للمشاعر عدوى واضحة المفعول تصيب البشر يمكنها التغلب بسرعة فائقة على الحالة الأصلية للفرد، عدوى كتلك التي استخدمها قادة الجند سابقاً في إحدى المعارك للتغلب على عدوّهم؛ فهي كما تسهم في ارتقاء الفرد قد تكون سبباً في إلحاق الهزيمة والأذى به.
الفرح والسعادة هي المشاعر الأسرع تأثيراً وانتقالاً، وهي الأكثر انتشاراً والأسهل دلالة؛ إذ يكفي أن تسمع ضحكة طفل حتى تسرع في الابتسام لا شعورياً، ويكفي أن ترى من تحب سعداء كي تشعر بهذه السعادة. ولكن هنالك ما يشكل خطراً في هذي العدوى وهي مشاعر اليأس والإحباط التي قد تكون وسيلة لتحطيم الآخر بوعي أو لا وعي منا؛ فلليأس والإحباط قدرة غريبة على الانتقال بين البشر، وهي كمرض نقص المناعة تتمكن من أحلام الفرد وهمته حتى تقتلها، وما فائدة الواحد منا إن لم يكن قادراً على فتح نافذة الأمل ليدخل نورها فيضيء حياته ومن حوله؟!
مناسبة هذا الحديث هو ما يحدث لمعارفي في هذه الفترة؛ إذ بدأتُ بمقارنة مجموعاتي من الصديقات والأصدقاء كلٌ بحسب توجهاته وثقافته، ووجدت أن لدي مجموعة لم تتطور وما زالت أسيرة لما تربّت عليه من هواجس الخوف من التغيير والانطلاق نحو مستقبل مشرق، وما زال أكثر أفرادها محبوسين بداخل الواقع الروتيني في الحياة الاجتماعية والعملية والثقافية والاقتصادية، فلم يتغير حال أحد منهم منذ أكثر من عشر سنوات حتى على صعيدٍ واحدٍ مما ذكرت!!
في المقابل فقد تعرفت على إحدى المجموعات قبل أقل من خمس سنوات، وها هو الفرق واضحٌ اليوم بين حال كل فردٍ منها وحاله بداية معرفتي به؛ فقد دشّن كثيرٌ منهم مشروعاتهم التجارية الخاصة على اختلاف توجهاتها، وأنهى كثيرٌ منهم دراساته العليا أو التخصصية، وأسهموا جميعهم في أعمال تطوعية نوعية، وتغيرت شخصياتهم نحو الأفضل بدرجة كبيرة على رغم أنهم من فئات اجتماعية مختلفة اقتصادياً وثقافياً.
الفرق بين المجموعتين هو أن الأفراد في الأولى كانوا دائمي التذمر من حياتهم، ودائمي التحدث في كل ما يسهم في قتل ما بداخلهم من طموح، وكأن الله قد جمعهم من بين آلاف البشر لتشابههم في هذا الجانب، فيما كان أفراد المجموعة الثانية يتبادلون رسائل التحفيز والحديث عن الكتب أو التسجيلات الصوتية أو المرئة في جوانب الإبداع والأمل والعمل والخلق والتطوير، حتى صرت أتلهف لقراءة ما يكتب في تلك المجموعة عبر أحد برامج التواصل لأنني أكون على ثقة بوجود ما سيفيدني ولن يضيّع وقتي كما تفعل أكثر الرسائل التي نستلمها يومياً عبر هذي البرامج.
عوداً إلى المشاعر المعدية، فالكثير من إحباطاتنا وسعادتنا وأملنا وبالتالي الكثير من عملنا اليومي هو نتاج لعدوى أصبنا بها من أحد أصدقائنا أو أحد أفراد عائلتنا لذا علينا أن نختار جيداً من نصاحب وإلى من نستمع وماذا ننقل للآخرين قبل ما نستقبله منهم.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4452 - الجمعة 14 نوفمبر 2014م الموافق 21 محرم 1436هـ
التربية والخلفية الفكرية
صباح الخير والسعادة استاذه، مقالك يعالج مشكلة يعاني منها الكثير من افراد المجتمع. اعتقد ان التربية في المنزل وحتى في المدرسة وكذلك الخلفيية الثقافية لهما دور كبير في صقل مهارات الفرد وسلوكه في المجتمع وكذلك العمل. كثير من الاشخاص ناجحون ومتفوقون، لكنهم يعانون من الحساسية المفرطة وسرعة الإحباط لأبسط موقف قد يتعرضون له، لأنهم يتوقعون ان كل ما يفكرون فيه لا بد ان يتحقق ولا يتحملون حتى الإختلاف مع الآخرين، كما لا يتحملون النقد، واذا اخطأوا لا يعتذرون عن خطأهم.