تحت ستار الليل المخيف المرعب، هرب «مراد الشبكي» مع أسرته من مدينة «نينوى» وهم في حالة شديدة من الخوف والجوع والعطش والبكاء والمرض والحيرة! هل يتجهون إلى «دهوك» شمالًا أم إلى «سامراء» ثم «بغداد» جنوباً والموت ذاته يترصدهم في كل الاتجاهات على أيدي عصابات «داعش» التي هجمت على مدينة «الموصل» في أوائل شهر يونيو/ حزيران 2014.
يفتكون بالناس فتكاً!
السؤال في غاية الصعوبة، لكن بكل أسىً وألم، لم يتمكن «مراد» من السيطرة على دموعه وهو يستذكر ذلك الشريط الموجع لليلة الهروب، فما كان الأمر ليتم لولا أن دفع إلى ثلاثة عراقيين من أهل مدينة الموصل من المتعاونين من «داعش» مبلغاً كبيراً من المال وبضع مصوغات من الذهب ليحملوهم في شاحنة ذات ست عجلات إلى مشارف مدينة «سامراء» وسط نيران وقذائف ورصاص يتناثر بين الفينة والأخرى هنا وهناك... «لقد نجوت وعائلتي من الموت... رأينا عدداً من المسيحيين والشبك والتركمان والإيزيديين يقعون تحت أيدي المجرمين... إنهم بلا رحمة... يفتكون بالناس فتكاً... منظر الدماء بهذا الحجم... أراه لأول مرة في حياتي»... هكذا تحدث «مراد» البالغ من العمر 48 عاماً والدموع لم تبارح عيناه، لكن مصيبة كبرى هونت مصيبته كما يصف... لقد شاهد الآلاف من أهل الموصل يزحفون في اتجاه سامراء... نساءً ورجالاً... صغاراً وكباراً... وحولهم تنتشر رائحة الموت ومشاهد الذبح وشفرات الخناجر والسكاكين وهي تحز النحور.
في مخيم للنازحين
المشهد يقطع القلوب! هنا، ونحن نتواجد في مخيم للنازحين في الطريق الواصل بين سامراء وبغداد ماراً بالضلوعية اتجاه ناحية «الثرثار»، يصاب القلم بالعجز وربما يترك المهمة لعدسات الكاميرا كي تلتقط صوراً أسوأ وأبشع وأقبح جرائم الإرهابيين والتكفيريين... الآلاف من العراقيين، من كل الطوائف، يتكدسون في خيام صغيرة أو في مبان تم إفراغها لإيوائهم فيما يتوسد المئات الأرض على قطع من القماش أو الورق... «مراد»، ليس سوى مواطن عراقي رأى وطنه يُسلب أمامه، ومثل حكايته، هناك آلاف الحكايات يمكن قراءتها في آلاف الوجوه الحزينة... الباكية... المكسوة بالرعب والوجل والرجفة التي نراها هنا... ونرى معها مئات الأطفال والناشئة والشباب من الجنسين... مشهدٌ بالغ الضراوة الوجع... لكن «تبقى الإنسانية» هي الصورة الأكثر نقاءً وبياضاً... فبين حشود النازحين، تشع في الوجوه بضع ابتسامات في لحظات العناق ومفردات الكلام الجميل ومشاعر الطمأنينة من مئات العراقيين الشباب المتطوعين الذين توافدوا من سامراء وبغداد ونواحيها القريبة وهم يحملون معهم ما تيسر من مساعدات غذائية ومستلزمات وأدوية... وكأنهم يستضيفون أهلهم بالمواساة وإشاعة التفاؤل والأمل في وضع ينبئ بكارثة عظيمة على الوطن.
الأقليات في «عهد الذمة»
اليوم هو الخامس والعشرين من شهر أغسطس/ آب 2014، والأنباء تشير إلى أن المعارك تشتد في الضلوعية ونينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى وتحمل معها المزيد من الخوف لا سيما بين النازحين، فيما الجهات الرسمية والأمنية العراقية ومؤسسات أهلية ومتطوعين تجاوزوا كل عقبات القلق ليركزوا خطة عملهم في الاستعداد للمزيد من النازحين، وبالتالي، العمل على توفير الأطنان من المساعدات الغذائية والمستلزمات... ممثل مجلس الأقليات العراقية محمد الشبكي الذي ساهم مشكوراً في ترتيب الجولة الميدانية العصيبة، وكذلك ممثلين عن هيئة المرقدين الشريفين في سامراء، كانوا على أهبة الاستعداد لمساندتنا في مهمة مخاطبة العالم بشيء يسير من ما يتعرض له الأقليات في «عهد الذمة» الذي أسمته عصابات «داعش»، لإخضاع العراقيين من الديانات المسيحية والإيزيدية وكذلك العرقيات من الشبك والتركمان بل ومن السنة والشيعة، لسطوة إجرامهم وهذيانهم ووحشيتهم لنزف الدماء وسلب وطن بإسم الإسلام البريء من جاهليتهم.
وأشد من حكاية «مراد» وأقسى... تتوالى حكايات النازحين الناجين من النحر... هاهنا، قصة هروب مفجعة للشاب «يحيى» الذي نزح من «تلعفر» مع مجموعات من الشبك والتركمان نحو سهل نينوى في حالة مأسوية للغاية لنقص المواد الغذائية والماء وضياع الاستغاثات مع الرياح كما يصف... يقول يحيى البالغ من العمر 23 عاماً: «وضع داعشي شاب في مثل عمري تقريباً السكين الحادة على رقبتي بشدة (يشير إلى موضع السكين ولا يزال الجرح واضحاً)... وقتذاك سلمت أمري لله وقرأت الشهادتين وتهيأت للموت... ماذا أفعل بالحياة فأنا لا أدري ما الذي حل بأمي وأبي وإخوتي وأهلي... (وطني ذا أباوع عليه ضايع)... يبكي بشدة... سألني عن ديني ولأي طائفة أنتمي فقلت له بأنني مسيحي وبالأمس فقط أشهرت إسلامي... فأبعد عني السكين وطلب مني مرافقته إلى (الأمير الشرعي)... في تلك اللحظة، وكانت مدينة الموصل ميدان حرب ضارية، اضطرب المكان بإطلاق قذيفة فركض الجميع وأنا معهم حتى اندسست بين أعداد من الناس وهي تجري وهربت، لكنني رأيت في الطريق حوالى 5 جثث لمواطنين أبرياء... في «أمركان» وهي قرية شبكية، قال لي بعض الهاربين مثلي ونحن نتجاذب الحديث في هذا المخيم إنهم رأوا عصابات نهب وقتل لم يروها حتى في أبشع أفلام الإجرام».
هكذا رأيت الإسلام؟
كان الصحافي السويدي ريد مانستون يجري لقاءات مع عدد من العوائل النازحة من المدن الشمالية التي استضافتها العتبات المقدسة في مدينة كربلاء ووفرت لهم المضائف وأماكن الإيواء المهيأة، وكان يرصد عمليات الإغاثة الإنسانية بحضور عدد من المسئولين في وزارة حقوق الإنسان ومجلس الأقليات العراقية... يقدم مانستون شهادته باختصار: «هكذا رأيت الإسلام بسماحته وإنسانيته... أرى المئات من المتطوعين الذين يسارعون لإغاثة مواطنيهم الهاربين من جحيم (داعش)... فتحوا لهم بيوتهم وتسابقوا لمساعدتهم... أما (داعش) فهي وحش يعادي الإنسانية».
ويتحدث عن التقارير التي كتبها وصورها بكل مرارة، فينقل أنه سمع وشاهد عمليات قتل بشعة للغاية وتدمير واختطاف تقوم بها عصابات «داعش» في الموصل وباختصار يقول: «بيوت الأقليات، ومنهم الشبك والشيعة والمسيحيين والسنة الشرفاء في الموصل والإيزيديين على وجه الخصوص... كانوا يضعون عليها علامة تمهيداً للهجوم عليها بأبشع الهجمات الوحشية التي لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بالإنسانية... إنهم (داعش).. بالفعل وحوش ضارية».
أبشع الجرائم في الموصل
الأقليات في العراق عاشت في وئام وسلام منذ آلاف السنين، لا سيما في محافظة نينوى كما يقول ممثل وزارة حقوق الإنسان حسين الزاهري الذي كشف عن تقارير تؤكد وقوع أبشع الجرائم في المحافظة وخصوصاً في مدينة الموصل، وتم إعدام الكثيرين من أبناء الأقليات العرقية والدينية على يد عصابات (داعش) والمجاميع الإرهابية والبعثية المرتبطة بها من جنسيات خليجية وعربية وإسلامية وأجنبية، فما شأنهم بالعراق؟.
ولكن، هل صحيح أن وزارة حقوق الإنسان طالبت أولئك المجرمين بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني وتوفر حماية للمدنيين الخاضعة في مناطق سيطرتهم والوزارة تعلم أنهم لن يفعلوا؟ يجيب الزاهري: «الشواهد تؤكد هجوم الدواعش على المدنيين من مختلف الشرائح وتنتقهم منهم وفقاً لمذاهبهم وخلفياتهم العرقية أو معتقداتهم الدينية وهذه جريمة ضد الإنسانية... نحن ندرك أنهم لن يفعلوا»، موضحاً أن عملنا بالتعاون مع مؤسسات حكومية وأهلية في مختلف مناطق العراق ينصب على تلبية الاحتياجات الإنسانية، ولله الحمد، هناك صورة إنسانية حضارية إسلامية مشرقة ومشرفة للشعب العراقي».
جزية... إسلام... أو الموت!
