ولاية يوبي، أرض خضراء في الشمال النيجيري. في إحدى مناطقها الصناعية، حيث بوتيسكوم تقع مدرسة تعليمية للأولاد، اسمها الرسمي «المدرسة الثانوية الحكومية الشاملة للعلوم». في أحد أيام الصباح، طَلَبَ مدير المدرسة وخلال الطابور الصباحي من جميع الطلاب الإنصات لكلمة توجيهية. اصطف الطلاب بشكل طوعي وبأدب جَمْ.
وقبل أن يُغطِّي طَرفٌ عينَ أحدهم، غَمَرَ المكانَ دوي انفجار رهيب، مصحوباً بصوت رعدي يشبه أزيز طائرة مُنقَضَّة. كان مركزه قلب التجمع الطلابي. انجلت الغَبَرة وإذا بالمكان وكأنه مَسْلَخ. جثث يفوح منها بخار الشّواء، وقد تفحَّمت. وأجساد تتثاقل عبثاً للنهوض ثم تسقط مرة أخرى على الأرض ووجوهها مغطاة بالدماء، بينما آثر آخرون الاستغراق في أنين رخيم، يُكابد حشرجة في الحلق كي يخففوا من آلام الندوب والجروح الغائرة.
تذكرت وصف ماركيز للضحايا في روايته «خريف البطريرك»: «تمّ تقطيع الجثة إرباً إرباً، وعُرِضَ الرأس مُملّحاً بملح خشن في ساحة الأسلحة، والسّاق اليُمنى في الناحية الشرقية، واليُسرى في الغرب الذي لا حدود له من صحاري ملح البارود، وذراع في المرتفعات، والأخرى في الغابة». لقد ظهر أن فعل التطرف فاق حتى نهاية خيال البشر في الجريمة والقتل.
كانت حصيلة التفجير 47 قتيلاً من التلاميذ لا تزيد أعمارهم عن الستة عشر عاماً و79 جريحاً، بعضهم في حالة الخطر، وبعضهم قد يبقى ولكن بدون أطراف أو أعين أو قَسَمَات، بعد أن قام انتحاريٌ ذو نفس شريرة قبيحة، بتفجير حزام ناسف تزنَّر به وسط الطابور الصباحي. هكذا شَهِدَ مَنْ كانوا في الباحة وراقبوا المشهد. لقد قضى هذا الإرهابي على عشرات من البشر، كان يُمكن أن ينطوي عليهم هذا العالم الأكبر، مستقبلاً زاهراً لأسرهم وبلدهم بل وللإنسانية. قالت التحقيقات إن المجرم ينتمي إلى جماعة «بوكو حرام» الإرهابية.
كان ذلك الهجوم هو ثاني هجوم انتحاري إرهابي تشهده منطقة بوتيسكوم النيجيرية خلال ثمانية أيام فقط. وللذاكرة، فإنه وقبل تسعة أشهر من الآن كان مسلحون ينتمون إلى جماعة بوكو حرام قد دخلت إلى سكن طلابي بإحدى مدارس الولاية ذاتها، وولجت غرف الطلاب وقتلت 40 منهم وهم نيام. وبعدها بخمسة أشهر، دخلت بوكو حرام سكناً طلابياً آخر في الولاية أيضاً وقتلت وبشكل مروِّع 42 طالباً بالأسلحة والقنابل اليدوية.
وقد لا ينسى أحد هجوم شهر إبريل الشهير، عندما خَطَفَت الجماعة 276 طالبة من إحدى مدارس شيبوك بولاية بورنو شمال شرق نيجيريا، حيث تم بيع كثير منهن كإماء في أسواق نخاسة بالكاميرون ودول مجاورة لنيجيريا ببضعة دولارات، ولا يزال زهاء 219 منهن مجهولات المصير، في واحدة من أسوأ صور الإرهاب في العالم، وأشده إجراماً وحقداً.
الحقيقة، أنه وفي أحيان كثيرة، يُصبح التعبير عن الشيء بلا معنى. هي لحظة من لَحَظَات الزمن المر، حين يكتشف المرء، أنه بلا قدرة على التعبير المُفضِي إلى تغيير. فمن الأشياء التي تدفع إلى ذلك، هو الكتابة عن هذا العالَم البائس، الذي جعل فيه المتطرفون القَتَلَة الأفَّاكون، سبعة مليارات إنسان رهائن لتفكيرهم الناقص، وإجرامهم اللامحدود.
لقد صار القتل أقل الأفعال عناءً، وأخفهم وطأة على الضمير عند أولئك المجرمين. رغم أنه «مَنْ قتلَ نفْساً بِغيرِ نَفْسٍ أَو فسادٍ في الأَرضِ فكأَنَّما قتل الناسَ جميعاً ومَنْ أَحياها فكأَنَّما أَحيا الناسَ جميعاً» (المائدة، 32). لقد وَرَدَت كلمة «قَتَلَ/ قُتِلَ» في القرآن الكريم عشر مرات. وكلمة «قاتَل» مرة واحدة، وكلمة يقتل ثلاث مرات. ويقتلون خمس مرات. وفي كل موضع منها حديث.
لكن الذي يبدو أن أولئك المتطرفين لا يريدون أن يفهموا ذلك. فبأيِّ غير الله نحذرهم؟ وبأي كتابٍ غير القرآن نحاججهم به؟ وبأي لغة غير لغة العقل والضمير نخاطبهم بها؟ لقد شدّد القرآن الكريم على النفس التي وردت سبع مرات في القرآن: «وكتبنا عليهِمْ فيها أَنَّ النَّفْسَ بالنَّفْسِ» (المائدة، 45)؛ «ولا تقتلوا النفسَ التي حرَّمَ اللهُ» (الأنعام، 151)، وأيضاً (الإسراء، 33) «ولا يقْتُلُونَ النفسَ التي حَرَّمَ الهُة إِلا بالحقِّ» (الفرقان، 68)، فهل هؤلاء فعلاً ينتمون إلى الإسلام؟ بل السؤال الأكبر: هل هؤلاء فعلاً بشرٌ لهم حِسٌّ آدمي؟ مُحال أن يكونوا كذلك!
لقد مضى الزمن الذي يُقال عن هؤلاء «ضالون» أو أنهم أخطأوا في الاجتهاد أو التقدير، فهذا مجرد تنعيم وتخريج لهم، لأنهم أعداء لهذه الأمة وللإنسان بصورة عامة. فلا الضلالة تجعل النفس بهذه الدرجة من الانحطاط، ولا الاجتهاد الخاطئ يجعلهم كذلك. بل إن الحقيقة، تفترض أن يبحث المرء في أمراض نفسية جديدة، تلبَّست هؤلاء بأرواح شيطانية، حيث لا أمل في صلاحهم ولا فلاحهم ولا عودتهم إلى الآدمية والرشاد واردة، حيث قلوبهم الصدئة «أَفلا يتدبَّرونَ القرآنَ أَمْ على قلوب أَقْفالُها» (محمد، 24).
وربما وبعد كل هذا الفعل الأسوَد، لم يعد الأمل يَسَع نصيحة نورمان فينسنت بيل عندما قال: «لا تيأس، فعادة ما يكون آخر مفتاح في مجموعة المفاتيح هو المناسب لفتح الباب». عذراً يا بيل، فأقفال هؤلاء، لن يفك مزاليجها أي مفتاح، حتى لو بحثنا عنه في قاع البحر.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4454 - الأحد 16 نوفمبر 2014م الموافق 23 محرم 1436هـ
شكرا
أسلوبك الرائع امتزج بعظم المأساة
هؤلاء
الدواعش احفاد قتلة اهل البيت.
تصحيح
{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما} [الفرقان : 68]
ارهاب
ولماذا التلاميذ الاطفال هم الضحية والمقصودين دائما اليس هذا فيه شي غريب
هل يريدون قطع النسل ام الجهل للمجتمع
الخطوة الاولى
أول خطوات التصحيح هو تنقيح التراث من الدعوات الصريحة للقتل والطائفية
زائر 2 : لا حبيبي حسابك غلط
أنا سلفي و ضد بن لادن والزرقاوي والبغدادي و جماعة بكو حرام و ارهابيو الشيشان . فهؤلاء جميعاً في زمرة الخوارج (يعني إرهابيين)؛ أما كشمير فلا أعرف عنهم شيئاً!
كما أني ضد حزب الله وعصائب الحق و منظمة بدر و فيلق القدس و المنادين بالانتقام لثأر الحسين من أوناس لاعلاقة لهم بالجريمة، فهؤلاء جميعاً يقاتلون و يشردون شعباً أعزل!
انت
انت من الحالات النادرة لكن مناعتك ضعيفة و قابليتك للاصابة بالفيروس الداعشي قوية
ضدهم قي حيثية ام في كل قراءتهم للدين
هناك فرق بين رفض بعض السلوكيات و رفض المنهج ربما الاختلاف في موقفهم من الحكام و بقية اهل السنة بينما تتعاطف معهم حين يستهدفون الشيعة او المسيحيين او الملل الاخرى
لا علاقة بين حزب الله والارهاب
الإنسان الواعي يستطيع فهم أن حزب الله قد دافع كثيرا في دحر الإرهاب الصهيوني على لبنان والحوادث الأليمة السابقة تشهد قتل الكثير من المدنيين وقد ساهم حزب الله بقيادة حسن نصر الله في تحرير الجنوب، هذا ولم يتورط حزب الله في أي جرائم بعكس ما كانت تدلي به امريكا من تصريحات واتهامات بالإرهاب.
السبب واضح .
ابتعاد الامة المنكوبه عن الخط المستقيم وجريها وراء المال , حينما يبتعد الانسان عن منهج محمد وال محمد الضياع هو النتيجه الحتميه , وعجبي من اناس يمولون الوحوش المستاذبه والدمويه الامويه .
ام حسن
قست القلوب فأصبحت اشد قسوه من الحجاره
حاضنتهم لدينا هنا في الخليج
اذا لم تعالج حواضنهم هنا في الخليج فلن يقف قطار القتل
وصف جميل
وصف جميل ورائع استاذ محمد
ما هو الغذاء الفكري الذي يمد المنظمات االاسلاموية بالارهاب؟
جميع منظمات الارهاب الاسلاموي تدلل على شرعية جرائمها الارهابية بايات و احاديث نبوية و جميعهم ينتمون لمنهج ديني واحد هو السلفية . لا يحتاج الامر كثيرا لمعرفة الرابط بين الارهاب و السلفية . قد يقول قائل ليس كل سلفي ارهابي معم هذا صحيح ولكن كل سلفي مؤيد او متعاطف مع بن لادن و الزرقاوي و البغدادي و جماعة بكو حرام و ارهابيو الشيشان و كشمير
تبا و تبا
تبا لحضارة البشر المبنية منذ الازل علي قتل و ذبح و تعذيب البشر.