أظهرت دراسة حديثة تم الكشف عن نتائجها خلال قمة أبوظبي للإعلام اليوم، أن الطلب على المحتوى المحلي باللغة العربية ، والذي لا يلق العرض المناسب، يشكل حافزاً لنمو قطاع الإعلام في المنطقة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأشارت الدراسة المشتركة الصادرة عن شركة الاستشارات الإدارية "ستراتيجي &" (بوز آند كومباني سابقاً)، وtwofour54، الذراع التجاري لهيئة المنطقة الإعلامية - أبوظبي، ، إلى أن الدوافع الأخرى لنمو قطاع الإعلام في المنطقة تتمثل في تسارع استخدام تقنيات الهواتف المتحركة، إلى جانب التطور في الإعلام الرقمي والمدفوع، بالإضافة إلى ظهور موجة من المحتوى المتميز تم إنتاجه من قبل جيل الشباب.
وتعليقاً على نتائج الدراسة، قالت الرئيس التنفيذي لـ twofour54نورة الكعبي:" تمر صناعة الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمرحلة تحوّل مدهشة، حيث أوجدت التغيرات الثقافية في أوساط الشباب على امتداد المنطقة طاقة إبداعية هائلة، مما سيغير طرق إنتاج ومتابعة المحتوى الإعلامي".
ولفتت الكعبي إلى أن التطورات التي يشهدها قطاع الإعلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تساهم في تشجيع شركات الإعلام الإقليمية لإعادة هيكلة نماذج عملها وبحث الاستثمار في المحتوى المحلي ذو الجودة العالية وأضافت قائلة :"تزخر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإحدى أفضل فرص النمو الواعدة لصناعة الإعلام، مما يساهم أيضاً في تشجيع شركات الإعلام العالمية لإعادة تقييم تواجدها في المنطقة.
وتلقي الدراسة نظرة معمّقة على تطور ثلاثة قطاعات إعلامية رئيسية في المنطقة وتشمل كلاً من الألعاب والمحتوى المرئي والمسموع بالإضافة إلى التجارة الالكترونية.
قطاع الألعاب : نمو قياسي
من جانبه قال جايانت بارغافا، شريك في "ستراتيجي &" (بوز آند كومباني سابقاً) :"يسجل قطاع الألعاب في المنطقة نمواً أسرع من المعدلات العالمية، كما يتفوق على الأسواق الناشئة سريعة النمو مثل روسيا والصين وجنوب أفريقيا، ويأتي أيضاً في مقدمة تسارع النمو ضمن قطاع الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع توقعات بأن يتضاعف حجم قطاع الألعاب بمعدل 3 أضعاف في السنوات القادمة، بحيث يرتفع من 1.6 مليار دولار في 2014 إلى 4.4 مليار دولار بحلول 2020".
وخلال هذه الفترة، سيشهد قطاع الألعاب التقليدية "boxed games" تباطؤاً في مقابل بروز الأجهزة المحمولة لتتصدر باقي المنصات، بحيث تستحوذ على أكبر نسبة من السوق بحلول العام 2018. كما ستلعب الأجهزة اللوحية دوراً هاماً باستحواذها على 20 % من سوق الأجهزة المحمولة خلال عامين، وتوقعت الدراسة أن يصل إجمالي حجم سوق الألعاب إلى مستوى موازٍ لسوق التلفزيون خلال السنوات السبعة أو الثمانية المقبلة.
وحتى اليوم، تهيمن الألعاب العالمية التي تنتجها شركات التطوير الدولية على الحصة الأكبر من إجمالي الفرص، حيث تستحوذ على 90 % من سوق الألعاب في المنطقة العربية، لكن يُتوقع أن تقود الألعاب المحلية أو تلك العالمية ذات النسخ المخصصة للمنطقة مسيرة النمو، لتساهم بأكثر من 15 % من إجمالي السوق في فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات.
