«لا أريد لأحد أن يشعر بأنه غير مرئي»، ذلك ما قالته مؤلفة كتب الأطفال الأميركية السمراء جاكلين وودسون، التي انتصرت واحتفلت بفوزها في حفل توزيع جوائز الكتاب الوطني، على رغم ما شابَهُ من زلة عنصرية أطلقها أحدهم بعد تسلُّمها الجائزة. لم يخْلُ المجتمع الأدبي هناك من مثل تلك الممارسات.
قالت أيضاً ذات حوار مع «الغارديان»: «لم أكن أعرف غيابي إلاّ حين رأيْتُني».
كرّست مجمل ما أنجزته للمواطنين الأميركيين الملونين، وبالتالي هو موجّه إلى الملونين خارج حدود أميركا. تكريس مثل ذلك لا يبرز؛ وبإصرار، إلا من خلال معايشة يومية لألوان وصور للعنصرية والعزل، ربما تحضر اليوم في أشكال وعناوين مُموَّهة ومتعدِّدة، بعض يمكن التقاطه لوقاحته ومباشرته، وبعض من العصيّ أن تتاح له مثل تلك المباشرة؛ لكنه هناك في الممارسة.
ميشيل دين، الصحافية في «الغارديان»، كتبت تقريراً مطوَّلاً يوم الثلثاء الماضي (25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، تناولت فيه جانباً من أعمالها، ومقتطفات من حوارات متفرقة، ورؤاها أيضاً في موضوعات شتى، منها الكتابة، والذين تأثرت بهم، وكذلك بيتها الأول وطفولتها. هنا خلاصة التقرير:
جاكلين وودسون مؤلفة 28 كتاباً للأطفال، حاز معظمها على إحدى الجوائز، وبفوز كتابها «حلم الفتاة السمراء» بجائزة الكتاب الوطني لأدب الشباب، الأسبوع الماضي، تكون قد استفادت لثلاث مرات من تكريم «نيوبري» لها. ومع ترشيحها المتكرر لجائزة الكتاب الوطني، ظلّت إنجازاتها التي تحققت موضع تعمية وحجب لها، من خلال تغطية ظلت مشوبة بتعليقات أو نكتة عنصرية، تولَّى إطلاقها دانيال هاندلر، وذلك بعد تسلُّمها الجائزة الأخيرة. امتنعت في مقابلة عبر الهاتف مع صحيفة «الغارديان» عن التعليق على تلك العاصفة في التكريم، على رغم أنها قالت، في نهاية المطاف: «أنا أحاول معرفة كيفية التفكير في ذلك».
يعكس ذلك اهتمام وودسون بالطريقة التي تتحدث بها: ببطء وتمعّن، ومن مكان عميق التفكير بالنظر إلى الثقافة التي تنتمي إليها. هي في كتبها تعمل على التغطية والإلمام بالعديد من الأماكن والحالات، ولكنها جميعاً (كتبها) تعبّر دائماً عن تجارب الشباب الملونين. لكل منهم تجربته. ستجد شيئاً منها في ثنايا إصداراتها. مشيرة إلى أنها ملتزمة بجعل تلك القصص أكثر وضوحاً، ومع ذلك قالت، إنها تنجز كتبها دون أن تغفل عن أنها تكتب ضمن وفي إطار صناعة بيضاء مهيمنة». «أشعر، كشخص أنتمي إلى الملونين، بأنني كنت دائماً أقوم بعمل هو في واقع الأمر ضد التيار». وعلى رغم أنها لاتزال متفائلة قالت: «أشعر بأن التغيير قادم، والتغيير في بعض الأحيان يأتي بطيئاً للغاية بالنسبة للكثير منا. لكنه يأتي في نهاية المطاف».
وودسون التي تدخل عقدها السادس (51 عاماً) وتعيش في بارك سْلُوب، في بروكلين، مع شريكها وطفلين، ولدت في ولاية أوهايو، وعاشت في غرينفيل بكارولينا الجنوبية. عندما كانت في السادسة، عمدت والدتها العزباء إلى إحضار إخوتها وأخواتها للعيش في حي بوشويك المجاور لبروكلين. ذلك الجزء المبكّر من حياتها هو المسار الذي تتتبّعه رواية «حلم الفتاة السمراء». وفي الأسطر القصيرة من المقاطع الشعرية التي تبدو من دون معنى في الرواية؛ أو غير مترابطة، يمكن رصد وتتبّع حياة وودسون من الولادة حتى بلوغها سن العاشرة.
