يصنّف المستشار تشارلز بجلريف، مستشار حاكم البحرين منذ 1926 إلى 1957، مدارس البحرين في بدايات القرن العشرين بالمدارس السنية والشيعية والفارسية والأميركية (التابعة للإرسالية الأميركية)، بالإضافة لتصنيفها إلى مدارس خاصة بالأولاد وأخرى بالبنات. ويتضح هذا التصنيف في بعض تقاريره التي تتناول مصروفات ميزانية حكومة البحرين الخاصة بالتعليم، والتي كان يرسلها للوكيل السياسي في البحرين الكولونيل جيفري بريور بين عامي 1928 و1931. نشرت هذه التقارير مؤخراً في موقع www.qdl.qa بالتعاون مع المكتبة البريطانية.
في الملف الذي جاء تحت اسم ‘File 9/2 II Bahrain Reforms: Finances of the Bahrain Government’ يورد بليغريف بعض المعلومات عن تطور التعليم وبناء المدارس في البحرين. في الوقت الذي لا يتحدث كثيراً عن المدارس التي يصفها «بالسنية»، ربما لأنها أنشئت قبل قدومه البحرين، يتحدّث عن المدارس «الشيعية» فيقول: «المدرسة الشيعية الجديدة افتتحها حاكم البحرين في اليوم الذي تلا عيد الفطر. تم تخصيص مبلغ 1100 روبية حالياً للمدرسة الجديدة في المنامة والمدرسة الصغيرة التي أنشئت بالقرب من سوق الخميس. وتشرف على مدرسة المنامة لجنة من تجار الشيعة برئاسة السيد أحمد بن السيد علوي ويديرها شاب درس في بغداد بالإضافة إلى أخيه وثلاثة عراقيين من موظفي المدرسة. حالياً فإن عدد الطلبة هو 198 وهو ما يتسع له المبنى. المدرسة تحظى بدعم قوي من قضاة الشيعة وكل سكان مدينة المنامة».
وفي موضع آخر يضيف بليغريف: «مدرستان للشيعة تعملان حالياً وهما أول المدارس الشيعية، وهما مدعومتان من قبل الدولة. الشيعة قدّموا تبرعات لشراء مبنى المدرسة والدولة ضاعفت من مساهمتها المالية. هذه المدارس ستعود للدولة في المستقبل». وفي إشارة واضحة للتصنيف المذهبي للمدارس يذكر: «المدارس السنية في المنامة والمحرق موجودة منذ 6 أو 7 سنوات. المدارس التي افتتحت مؤخراً هي المدارس الشيعية».
من جهة أخرى، يذكر بليغريف بعض المعلومات عن المدارس الفارسية والمدرسة الخاصة بالإرسالية الأميركية التي أنشئت في تلك الفترة. يقول: «بسبب الخلافات داخل اللجنة المشرفة على المدرسة الفارسية القديمة فإنها قد انقسمت إلى مدرستين هذا العام. كلا المدرستين تحظيان بدعم الحكومة الفارسية ويقال أن كل واحدة منهما تعد مركزاً للدعاية الفارسية في البحرين. في حالات متعددة أجبر حاكم البحرين على تقديم شكوى رسمية إلى الوكيل السياسي بخصوص تصرفات طلبة المدارس الفارسية حيث كانوا يقومون بالسير في أنحاء المنامة وهم يقرعون الطبول ويتباهون برفع الأعلام الفارسية أمام سكان المدينة العرب». أما بخصوص مدرسة الإرسالية الأميركية فيقول «قامت الإرسالية الأميركية بإنشاء مدرسة وسوف يتم افتتاحها قريباً. مستوى التعليم الذي يصل إليه طالب مدرسة الإرسالية مرتفع جداً وأفضل حالياً من مستوى المدارس الحكومية».
