراطية الغربية أصيبت بحالة جمود وتكلُّس وأنها صارت تولِّد أعداءها من داخلها من حركات اليمين المتطرف. تودوروف في هذا الحوار أشار إلى الحاجة إلى ربيع أوروبي على غرار الربيع العربي، وأن أوروبا على رغم استقرارها، تواجه أزمات ومشكلات وانسداد في التقدم الديمقراطي، وهي بحاجة إلى شكل من أشكال الهزّة الخفيفة على غرار ما هو حاصل في المنطقة العربية بما ينعش أوروبا. لسلافوي جيجك، المفكر السلوفيني المعروف، رأي قريب من هذا، لكنه لا يذهب إلى حد القول بأن الغرب ارتعب من الربيع العربي فسعى لإجهاضه، ولكنه يحوم حول فكرة قريبة من هذه، وتقول بأن الدوائر الرسمية ومعظم الإعلام الغربي احتفوا بثورات الربيع العربي لظنهم أنها ثورات على غرار ثورات أوروبا الشرقية مطلع التسعينيات أي لكونها ثورات تحركها الرغبة في الديمقراطية الليبرالية الغربية، الرغبة في أن يصيروا كالغرب، إلا أن الموقف الغربي انقلب إلى عدم الارتياح عندما تبيّن أن لهذا الربيع العربي وجهاً آخر وهو مطلب العدالة الاجتماعية. وهذا البعد هو الذي يشبك هذه الثورات بحركات «احتلوا» العالمية التي كانت تحتج لا لكون بلدانها تفتقر إلى الديمقراطية الليبرالية، بل إنها تحتج ضد النظام الرأسمالي العالمي. وهنا بالتحديد، بحسب جيجك، يكمن خوف الدوائر الرسمية والإعلام الغربي من تأثير الربيع العربي.

أتصور أن هذه الفكرة لا تخلو من نرجسية مرضية لذات متضخمة ترى نفسها مركز اهتمام العالم، وهدفاً لمؤامراته وتدخلاته التي لا تنتهي. فالغرب تدخل كأي لاعب آخر يرى أن مصالحه قد تكون مهددة. ولكن هذا الغرب نفسه تدخل ويتدخل في مناطق أخرى من العالم، والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تنجح تحولات في مناطق أخرى وتفشل في منطقتنا، وإشارة بالنجار إلى التحولات الحديثة وموجة التحول الديمقراطية الثالثة التي مرّ بها العالم من أوروبا الشرقية إلى أميركا اللاتينية إلى آسيا، إشارة مهمة، لأنه لماذا تنجح هذه التحولات والغرب له مصالح في تلك البلدان ويتدخل بقدر ما يستطيع إلى أن تفلت منه زمام المبادرة، بينما هنا ينجح في تدخله ولا تفلت منه زمام المبادرة وتسير اللعبة بالاتجاه الذي يرتئيه ويرسمه؟ لماذا تنتج المنطقة فشلها المتكرر باستمرار؟ الخلاصة أن المنطقة ستستمر في كونها محط اهتمام عالمي، وهذا يعني تدخلات مستمرة، ولكن المأمول أن يكون لشعوب المنطقة مبادرتها وكلمتها.

سوسن كريمي

المعرفة عبارة عن نتيجة للتفكير ونرجع مرة أخرى للفلسفة والعقل والتفكير النقدي، وعن طريق البنية التعليمية يفترض أن نؤسس لهذا العقل الذي يأخذنا إلى التعرف إلى معرفة الحقيقة والقدرة على التحليل والتأمل وإجراء عملية النقد، لا أقول إن طلبتنا لا يمتلكون المعرفة، فالمعرفة نحصل عليها بالبحث ولكن لابد أن نمتلك آليات التحليل كيف أضع الأفكار مع بعضها وبعدها أصل إلى نتيجة، وهذا الجانب مفقود في موروثاتنا ثقافتنا، تربيتنا قائمة على التبعية بحسب منظومة الأبوية. الطلبة في الروضة في فترة دراستنا في بريطانيا كانوا يسألونهم تريد الرسم أم تريد اللعب هكذا يعلمونهم على الاختيار وتعيش وتتحمل نتيجة هذا الاختيار. نحن في المنظومة التعليمية لا توجد لدينا الخيارات مازال طلبتنا يسألون نحفظ هذا أم نحذفه، وكل ما هو خارج الامتحان يمزق مباشرة، لدينا منظومة تعليمية لكنها تخلق عبيداً يحفظون المعلومة دون أن تشكل فيهم معرفة إنسانية بناءة، هناك من حفظ وقرأ مئات الكتب ولكن داخله ليس إنساناً حراً. المعرفة الحقيقية تبني إنساناً حراً وهذا ما يفترض أن يؤسس له النظام التعليمي من الروضة.

الشيء الجميل هناك في أدبيات يوم الفلسفة العالمي أنها تشير إلى الفيلسوف الصغير، وقد تم إجراء مسح للفلسفة في عدة مناطق في العالم، للأسف الشديد لا يوجد شيء للخليج. كان هناك إشارة للدراسات الفلسفية في تونس وفي أميركا الجنوبية وفي الدول الأوروبية ونحن ليس لنا ذكر.

أما هل للفلسفة علاقة بالتطرف الديني فأرجع للفلسفة في معناه البسيط كعقل حر يفكر ويحلل، أما مسألة الانشغال بالذات التي ذكرها نادر كاظم فأرى أننا حتى الآن لانزال مشغولين بالآخر نحن لحد الآن مستقبلين، والغربي يركز على الجانب السياسي البحت، وها هو يقطف ثمار سياساته في المنطقة العربية وهذا ما تعكسه جماعة داعش وغيرها التي يرجع أثرها أيضاً على أوروبا وهذا جزئياً نتيجة سياساتهم، وهم يعرفون ذلك، وهم يحاولون السيطرة وقد يفقدونها في بعض الأماكن ودائماً ما يحسبون المكسب والخسارة لكنهم في عملية مستمرة من وضع السياسات والاستراتيجيات، للسيطرة على منابع النفط، قد يخسرون في مكان آخر، ويربحون في مكان بشكل أكبر، ومن يموتون هم الفقراء والطبقة العاملة، وكل ذلك في سبيل الهيمنة والعسكرية والسياسية والثقافية.

أما هل بدأ الغرب يخاف من الآخر؟ ففي الثقافة الغربية هناك ما يسمى بجماعات الضغط إذا كانت الأحزاب لا تستطيع أن تمضي في تحقيق طموحاتها فإن جماعات الضغط تستطيع أن تخلق نوعاً من الضغط الثقافي والإعلامي والسياسي وتخلق بعض التغيرات في مجالات مختلفة بحسب احتياجاتها المباشرة، هناك حركة «وول استريت» وقبلهم حركة في كندا تسمى أد باسترز Ad Busters مرتبطة بالبيئة وكان لهم تأثير كبير. ونحن لحد الآن ليس لدينا مثل هذا الوعي بدور جماعات الضغط.

العدد 4473 - الجمعة 05 ديسمبر 2014م الموافق 12 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً