في العام 1936 كانت انطلاقة أول تعليم صناعي ليس في البحرين فحسب، بل في منطقة الخليج العربي؛ ذلك يعني مرور 78 عاماً على انطلاقته؛ في الوقت الذي لم يكن فيه التعليم في دول الجوار قد حقق انتشاراً، أو لم يعرف الانتظام أساساً؛ باستثناء المشاريع الخاصة التي تصدى لها الخيّرون، ولكنها سرعان ما انتهت أو تراجعت، وكانت مشاريع في صورها الأولية والبدائية القائمة على تعلّم قراءة القرآن الكريم، والكتابة والحساب في بعض الأحيان.
مرَّ أحد عشر عاماً منذ صدور الكتاب/ المجلَّد «تاريخ التعليم الصناعي في مملكة البحرين... من الثلاثينيات إلى مطلع الألفية الثالثة»، والذي أعدَّ فكرته وأبرزه معهد الشيخ خليفة بن سلمان للتكنولوجيا، من خلال محمود شراقه، وأعضاء فريق البحث، عبدالرحمن الشيخ، وإبراهيم مرشد، من مدرسة الشيخ عبدالله بن عيسى الصناعية، وطه القلداري، من إدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم.
الكتاب يبدأ بإضاءة لتاريخ التعليم الصناعي في دول الخليج العربي، وبتتبّع تلك الإضاءة يمكن الوقوف على الريادة في هذا المجال الذي عرفت به البحرين في كثير من المجالات.
كانت البداية في العام 1936، بوضع اللبنات الأولى للتعليم الصناعي؛ إذ تمّت إضافة فرع تعليم النجارة إلى كل من مدرستي الهداية بالمحرق، والمدرسة الغربية بالمنامة، وذلك على مستوى محدود؛ لتتم في العام 1937 إضافة فرعين جديدين هما «البرادة والحدادة».
كانت المملكة العربية السعودية على موعد في العام 1949، مع بدء المحاولة الأولى لإدخال التعليم الصناعي في البلاد؛ أي بعد 13 عاماً من انطلاقته في البحرين، وكان ذلك في مدينة جدَّة بإنشاء أول مدرسة متوسطة صناعية، ليرتفع عدد المدارس الصناعية إلى 8 مدارس بالوصول إلى العام 1966.
جاءت الكويت ثالث الدول في بدء التعليم الصناعي، وذلك في العام الدراسي 1954 - 1955، بإنشاء الكلية الصناعية التي توزعت بين وزارات التربية والأشغال والدفاع والشئون الاجتماعية والبريد والبرق والهاتف، التي أنشأت كل منها مدرسة أو معهداً أو مركزاً للتدريب.
أما دولة قطر فيرجع تاريخ إنشاء المدرسة الصناعية فيها، كمركز تدريب إلى العام 1956، لتتحول في العام 1960 إلى إعدادية صناعية في العام 1976، وصولاً إلى الثانوية الصناعية بعد ذلك التاريخ.
كانت إمارة الشارقة الرائدة في التعليم الصناعي قبل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971؛ إذ بدأ في الإمارة العام 1958، لتتبعها المدرسة الصناعية في دبي في العام 1964، ثم رأس الخيمة في العام 1969.
وبالنسبة إلى سلطنة عُمان وبحكم الظرف السياسي وطبيعة الحكم ما قبل مجيء السلطان قابوس بن سعيد آل تيمور إلى الحكم في العام 1970، لم يعرف التعليم النظامي انتشاراً في السلطنة عموماً؛ ناهيك عن التعليم الصناعي؛ لذا جاء تأسيسه متأخراً مقارنة مع دول الخليج الأخرى، حين بدأ إنشاء مركز للتدريب المهني (صناعي - تجاري)، تابع إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية في العام 1975، ليكون الترسيخ الفعلي لهذا النوع من التعليم بدءاً من العام 1976 وصولاً إلى 1980، بإنشاء عدد من المدارس الثانوية الصناعية تغطي أهم ولايات السلطنة وما جاورها.
الروَّاد الأوائل
منذ أن ترأس الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة الإدارة الخيرية للتعليم في الفترة ما بين 1919 و1954، وتشكيل مجلس إدارته المكون من: الشيخ عبدالوهاب الزياني، يوسف فخرو، عبدالرحمن محمد الزياني، عبدالعزيز القصيبي، عبدالرحمن الوزان، عبدالرحمن عبدالوهاب الزياني، محمد صباح البنعلي، والشيخ محمد صالح خنجي، والتعليم النظامي يتجه نحو تأسيس مستوعب للاحتياجات والإمكانات وبأسلوب إداري يظل سابقاً في أدائه على جميع دول المنطقة.
تعاقبت على ترسيخ التعليم النظامي طاقات وكفاءات عربية وأجنبية تسلّمت إدارة المعارف وقتها (وزارة التربية والتعليم)، بدءاً من فائق إبراهيم أدهم (1930 - 1939)، وهو من أهالي صيدا في لبنان، وأدريان فالنس (1939 - 1941)، واستقدمته حكومة البحرين من إدارة التعليم في العراق، والمستر ووكلن (1941 - 1945)، وقد تم ترشيحه من قبل المجلس البريطاني في القاهرة، وصولاً إلى المستر ويلي (1945)، وظل بضعة أسابيع في البحرين وغادرها لأسباب صحية، ليظل منصب مدير التعليم شاغراً إلى العام 1946، بتعيين أحمد العمران مديراً للمعارف بالنيابة.