البساطة في نقائها، تلك التي تسِم كتابة وودسون توفر استعارات جميلة وعميقة. موت الجَدِّ أعان جاكلين الشابة في قصصها بفتح آفاق لها، وحول ذلك صرحت «هذا ما يمكنني فعله - أجده في المكان الذي هو جدير أن يكون فيه/ عندما يخنقه هذا العالم». الكتاب في مجمله عبارة عن رسالة حب توجِّهها قوَّة القصص ودفئها، وعلى رغم أنها مفرطة في وجدانيتها إلا أنها تبيّن الكيفية التي يبرز فيها رد فعل الآخرين تجاه الطريقة التي تُحكى بها القصة. «حافظوا على خلق القصص، يقول عمّي» يكتب الراوي: «أنت تكذبين، تقول أمي».
تقول وودسون إنها بدأت كتابها هذا عندما توفيت والدتها بشكل مفاجئ. ووصفت وفاتها بأنها بمثابة «دعوة للاستيقاظ، وأن الناس الذين أحبهم وأولئك الذين يعرفون حكايتي، والناس الذين يعرفون تاريخي، لن يكونوا دائماً هنا». أصبحت الكتابة مثل السعي للتأكد من أن نوعاً من التسجيل أو السرد موجود. أنا بدأت للتوّ تدوين الذكريات تلك»، وتدريجياً أصبحت تدرك بأن ثمة ثغرات تكتنفها.
إجراء المقابلات مع الأقارب، كما قالت، سمح لها برؤية والدتها بشكل مختلف: «إن قوة والدتي هي شيء لم أُوْلِه اهتماماً ولفترة طويلة. هي كانت هنا، أمي العزباء، والتي كانت جزءاً من هجرة كبيرة، وكانت جزءاً من جيم كرو في الجنوب، الذي نَصَّ: «سآخذ أطفالي بعيداً من هنا. سأخلق فرصاً لهؤلاء الشباب بأي وسيلة كانت».
وعُرف جيم كرو، من خلال مصطلح أصبح شائع الاستخدام في الغرب في ثمانينيات القرن التاسع عشر الميلادي، عندما صار الفصل الاجتماعي مشروعاً في كثير من الأجزاء الجنوبية للولايات المتحدة، ويُشير أصلاً، إلى شخصية زنجية في أغنية شعبية تم تأليفها في العام 1830.
هناك يمكن أن نلمح كيف تتشابك قصتها هي مع تاريخ أميركا. الكتاب يتتبّع تجارب جاكلين الشابة مع العنصرية في عمق الجنوب، والدروس التي استقتْها من كل ذلك، وتحديداً في مدرسة مدينة نيويورك، تتعلق بتاريخ التقسيم فيها:
وكلُّ ما في نيويورك كان يُسمَّى أمستردام الجديدة،
يديرها رجل
يدعى بيتر ستثفسنت. كان هنالك عبيد هنا.
أولئك الذين يمكنهم تحمُّل تحقيق حريتهم
يعيشون في الجانب الآخر من الجدار.
والآن يسمى ذلك المكان «وول ستريت».
بالنسبة إلى البعض، فإن قصيدة يحتويها كتاب قد تبدو قراءتها شاقة، ولكن «حلم الفتاة السمراء» تنساب بسهولة أثناء قراءتها، ويظل موضوعها مسألة تمسُّ العَصَبَ بوضوح حتى وإن بدت هيئتها غير عادية. وقالت وودسون إنها تريد أن تسمع انطباعاً عن الكتاب من «فتيات في الصف الرابع، ونساء في الـ 70 عاماً، على حد سواء». في واقع الأمر، قارئة بالغة تدعى آشلي فورد، أطلقت على الكتاب «تحقيق حلم». وأشارت فورد إلى أن أحد أسباب تدافع النساء من ذوات البشرة السمراء على كتب مثل تلك التي تكتبها وودسون، هو أن مكتبات الأطفال الخاصة بهم، في المناطق ذات الكثافة السكانية، تحوي كتباً أقل من القصص التي تخاطب أو تتناول قصص وقضايا الملونين.
وقالت وودسون تعليقاً على الموضوع نفسه: «لم أكن أعرف غيابي حتى رأيتُني».
قرأت وودسون مثل أي شخص آخر، كتاب جودي بلوم «هل أنت هناك، يا إلهي؟ إنها أنا، مارجريت؟». وقالت إنها وجدت أموراً في بطل الرواية على صلة بها، لكنها تنطوي على عملية طويلة من البحث. مضيفة «أود أن أجد نفسي من خلال تلك النوافذ؛ لأنه إذا لم يحدث ذلك، فما الذي يوجد لديّ؟»
اكتشفت وودسون بعد ذلك فرجينيا هاملتون وجون ستبتو، وكلاهما يكتبان للملونين. وقالت، إنهما كتبا عن أطفال المدينة، ووجدتْ في عملهما «الهيئة الكاملة والقصة الكاملة». وأضافت «حدث ذلك عندما نظرت إلى الوراء، وبدأت أدرك الغياب الذي كان موجوداً هنالك من قبل».
العدد 4466 - الجمعة 28 نوفمبر 2014م الموافق 05 صفر 1436هـ