توفي أمس الأول الحاج إبراهيم لطف الله (78 عاماً)، وقصة حياته أنموذج للبحريني المكافح من أجل حياة أفضل، إذ بدأ في حياة بسيطة جداً، وكان عليه أن يكد لنفسه وهو في الرابعة عشرة من العمر. حياته تحكي انتقال البحرين إلى العصر الصناعي، إذ انضم لشركة بابكو وتدرب فيها نجّاراً، ومن ثم احترف عمله من خلال أفضل برنامج تدريبي في المنطقة كانت تديره «بابكو» والمدارس الصناعية. تعلم مهنته وكذلك التجارة وأتقن اللغة الإنجليزية، وانتقل بعد ذلك للعمل الخاص، إذ أسس مع أحد أصدقائه شركة مقاولات، وبعد ذلك دخل القطاع الصناعي عبر تأسيس مصانع بلاط وأدوات صحية ومنتجات ألمنيوم، وتنوّع في أنشطة التجارة والصناعة والمقاولات.

الحاج إبراهيم ظلَّ مخلصاً لأهالي القرى المحيطة بقريته (أبوصيبع) وبكل من عرفوه، وكان ملاذهم في كل عمل خير، وكلل عطاءاته بتشييد حسينية أبوصيبع والمسجد القريب منها، والصرحان يُعتبران من التحف العمرانية التي تشهد لمستوى الذوق والفن والإبداع.

أدخل المستشفى مؤخراً بعد أن ألمَّ به المرض، وكان قبل نحو شهر تحت إشراف الأطباء الذين كانوا يستعرضون حالته باللغة الإنجليزية، وهم يعتقدون أنه لا يفهمهم، وبالتالي عرف من حديثهم أن حالته صعبة وأن وفاته ستكون خلال أسابيع. لم يخبرهم بأنه فهم ما قالوه، وعندما أبلغ الأطباء أهله بالوضع الصحي وجاؤوا لإبلاغه عبر التدرج أخبرهم بأنه يعلم بتفاصيل وضعه الصحي لأنه سمع ذلك مباشرة من الأطباء. لم يتأثر لعمق إيمانه وثقته بنفسه، ولم تكن لديه مطالب سوى الخروج من المستشفى مساءً والذهاب إلى الحسينية في ليالي موسم العاشوراء، ولذا رآه الناس ومعه معداته الطبية، وهو يبتسم كعادته ويتناول الحديث بتوقد ذهني.

سيرة الذين يرحلون عنا، من أمثال الحاج إبراهيم لطف الله، مهمة جداً لأنها تعطينا تفاصيل عن طبيعة المجتمع وكيف تعامل مع المتغيرات، كما تخبرنا بسر نجاح الجيل الذي رفع اسم البحرين عالياً، وهو التعليم والتدريب وريادة الأعمال... كما تخبرنا قصصهم عن قصة النجاح البحرينية في القرن العشرين، والتي نحتاج إلى تأكيدها وإنعاشها في القرن الحادي والعشرين.