إن معاودة قراءة مؤلفات الأديب التشيكي الراحل فرانز كافكا، في هذه الأيام، قد يسمح بعقد مقارنة جيدة مع ما تشهده بلدان المنطقة العربية من تقلبات في المزاج السياسي، وتحديداً بعد العام 2011.
هذه البلدان التي تتمحور جميعها في التفرد بالسلطة، والعمل وفق ثقافة أمنية مستمرة في إنكار الواقع وإلغاء الرأي الآخر، بل والذهاب في شنّ سلسلة طويلة من الممارسات التي تسعى دون شك إلى التخلص من كل من يختلف معها، سواءً عبر التعذيب أو الزجّ في السجون أو عبر محاكمات صورية أو القتل.
ولعل رواية «المحاكمة» لكافكا التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي، رواية تتماشى قراءتها مع هذه الأجواء التي تعيشها المنطقة منذ أكثر من أربعين عاماً، وتفاقمت مع حلول الربيع العربي، سواءً البلدان التي شهدت احتجاجات أو ثورات، أو تلك التي مازالت تقاوم التغيير حتى أصبحت القبضة الأمنية هي الخيار الأمثل لحالة الإلغاء والمنع المستمر.
وتعتبر رواية «المحاكمة» من أقوى روايات القرن العشرين بحسب النقاد، لكونها رواية عميقة الأثر، وإن كان أغلب ما كتبه كافكا يدور حول الأنظمة الشمولية التي دخلت القرن العشرين بزيّ مختلف عن الديكتاتوريات القديمة. هذه الأنظمة التي أرهقت الناس دون أن يدركوا من هو المسئول عن معاناتهم، والتحول إلى مصيدة عقوبات عبر المحاكمات التي تفصل بحسب كل نظام استبدادي.
لقد كتب كافكا في وقت كانت تعيش فيه بعض دول أوروبا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية تحت حكم الاستبداد. فقد أشار من خلال شخصيات الرواية، إلى حالة التصادم بين من يعتنق الثقافة الديمقراطية ومن يعتنق الثقافة السائدة ضمن هياكل الدولة البوليسية التي تسعى لإحكام السيطرة على الأفراد والشعب والمجتمع، وذلك من بعد أن أحكمت قبضتها على مفاصل الدولة ومؤسساتها المختلفة.
كافكا تكلّم في روايته عن تشكّل روح المقاومة في أوجها عند إحدى شخصيات الرواية، وبالأخص أثناء حضورها جلسة المحاكمة الأولى، وشروعها في الدفاع عن نفسها، وتوجيه نقد حاد لأداء الجهاز القضائي في الدولة. إلا أن هذه الشخصية تتراجع بعد أن تكتشف عمق الفساد في الجهاز القضائي والالتفاف على القانون الذي يعاني في الأساس من تشوّهات كثيرة. فمن المعروف أن القاعدة القانونية تقول أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، لكن هذا الأمر غائب كلياً في الأنظمة الديكتاتورية. ويحضر بدلاً عنها قاعدة «المواطن مذنب حتى تثبت براءته»! وهو ما ركّز عليه كافكا في فصول روايته التي عكست بوضوح، تلك القاعدة المقلوبة، وزيادة جرعة الطغيان، دون فرصة لإثبات البراءة. الرواية تكلمت بالتفصيل عن الخيارات وتأثير الاستبداد وبطشه على المجتمع.
نظرة كافكا ليست بعيدة عن أجواء هذه المنطقة، ويكفي أن نرى ما تقوم به الدولة القمعية بكل أنواعها وأشكالها من ملاحقة الناس في كل مكان حتى يصبح الإحساس بالمراقبة أمراً مسلّماً به. أما الإرهاب الفكري فيطال الجميع بهدف خلق كيان مريض عند المواطن من أجل القضاء على التعددية وكبت روح الحرية عند البشر.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4456 - الثلثاء 18 نوفمبر 2014م الموافق 25 محرم 1436هـ
مثل حكومة
مثل حكومة البحرين ماتعرف تتعامل مع الشعب الى بالسلاح والقمع المشتكى لله
تعرية الاستبداد
هذا المقال يعرى الانظمة البوليسية والمستبده .هذا القلم يستطيع ان ينتج الكثير من اجل فضح الانظمة البوليسيه والدكتاتورية .كثرى من هذه لمقالات يا بنت الوطن