بيديها الصغيرتين اعتادت أن ترسم أحلامها وجمال قلبها الغض. تكتب أحرفاً قبل أن تعرف الأبجدية كاملة وقبل أن تعرف معاني الكلمات الكبيرة التي تكتبها. تكتب فقط لأنها تريد أن تعبّر عمّا بداخلها، وترسم لأنها تريد أن ترسم الابتسامة على وجه والدتها كلّما شاهدت رسمها وهو يتطور وألوانها وهي تزهو وتصبح أكثر تناسقاً.
لأنها طفلة –كغيرها- تعشق والدتها، فهي تفرح كلّما قدمت لها ما يعبّر عن هذا العشق، ولأن مشاعرها للتو تتبلور وتكتنز، فوالدتها تحاول دائماً أن تظهر فرحتها بهداياها اليومية المصنوعة من يديها.
هذه الطفلة كغيرها من الأطفال الذين يستقطعون وقتاً ًيستغرقه غيرهم في اللعب واللهو وربما في محاولة استفزاز أمهاتهم بطلبات كثيرة وبكاء مستمر على أتفه الأسباب كما نراها. تستقطع الوقت لأنها تؤثر أن تقضيه فيما يستطيع تبديد كل ألم اليوم وتعبه عند والدتها. إنها طفلتي التي اعتادت على إبهاري بما تصنعه وما تكتبه وما ترسمه بيديها، مذ كانت في مرحلة الروضة.
«رند» مثال حي أعيشه، ومثلها كثيرون، دائماً ما يعبّرون عن مشاعرهم بما تتوفر لهم من أدوات وإمكانات، وكنتُ كغيري من الأمهات أفرح بكل هذه المشاعر الجيّاشة، لكنني لم أفكّر يوماً في ردّ هذا لها بالطريقة ذاتها؛ فالهدايا التي أقدمها لها ولأخيها غالباً ما تكون من اختيارهما من تلك المتاجر التي تبيع أجمل الألعاب أو الكتب أو الالكترونيات، إلى أن خطرت ببالي فكرة: أن أصنع لها بطاقة يدوية وأكتب عليها بخط يدي رسالة أعبّر لها عن حبي وتقديري لكل ما تقدمه لي من مساعدة وهدايا ومحبة، وكان ذلك بالفعل، وها أنا أعيش حتى هذه اللحظة فرحتها بما أعطيتها لشدة سعادتها عند استلام هديتها التي تجاري ما كانت تهديه لي كل يوم.
إن للطفل قدرةً كبيرةً على خلق الفرح لمن حوله، وله قدرة أكبر على التكيّف مع كل الظروف، ولهذا فهو سهل الإسعاد، ولكن حين يعامله الكبار كما يعاملهم فإنه يشعر بالسعادة مضاعفةً، ويعرف أن ما يقوم به يروق لهم فيسعى لتطويره، وحين يتعلق الأمر بالموهبة التي يملك، فإن أي فرحة بها ستكون قادرة على تنميتها وتطويرها أضعافاً.
لا يستطيع الطفل أن يقول أريد أن تفعل لي ما أفعله لك، ولهذا لا نجرّب كثيراً فعل هذا، ولا نستمتع بفرحته وسعادته الغامرة وهو يرانا نقوم بما يحب، ونفكر كما يفكر، ونفاجئه كما يفاجئنا.
إن التعامل مع الطفل بالمثل في الأمور الإيجابية التي تشكل نقاط قوة وجمال لديه، يعملق الشعور بالثقة بنفسه، ويزيد من رغبته في تقديم الأفضل، ويجعله قادراً على التعبير عن رأيه؛ لأنه ببساطةٍ سيشعر حينها أن والديه يتعلمان منه كيف يتعامل مع الآخرين أو كيف يصنع هدية أو كيف يسرد قصة بها من الخيال الشيء الكثير، وستتولد لديه روح القيادة وربما يقوم بتعليم أقرانه كل ذلك أيضاً.
الطفل بذرة طرية، بحاجةٍ للكثير من العناية كي ترتوي وتكبر وتزهر، وكلما كانت العناية به أكبر كلما كان ثمره أكثر جمالاً وتميزاً.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4468 - الأحد 30 نوفمبر 2014م الموافق 07 صفر 1436هـ
البذرة الطيبة
لن تصير البذرة طيبة ، وتكبر ،وتزهر حتى تُسقى بماء المكرمات ، ولن نستقي منها البهجةَ فالبسمةَ لو لم نرسم البسمة تلو البسمة على روحها الشفيفة ، و لم نربّت على قلبها الحاني . حمى الله "رند "و مثيلاتها و أفاض عليها من أمواه الودّ . و لكننا نقول فقط : كلما كانت العناية به أكبر كان ثمره أكثر جمالا وتميزا .
بسويها لبنتي
:)