الفتن الاجتماعية المتصاعدة وتائرها في العديد من البلدان في العالمين العربي والإسلامي، أوجدت جملة من المخاطر المتداخلة في تأثيراتها السلبية على الأمن الإنساني والوطني، ويشير ذلك الواقع إلى ضرورة القراءة المتمعنة لمصادر ومكونات ومقاصد الأحداث التي جعلت من الفتن اﻻجتماعية ثقافة مقبولة في مفاهيم وممارسات قطاع واسع من المجتمع متنوع المسئوليات والمستويات التعليمية والانتماءات الفكرية والمذهبية في مجتمعنا العربي.
ما هو أكثر خطراً على واقعنا، تهتك البنية المفاهمية للمجتمع في إدارة الحوار ومعالجة بواطن الاختلاف، وذلك يجعلنا نتحول من حالة الاختلاف في الرأي إلى حالة الخلاف والتشتت في ما ينبغي تحديده وفعله، وتلك مشكلة آخذة في التعاظم. ونحن في هذه المعركة المصيرية والخطيرة على الأمن القومي لبلداننا نواجه جيشاً من الجهلة يرون في ذاتهم أصحاب فكر ومعرفة، ويتحفوننا بأسفه القول والرؤى غير الموزونة وغير العاقلة. والأخطر أن تجد هذه الفئة من يناصرها في قولها وفعلها، لذلك نجد ما هو مشهود من مآسي التفتت المجتمعي وبرك الدم التي أنتجتها الأفكار الظلامية والجاهلة بحقائق التاريخ.
القوى الظلامية بمختلف تكويناتها وانتماءاتها، سبب رئيس في بروز الفتن والتشظّي الإجتماعي وتهتك كيانات الأمة المفاهيمي والقيمي. والنشاط الفكري المتطرف المغلف بالمفاهيم الفكرية غير السوية والمشحون بأنماط المفاهيم الظلامية الخطيرة على البنية الاجتماعية والأمن الإنساني والوطني الذي تنتهجه حفنة محدودة من المجتمع والتي تعيش واقعاً منفصلاً عن المنظومة القيمية والحضارية للثقافة الانسانية، تسبّبت في ما هو ماثل أمامنا في مسرح الأحداث من مآسٍ إنسانية ودمار شامل لمنظومتنا المجتمعية بسبب النهج الدموي والظلامي الذي تبنته هذه القوى وجعل عمليات القتل الجماعي لفئات المكون المجتمعي وأعلام الفكر والمثقفين والكوادر العلمية والفئة المتعلمة هدفاً رئيساً لنشاطها الدموي والإرهابي، وذلك ما حدث ويحدث في العديد من بلداننا.
إن انهيار المنظومة المجتمعية نتيجة فعلية لتفشي ظاهرة الفتن اﻻجتماعية، وتمثل تلك الحالة منعطفاً خطيراً تغذي المواقف المغلوطة على اختلاف مضامينها ومصادرها، وتوفر الطريق الميسر في التأثير السلبي على قطاع الشباب وحرفهم وجرهم إلى مواقف ﻻ يدركون مخاطرها الشخصية وأبعادها السلبية على المنظومة الأسرية والإجتماعية واﻷمن الوطني. وظاهرة اﻹرهاب المتصاعدة وتائرها التدميرية والتي تشهد بلداننا العربية أقسى مشاهدها الخطيرة في مسارات اتسمت بالوحشية وتجاوز القيم والمبادئ اﻷخلاقية التي بنتها اﻷمة في إطار المسيرة التاريخية لتطورها الحضاري، تشكل إحدى اﻹفرازات الخطيرة للفتنة اﻹجتماعية المستعر وهج حريقها في بلداننا العربية.
إن ما يؤسف له أن الجماعات الموجهة لتلك الظاهرة صار لها سلطانها وخطابها المؤثر على قطاع واسع في مجتمعنا العربي، وبفعل المواقف الداعمة لنشاطها التخريبي والطريقة المطلية بالعسل المسموم التي جرى استخدامها في نشر منطلقات فكرها اﻹرهابي، تمكّنت من احتواء قطاع واسع من الشباب وترسيخ الاعتقاد بصحة منطلقاتها ووسائلها الإجرامية، والاستفادة من ذلك في تعزيز وجودها الاجتماعي وبناء منظومة من الخلايا النائمة والناشطة في الوسط اﻹجتماعي التي تشكل في مجموعها قوةً يمكنها التأثير الفعلي على المجتمع وحرف مسار تطوره الحضاري. وتلك ظاهرة تستهدف كافة مكونات المجتمع، فمشاهد الأحداث وما تعرضت له أماكن العبادة والمواقع الدينية والتجمعات الشعبية، وأوكار الإرهاب التي جرى اكتشافها في بعض البلدان، تؤكد أن الخلايا النائمة للقوى الظلامية أخذت تنشط بفاعلية، وأن خطرها صار أكثر شموليةً على منظومة أمننا المجتمعي والوطني.
تهتك البنى المفاهمية للمجتمع ومخاطر التطرف الذي صار يدك حصون المجتمع جعلت هذه الظاهرة في مقدمة اهتمام القيادات والمسئولين السياسيين في منطقة الخليج العربي، وذلك ما يمكن تبينه من تأكيدات حاكم الشارقة المنشور في صحيفة «الرؤية» الاماراتية (16 أكتوبر 2014) حيث قال: «للأسف الشديد ونظراً للظروف المتغيرة التي تحيط بالعديد من بلاد العالم، وخصوصاً منطقتنا في السنوات الأخيرة، نجد أمامنا الآن ملايين الأطفال واليافعين والنساء في حالة مأساوية قاسية». وتابع قائلاً إن «هؤلاء الأطفال واليافعين والنساء نزحوا من ديارهم هاربين من أهوال الصراعات والنزاعات المسلحة التي تدمّر من دون تمييز كل ما هو أمامها من بشر وممتلكات، ويتجاهل منفذوها ما تنادي به الأديان السماوية كلها، وكل ما تحتويه التشريعات والقوانين المحلية والمواثيق الدولية من الحقوق الأساسية».
الحادث الإرهابي الذي استهدف الحسينية في قرية «الدالوة» بمحافظة الإحساء في المنطقة الشرقية بالسعودية، وأودى بحياة الأبرياء الآمنين، يمثّل نتيجة مأساوية لذلك الواقع، وبعث برسائل مزدوجة حيث تشير إحداثياته إلى الأبعاد الخطيرة للقوى الظلامية على الأمن اﻻجتماعي والوطني، وأهمية الوحدة الوطنية وتجاوز مطبات الخلاف للحد من انتشار فكر التطرف والتمكن من تجفيف منابع الإرهاب وقمع ظواهره وصون الأمن الوطني، وذلك يتطلب العمل على وأد خطاب التطرف وأسباب الفتنة الاجتماعية ومؤسساتها في الجوانب الإجرائية والقانونية.
إن ذلك الواقع رسالة معنونة للمكوّن الاجتماعي على اختلاف أطيافه، وينبغي على الجميع التمعن الجيد في أبعاد مخاطره لإطفاء لهب ناره المستعرة.
العدد 4465 - الخميس 27 نوفمبر 2014م الموافق 04 صفر 1436هـ
الى صاحب التعليق-1
أخي الكريم قيم التخلف ليس لها حدود وتاريخ بروزها قبل ما ذهبت الى تصنيفه بقرون
الفتنة الطائفية
الفتنه الطائفية لم يكن لها وجود في العالم العربي قبل عام تسعة و سبعين عندما انتشرت قيم التخلف لنا من ايران