كما يُتوقع ارتفاع إقبال الشركات العالمية على تعريب المحتوى الذي تقدمه، وذلك بهدف تعزيز فرص النمو والانتشار في أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما تقوم شركات التطوير الإقليمية من جانبها بإضافة خصائص محلية إلى الألعاب العالمية، وتطوير ألعاب أصلية للأسواق المحلية.
وأوضح بارغافا أن الدراسة تبرز دور الجيل العربي الرقمي كمحرك هام لنمو قطاع الألعاب، وأضاف :"يقضي الشباب في المنطقة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 عاماً في المتوسط ثمانية ساعات أسبوعياً في استخدام الألعاب الإلكترونية، وفي العديد من الدول ومن ضمنها السعودية، يُقبل أكثر من 50 % من مستخدمي الإنترنت على ألعاب الشبكة العنكبوتية. وتلعب التسهيلات الرقمية للشباب، وخاصة في بيئة الأجهزة المحمولة، دوراً حاسماً في ترسيخ منطقة الشرق الأوسط كمركز لتطوير الألعاب".
توجهات جديدة في المحتوى المرئي والمسموع
وأظهرت الدراسة بأنسوق المحتوى المرئي والمسموع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد توجهات عدة قد تساهم في تغيير مشهد القطاع ككل، وتتمثل أهمها في الانتقال إلى الإعلام المدفوع، حيث يُتوقع أن ينمو قطاع التلفزيون بمعدل 10.3 % سنوياً، مقارنة مع نمو بمعدل 7.8 % في التلفزيون المعتمد على الإعلانات. وتواصل المحطات التلفزيونية الفضائية هيمنتها على القطاع ككل، بحصة تصل إلى 95 % من إجمالي توزيع قنوات التلفزيون، إلا أن التلفزيون المرتبط ببروتوكول الإنترنت"IPTV"حقق نجاحات قوية في قطر والإمارات خلال السنوات الماضية، وربما يعكس ذلك مؤشرات تغيير في باقي أنحاء المنطقة.
وتوقعت الدراسة تزايد انتشار القنوات الرقمية لتوزيع المحتوى المرئي والمسموع، وذلك بدفع من تزايد المحتوى المنتج من قبل الشباب وظهور منصات توزيع جديدة على غرار التلفزيون المرتبط ببروتوكول الإنترنت"IPTV"، و المنصات الحرة للمحتوى "OTT". فعلى سبيل المثال، أسس ثلاثة طلاب جامعيين في السعودية شركة "يوتيرن انترتيمنت" في 2010 بهدف إنتاج محتوى ترفيهي محلي بجودة عالية لإيصال رسائل إيجابية، واستقطب أحد برامج الشركة الذي يحمل عنوان "إيش اللي" ما يقارب من 2.2 مليون مشترك، وحقق 245 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب.
نمو التجارة الإلكترونية
وأشارت الدراسة إلى أنه من المتوقع أن تتصدر التجارة الإلكترونية نمو التوجه الرقمي في السنوات المقبلة، وبعد أن حققت مبيعات بقيمة 2.3 مليار دولار في العام 2014، يُتوقع لها أن تنمو بمعدل 13 % سنوياً بين 2014 و2019. وتأتي السعودية والإمارات في مقدمة أسواق المنطقة في هذا المجال، حيث تستمر في الاستحواذ على 40 % تقريباً من إجمالي السوق حتى العام 2020.
وتشترك التوجهات الأساسية التي تدفع نمو التجارة الإلكترونية مع تلك المحفزة لنمو الفئات الرقمية الأخرى. حيث يلعب الاتصال السريع مع الإنترنت، وتحسن واقع العرض وانتشار الهواتف الذكية دوراً كبيراً، وعلى غرار باقي مكونات الفضاء الرقمي، تزداد أهمية مقومات الهواتف المتحركة. ومن المتوقع أن تستحوذ التجارة عبر الهواتف المتحركة على 20 % من إجمالي عوائد التجارة الإلكترونية بحلول 2015، مقارنة مع حصتها البالغة 7 % في 2011. ويساهم ازدياد عدد الشباب في نمو عوائد التجارة الإلكترونية. وقد أجرى 40 % من مستخدمي الإنترنت من الفئة العمرية بين 15 لغاية 35 عاماً عملية شراء على الإنترنت عام 2012، مقارنة مع 34 % للأعمار بين 36 لغاية 48 عاماً، و 22 % للأعمار بين 49 لغاية 65 عاماً.