«نحن الآن في سلام وأمان بين أهلنا العراقيين أهل بغداد... لكن الوطن كله ليس في سلام»... رأى بول كوركسي، وهو عراقي مسيحي نازح من مدينة الموصل، الموت مرات عديدة، لكنه يستذكر حال الأسر المسيحية حينما هجم (وحوش داعش) على المدينة فيقول: «كانت صدمتنا كبيرة للغاية... قالوا لنا إما أن تدخلوا في الإسلام أو تدفعون الجزية كل شهر أو تغادرون المدينة، ومن لن يفعل فمصيره الموت... مسيحيون نحن ونحب أهلنا المسلمين، لكننا سنبقى على ديانتنا... إذن، لابد من الهرب، ومع ذلك، تعرضنا للموت في الطريق وأنقذنا أمر واحد منه ألا وهو: هستيريا الدواعش في السلب والنهب».
ويحمل العرفان والجميل للهيئات الإسلامية ووزارة حقوق الإنسان ومجلس الأقليات وكذلك أهالي بغداد لاستضافتهم بكل وطنية وإنسانية وكرم، وأصلًا تقديره إلى قسم الإغثة بالجمعية الخيرية الآشورية الذين وجدوا أنفسهم أمام مأساة إنسانية ليس للمسيحيين فقط، بل لكل الديانات والأعراق والقوميات.
كارثة... «هائلة»!
تعرف منسقة مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة إلى العراق سارا كايف أنه تاريخياً، تعايشت الأقليات الدينية والمذهبية والقومية كالتركمان والأرمن والشبك والإيزيديين والصابئة والمسيحيين والأكراد والآشوريين... لكنها ترى اليوم كارثة هائلة البشاعة، وتلفت إلى أن البيانات الإحصائية تشير إلى وجود حوالى مليون و800 ألف نازح يمثل منهم الأطفال العدد الأكبر، وأن خطة المساعدات الإنسانية تتطلب 2.2 مليار دولار لا سيما وأن الأزمة ستتضاعف مع حلول فصل الشتاء».
وتعبر عن سعادتها لتكاتف الشعب العراقي، ومشاركة بعض الجنسيات الخليجية والعربية والإسلامية في تقديم ما أمكن من دعم مع أنها ترى ضرورة أن يكون لمنظمة التعاون الإسلامي ودول مجلس التعاون دوراً أكبر... فهناك جنسيات عربية وإسلامية وأجنبية تشارك بالسلاح لسفك الدماء، في المقابل، هناك جنسيات تشارك في تقديم وجبة طيبة أو لحاف دافئ أو جرعة حليب لطفل يصارع الموت.
«جرعة حليب لطفل يصارع الموت»... قد تصيغ هذه العبارة في حد ذاتها «ملحمة» لأولئك الذين يضحون بأنفسهم من أجل إغاثة الملهوف والخائف والمشرد... هي صورة جميلة تتداخل فيها مشاهد عديدة بلون الوجع والأسى والحزن في مخيمات النازحين... تشاهد بأم عينيك كيف فتكت الذئاب البشرية بأبناء وطن عريق... كأنها تعيد هوس الانتقام الجاهلي لتدمر كل ما هو جميل في الحياة: «الحب... الإنسانية... حرية الدين والمعتقد... حرية الإنسان... حقه في الحياة والعيش الكريم»، لكن التاريخ سيسجل أن مدينةً كانت رمزاً للتسامح والتعايش بين كل أجناس البشر في بلاد الرافدين إسمها «الموصل»... هرب منها 800 ألف بني آدم هرباً من «نحر الرقاب».
العدد 4451 - الخميس 13 نوفمبر 2014م الموافق 20 محرم 1436هـ
اشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.. الدواعش أعداء الله لعنهم الله
اللعنة على الدواعش أعداء الله
العنة على الدواعش أعداء الله
اللعنة على الدواعش أعداء الله
اللعنة على الدواعش أعداء الله
العنة على الدواعش أعداء الله
اللعنة على الدواعش أعداء الله
مات ضمير الدواعش
مات الضمير لدى الدواعش واتباعهم ومن يدعمهم ويمولهم.. الله أكبر عليهم.. الله أكبر عليهم.. الله أكبر عليهم... كلنا أمل في الله سبحانه وتعالى أن ينتصر الحق ويعود العراق وتعود سوريا واليمن ولبنان وكل بلاد المسلمين إلى الأمن والأمان والنعم بعون الله سبحانه وتعالى.
مواطن بسيط؟
رغم الجراح ورغم الأسى سيبقى العراق مرفوع الرأس شامخ في وجه كل من يريد له الشر ، ولكي لا أنسى نحن العراق و العراق نحن .
كلنا العراق يا زائر 1
احسنت أخي زائر واحد.. بويه هاي احنه شعب العراق.. كلنا العراق.. والله الجراحات هوايه عضيمة لكن هم احنه أهل البلد وبعون الله نفداه.. الشكر لصحيفة الوسط البحرينية نقلت صورة حقيقية من معاناتنا..