المنامة - عزيز الموسوي
في رواية «عقدة دي» للروائي والمخرج الصيني داي سيجي التي ترجمتها الروائية المغربية زهرة الرميج، تجد الإخلاص للهوية من خلل بطل الرواية «ميو» الطبيب النفسي العائد من فرنسا إلى بلده الصين بعد انتهاء فترة التأهيل أو ما يعرف بالثورة الثقافية آنذاك. ورغم عودة ميو محملاً بفكر فرويد ولاكان وجونغ أيضاً إلا أنه ينساق إلى بيئته ويوظف كل فكره ليس من أجل التغيير بل من أجل الحفاظ على نفسه ضمن جوقة تجبره على الانسجام معها مهما كان ذلك مخالفاً لكل مبادئه وأفكاره.
إرباك العقدة...
يدخل ميو مغامرة شديدة الغرابة وكثيرة المفارقات، من خلال بحثه عن طريقة يستطيع من خلالها إخراج حبيبته «بركان القمر العجوز» التي تعتقلها السلطات بتهمة بيع صور لقناة أجنبية تبيّن سوء تعامل السلطات مع الشعب. ويصل ميو من خلال الرشوة لشخصية تسهل عليه الوصول للقاضي «دي» الذي بيده أن يفرج أو يعدم أي متهم. لكن القاضي العجوز لا يطلب المال بل فتاة عذراء، فيدخل ميو سلسلة من الأحداث بحثاً عن هذه العذراء ويتعرف على الكثيرات بدءاً من جارته محنطة الموتى، والخادمة التي تحب السينما وصولاً لبنت العشّاب. ويكشف من خلال تشابك الأحداث عن الكثير من القضايا مثل الفساد، الرشوة، الجنس، الفقر، الشذوذ، الدعارة... لكن الأكثر من ذلك هو اتضاح أن «عقدة دي» ليست في مرض القاضي «دي» اللاهث وراء العذراوات، بل إن هذه العقدة تمتد لمن يصاب بمرض التضحية بكل المبادئ والقيم ناهيك عن التضحية بأشخاص من أجل إخراج شخص واحد من السجن. وما لم يدركه ميو في ظل انهماكه في تلبية عقدة القاضي دي أن العقدة لم تكن في القاضي وحده بل عقدته التي تستمر حتى آخر سطر في الرواية فالعقدة تقابلها عقدة أخرى دائماً.
ثيمات الرواية والرؤية...
الرواية أخذت الكثر من الجدية في مسألة علم النفس كثيمة وتخصص ميو في تفسير الأحلام وكونه يمثل شخصية «طبيب نفسي» أعطى الكثير من المنطقية في التفسيرات فحين يتكرر حلم ما يفسر ذلك عبر مقولة لفرويد «تكرار فعل ما في الزمن، يتجسد عادة في الحلم عن طريق ظهور شيء ما بشكل متكرر» (ص 125).
وركز داي من خلال هذه الرواية على إبراز النفوذ والسلطة والقمع ودور الأقنعة في كل مرحلة تحول تمر بأي بلد من خلال الكثير من المواقف التي تجبرك على التأمل بها طويلاً.
«ما لا أحبه في الرجال، هو أنهم بمجرد ما يجلسون أمام مقود سيارة، حتى يصبحون متعجرفين، عنيفين، ومثيرين للأعصاب. ما يمسكونه آنذاك بين أيديهم ليس مجرد مقود سيارة، إنما سلطة مطلقة» (ص 250).
«كثير من القتلة يتخفون تحت قناع الوطنية أثناء الحرب، ومثلهم العاجزون جنسياً الذين غالباً ما يتسترون وراء مسوح التنسك» (ص 182).
«أن يظل المرء هارباً، يعني أن يظل على قيد الحياة» (ص 220).
طيف السينما...
أيضاً لا يمكن أن لا يلتفت القارئ لهذا الكم الهائل من الصور السينمائية المحشوة داخل النص دون أن يفكر لماذا يصرّ الروائي على هذه التشبيهات فـعبارات مثل «رجل عادي في فلم عادي»، «كفلم رعاة البقر»، «كمشاهد معادة بالحركة البطيئة»، «كأنه عميل سري في أحد أفلام التجسس»، «كأنه بطل أحد أفلام الكو نغ فو»، «كأنه فيلم بوليسي»، «عرض خاص لفيلم لينين في أكتوبر»، «كأحد أبطال أفلام الويسترن». لكن مجرد أن نعرف أن داي سيجي هو بالأساس مخرج سينمائي تتكشف سريعاً كل هذه الصور الزاخرة بذاكرة أرشيفية كبيرة. وثمة تشابه كبير بين شخصية ميو داخل الرواية وبين شخصية سيجي الذي كان من ضمن الطلبة الذين أرسلتهم «الثورة الثقافية» لإعادة التأهيل بين عامي 1971 - 1974 ودرس الإخراج السينمائي في فرنسا وأخرج الكثير من الأفلام فظهور تأثيره السينمائي من خلال كتابته واضح جداً. ونقتبس عبارة على لسان بطل الرواية ميو يؤكد فيها هذا الهوس «غريب أمر هذه السينما التي تستحوذ على تفكيرك وأنت تستعد للاعتقال داخل قصر العدالة» (ص 210).
العدد 4459 - الجمعة 21 نوفمبر 2014م الموافق 28 محرم 1436هـ