البحث عن الطريق نحو المستقبل
وشرحت الدراسة كيف أن قطاع الإعلام في الشرق الأوسط يقف على أعتاب مرحلة حيوية من التطور، ومن أجل الاستفادة المثلى من إمكانيات القطاع الواعدة، ستحتاج الشركات الإقليمية والمحلية إلى التركيز على أربعة مجالات، تشمل التعليم ودعم المواهب، إضافة إلى البنية التحتية، وبيئة العمل إلى جانب التمويل.
وبحسب الدراسة، يتطلب التعليم المتخصص في الإعلام الرقمي اهتماماً ودعماً حكومياً أكبر، فالكثير من الوظائف لم تكن متواجدة في فضاء الإعلام قبل سنوات عدة، ولا توفر المدراس على مستوى المنطقة عامةً للطلاب ما تتطلبه مثل هذه الوظائف. لذا ثمة طلب واسع لم يقابله عرض مناسب على البرامج الدراسية المتخصصة في الإعلام الرقمي.
ويكتسب التدريب العملي، إلى جانب التعليم، أهمية كبيرة كعامل أساسي لنمو المواهب، وسوف تستفيد السوق من استخدام الخبراء المحترفين لأحدث التقنيات من أجل إنتاج محتوى ممتاز وبجودة عالية، ومن خلال الدعم المؤسسي لرعاية المواهب، وعبر التدريب التقني، مثل إنتاج الأفلام والمؤثرات ثلاثية الأبعاد وتطوير الألعاب وغيرها، ستتمكن الشركات من تحقيق زيادة كبيرة في إنتاجية وأداء المنتجين الإعلاميين العاملين على نطاق ضيق.
وبينت الدراسة أن نمو قطاع الإعلام يتطلب إحداث تغييرات لتعزيز عملية تطوير المحتوى عالي الجودة بشكل أفضل، ويشمل ذلك البنية التحتية بالإضافة إلى بيئة العمل. وعلى سبيل المثال، أصبح بإمكان شركات الإعلام العالمية تكثيف عملياتها في المنطقة بطريقة مبسطة وأقل تعقيداً بفضل المناطق الحرة وحاضنات الأعمال التي تأسست في المنطقة خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية. وفي ظل توفر مساحات في الاستديوهات، مع وجود أحدث التقنيات بالإضافة إلى شبكة الإنترنت السريعة ذات النطاق العريض، باتت تكلفة التأسيس والتشغيل أقل بالنسبة للشركات التي تريد البدء في عملية الإنتاج. كما توفر المدن الإعلامية، على غرار twofour54، بيئة قانونية مواتية، مع توفير حوافز كالضرائب وتسهيل الإجراءات مثل تأشيرات الدخول والحد من العراقيل الإدارية.
ويعاني المنتجون المستقلون في منطقة الشرق الأوسط من ندرة آليات تمويل المحتوى على غرار ما يتوفر في الأسواق المتقدمة. يشكل توفر القروض وآليات تمويل العجز المعروفة بالـ"ميزانين" " mezzanine" بالإضافة إلى التمويل المُجمع " Slate financing" عاملاً حيوياً في تلبية الطلب على المحتوى المحلي العربي المتميز
واختتمت سعادة الكعبي حديثها بالقول :" توفر بعض المدن الإعلامية، على غرار twofour54، فرص الحصول على التمويل المطلوب ، لكن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تصل بعد إلى آليات منظمة للحصول على التمويل مشابهة لما هو متوفر في الأسواق المتقدمة. فالتمويل يلعب دوراً حاسماً في تعزيز قدرة قطاع الإعلام ككل على مواكبة الطلب الهائل على المحتوى المحلي".