الشعب هو جماعةٌ من الناس تتعايش وتخضع تحت نظام اجتماعي واحد، وتسكن أرضاً محدّدةً، ويجمعها عادات وتقاليد، وتتكلم بلسان واحد.
ومن المفترض أن تكون الجماعة التي يتكوّن منها الشعب منسجمةً مع نفسها في إطار خصائص وسمات توحِّد أفراده وتجمعهم لا أن تفرّقهم وتمزّقهم، وأهمها الخصائص الاجتماعية والنفسية والسلوكية.
والشعب قد تكون فيه أحزابٌ متنوعة ومتباينة في الرؤى وفق نسق حضاري بمقتضى ما يُسمى «التنوع الفكري»، ولكن لا يجوز أن يتألف من طوائف متخاصمة، لأن في ذلك تمزيقاً للشعب، فيصبح هذا الشعب «شُعباً» لا شَعباً.
ومن المفترض أيضاً أن يكون الشعب هو المالك وليس المملوك، فلا يحق لأحد أن يتكلّم باسمه، أو أن يضعه في المزاد للبيع والمساومة.
وإذا كان يحق لكل فرد أو فئة أو حزب من الشعب أن يبحث ويُنظِّر ويحقق في قضايا الشعب وهمومه واحتياجاته وأحواله، أو أن يناقش ويجتهد في السبل التي تحقق رخاءه ورقيه، إلا أنه لا يحقّ لأحدٍ أن يقرّر بمفرده ويَبنْي ويصدر الأحكام باسم الشعب، كما أن التنظير أو الاجتهاد لا يكون حجةً ملزمةً إلا لصاحبه، فلا يصح أن يُلزم به غيره، ولا يجب على أحدٍ أن يعتد به.
وما نراه اليوم للأسف الشديد أن يوجد وزيرٌ هنا وسياسي هناك، وصحيفة هنا وكاتبٌ هناك، وانتهازيٌ هنا ومُتَملِقٌ هناك، الكل يتحدث باسم الشعب، بل حتى من ليس له باعٌ في السياسة أدخل أنفه فيها، وبعضهم من وضع نفسه موضع المُفكّر السياسي.
والأسوأ من هذا وذاك، أن نرى شوارع البحرين وقد امتلأت بلافتات ويافطات يتحدّث كتّابها باسم الشعب، دون أن نعلم من هم كتابها ومن الذي نصبوها، وكأننا بهذا المشهد الغريب ننظر إلى هؤلاء قد وضعوا الشعب في المزاد العلني كسلعة للبيع أو كمالٍ قابلٍ للتملك وللتداول، وبعضهم وضعوه في سوق النخاسة كبائع الدواب والرقيق.
فطالما أن نقاط الخلاف جوهرية ومصيرية، وطالما يتفق الجميع على أن الشعب هو مصدر السلطات بحسب الدستور، أليس الأجدر بهؤلاء الذين يتحدّثون باسم الشعب والذين يتاجرون به في بازار النخاسة، أن يحتكموا إلى إرادة الشعب، إما بالإجماع الشعبي أو بإرادة الأغلبية، وهذا لا يتحقق إلا عبر الاستفتاء الشعبي بعد تحديد الأمر المستفتى فيه، ووضع آلية الاستفتاء، باعتبار أن الاستفتاء مصدرٌ من مصادر التشريع، ومن ثم يكون الأمر والحل هو ما يتفق عليه الجميع، أو ما ترتضيه الأغلبية.
ومن المعروف أن الاستفتاء نظامٌ قديمٌ منذ آلاف السنين، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم بقوله: «يستفتونك قل الله يفتيكم» (النساء، الآية 176)، وفيه أنواع أهمها: الاستفتاء الدستوري، والاستفتاء الاستشاري، والاستفتاء التحكيمي؛ ويعني هذا الأخير الاحتكام إلى الشعب عن طريق الاستفتاء المباشر، وهو الترجمة العملية للديمقراطية المباشرة التي يسهم الشعب عن طريقها في صياغة المقررات والنصوص التي تتصل بالقضايا المهمة والمصيرية المختلف حولها.
مع الأخذ بعين الاعتبار إلى أن التمثيل النيابي عن طريق نواب الشعب لا يكون عوضاً عن استفتاء الشعب نفسه في القضايا الموضوعية المهمة والمصيرية المختلف حولها، ذلك لأن القرار في هذه القضايا يجب أن يتخذه صاحب الحق نفسه (وهو الشعب)، أو من يوكله بوكالة خاصة بمفهوم الوكالة الخاصة التي رسمها القانون، في حين أن النائب البرلماني ليس وكيلاً خاصاً كما يعتقد البعض، نظراً إلى أنه قد يأتي بالتزكية، والقانون لا يُجوِّز ولا يُرخِّص مطلقاً بأن تقوم الوكالة بالتزكية.
وأخيراً نعود ونقول لهؤلاء الذين يتحدّثون باسم الشعب، أو الذين عرضوه في سوق النخاسة «انتبهوا، فالشعب ليس سلعةً تُباع وليس مالاً قابلاً للتداول».
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 4471 - الأربعاء 03 ديسمبر 2014م الموافق 10 صفر 1436هـ
غلطان حبيبي غلطان
أفضل سلعة للبيع هي الشعوب ! لأنها هي التي حددت مصيررها أن تكون سلعة في يد المستبدين و الكهان؛ و لم يجبرها أحد على ذلك. فإن كانت القوة والاقتصاد بيد المستبد ؛ فما الذي في يد الكهنوت ليستسلم له الشعوب؟
نعم هكذا ارادوا لشعب كرمّه الله ان يصبح العوبة في ايديهم
اذا طالب الناس بما حباهم الله من كرامة وحقوق زجوهم بالسجون والمعتقلات ثم يحاولون التلاعب بالكلمات والالفاظ والمصطلحات ويحاولوا تصوير البحرين تحت هذا الوضع بانها جنة الارض.
الكذب والنفاق والدجل اصبحت السلعة الرائجة في سوق البحرين