يورد المستشار بعض المعلومات اللافتة بخصوص بداية إنشاء المدارس الخاصة بالبنات وبعض ردود الفعل المتحفظة على هذه المدارس. يقول: «بخصوص مدارس البنات، قبل ثلاث سنوات كانت مجرد فكرة تأسيس مدرسة للبنات تعتبر، وخصوصاً من قبل أهالي المحرق، على أنها غير أخلاقية وغير دينية. بفضل الدور الذي لعبه الشيخ عبد الله بن عيسى، رئيس لجنة التعليم، بالإضافة إلى شخص أو شخصين من التجار المتنورين وكثيري السفر، فقد تم افتتاح مدرسة للبنات في المحرق منذ ما يقرب من ثمانية أشهر. وقد تم ذلك رغم رفض المتدينين والمحافظين لهذه الخطوة. رغم هذا الرفض إلا أن المدرسة تطوّرت. فقد حصلت على دعم قوي من نساء العائلة الحاكمة وتضم المدرسة حالياً أكثر من 100 طالبة. المدرسات هن أم وأخت أحد المعلمين السوريين الذين يعملون في مدرسة الأولاد بالمحرق، بالإضافة إلى مساعدة اثنتين من النساء البحرينيات. منهج المدرسة بسيط: القراءة، الكتابة، الحساب، الخياطة والرسم. المدرسة أصبحت مشهورة وقد طلب من لجنة التعليم إنشاء مدرسة أخرى للبنات في المنامة، وهي لكونها مدينة، فهي أكثر انفتاحاً من المحرق». ويضيف: «إحدى الحجج التي طرحت بقوة ضد إنشاء مدرسة البنات هي أنها ستضر بحظوظ الزواج بالنسبة للطالبات، وذلك لأن قريبات الرجال العازمين على الزواج سوف ينتقدن مظهر البنات».
ومن المواضيع التي ذكرها بليغريف أيضاً هي بعض المعلومات الخاصة بالطلبة البحرينيين الذين يدرسون خارج البحرين وعلى نفقة الدولة. يقول: «هناك ثمانية طلاب يدرسون في الجامعة الأميركية في بيروت على حساب الدولة، وهم ثلاثة من أبناء الأسرة الحاكمة وخمسة من أبناء التجار. التقارير الواردة عنهم من بيروت مرضية للغاية. ابن أحد التجار المحليين يدرس حالياً في مدرسة للأولاد في مدينة برايتون البريطانية».
أما بخصوص المبالغ المخصصة للتعليم فيذكر: «المبالغ المخصصة للجنة التعليم ارتفعت من 1000 روبية إلى 3500 روبية. تم افتتاح مدارس جديدة في الحد والرفاع، كما تمت توسعة مدارس المنامة والمحرق. كما زاد عدد الموظفين في المدارس».
ويبدو أن المستشار منذ تلك الفترة كان يفكّر في الحاجة للتعليم التقني في البحرين. يقول: «هناك حاجة ماسة في البحرين للتعليم التقني والزراعي. حالياً فإن كل البنائين والنجارين والمهندسين أجانب وأغلبهم فارسيون. هناك تفكير في مسألة توفير هذا التعليم حالياً».
من هذا العرض الموجز لمدارس البحرين الذي يقدّمه المستشار بليغريف، يمكن التعرف على مدى سيطرة الهويات المذهبية والعرقية في تلك الفترة. بروز هذه الهويات انعكس على توصيف المدارس رغم أنها مؤسسات حكومية ومن المفترض أن تقدّم تعليماً لا علاقة له بالجانب المذهبي كالقراءة والكتابة والحساب مثلاً. ربما يكون ذلك تماهياً مع الحالة القائمة آنذاك حيث المسجد المذهبي والوقف المذهبي والقضاء المذهبي. حتى العاملين الأجانب في المدارس يبدو أنهم يوزعون بشكل مذهبي أيضاً، فالمدارس السنية يعمل فيها السوريون والمدارس الشيعية يعمل فيها العراقيون.
اللافت هنا أن المدارس ليست كسواها من المؤسسات التي قد تؤطّر بإطار مذهبي، وذلك لكونها قد تقدّم علماً لا علاقة له بهذا المذهب أو ذاك. فالمدرسة ليست كالقضاء مثلاً، حيث قد تختلف بعض أحكام مذهب عن مذهب آخر. من جهة أخرى، يبدو لافتاً سلوك طلبة المدارس الفارسية واعتزازهم بهويتهم الفارسية ورفعهم للأعلام الفارسية في تلك الفترة الأمر الذي قد يدلل على قوة تأثير الدولة الفارسية في تلك الفترة وارتباطها بالبحرين.
إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"العدد 4460 - السبت 22 نوفمبر 2014م الموافق 29 محرم 1436هـ
المدارس الخاصه
انشئ مدارس خاص في المنامه العاصمه مثل قلب المقدس ومشن المدرسه الفارسيه ايضا درس فبه المرحوم جدي