مديرو مدرسة المنامة الصناعية
تعاقب على مدرسة الصناعة الحكومية (مدرسة المنامة الصناعية فيما بعد) للفترة ما بين 1936 و1987، عشرة مديرين بدأت بأجانب وصولاً إلى الكفاءات البحرينية وقتها وهم: دبليو. بي. استيل (1936 - 1939)، عبدالرحمن جمال الدين (1939 - 1940)، جي. إي. هتشنجز (1941-1945)، سعيد طبارة (1945 - 1968)، أحمد الشوملي (1968 - 1972)، إبراهيم جمال الهاشمي (1972 - 1975)، سيدسعيد سيدحسن (1976 - 1979)، علي يوسف أحمد (1980 - 1981)، عبدالرحمن محمد صالح (1981 - 1982)، ومحمد سلمان كمال (1982 - 1987).
تقارير بلجريف
حظي التعليم باهتمام كبير من قبل مستشار الحكومة تشارلز بلجريف؛ وهو أول من عمل على تطوير وتعميق البنية التحتية له، ويتضح ذلك من خلال متابعته المستمرة والتقارير التي يتلقاها أو تلك التي يرفعها إلى الحكومة.
ففي تقرير له كتبه في مارس/ آذار 1936 - 1937، يتناول مدرسة المنامة والورشة التعليمية، يشير إلى تاريخ بنائها متزامناً مع بناء مدرسة صغيرة في الخميس بلغت كلفتها 3900 روبية.
وتفصيلاً لما تحويه مدرسة المنامة من صفوف يشير إلى أنها عشرة تتسع لـ300 طالب؛ أي باستيعاب 30 طالباً لكل صف، إضافة إلى قاعة كبيرة تتسع لـ 600 طالب.
15 روبية مكافأة للطالب
يشير بلجريف في تقاريره إلى أن تقدُّماً ملحوظاً حصل في المدرسة الصناعية في العام 1937، وذلك ببناء ورشة عمل أمام المدرسة لأعمال النجارة والحدادة، ويضم كل فصل ستة طلاب في الفصلين، إضافة إلى ستة طلاب في فصل النجارة بالمحرق. تم تحديد المقرر الدراسي لمدة سنتين، وكحافز لتشجيع الطلاب على الالتحاق بالمدرسة قررت الحكومة صرف مكافأة شهرية لطلاب المدرسة تصل إلى 15 روبية شهرياً، 10 روبيات شهرياً والباقي عند انتهاء المقرر. وتم إدخال نظام توفير المبلغ كي يتاح للطلاب بدء حياتهم العملية بتأسيس مشروعات خاصة بهم.
البعثة التعليمية الكويتية
طالت تجربة التعليم الصناعي في مملكة البحرين الأشقاء في دول المنطقة؛ وخصوصاً دولة الكويت التي أرسلت ثلاث بعثات تعليمية إليها، وتخرَّج من مدرستها عدد ممن تسلموا مناصب مهمة أو أخذوا طريقهم في عالم المال والأعمال، وكانوا من المُبرزين والمؤثرين في الحياة في بلادهم، بالقطاعات التي عملوا بها، وتعدّدت لتشمل قطاعات مختلفة.
يشير الكتاب إلى قيام المعتمد البريطاني في الكويت جالوي، بإرسال طلب مؤرخ في 20 يوليو/تموز 1940، إلى نظيره في البحرين، وايت مان، يعلن فيه رغبة السلطات الكويتية في إرسال ثلاثة أو أربعة طلاب للدراسة في كلية الصناعة في البحرين، حصل في الرد تسويف من قبل جالوي، ما استدعى إلى تكرار المراسلة التي تمت الموافقة على محتواها.
ومن بين الذين تخرّجوا من المدرسة الصناعية بالمنامة من أبناء الكويت: عقاب محمد الخطيب، خالد عبدالكريم الغربلّلي، شيخان أحمد الفارسي، حبيب يعقوب شمّاس إبراهيم، بدر أحمد الحداد، وصالح جاسم شهاب.
إعادة التنظيم الأولى للمدرسة
في الكتاب إشارة إلى زيارة مدير مدرسة بغداد الصناعية جي.إي. هتشنجز، إلى البحرين، في مارس 1940 حيث تقدم بتقرير لإعادة تنظيم مدرسة الصناعة، وبعد عرضه على المدير الإداري لشركة نفط البحرين، أثنى عليه، وقسّمت ساعات التعليم النظري والتدريب العملي بالورشة بنظام الساعات لكل أسبوع، على النحو الآتي:
بالنسبة إلى فصول السنة الأولى، تحتوي الدراسة فيها على اللغة الإنجليزية التي خُصِّصت لها 5 ساعات أسبوعياً، والرياضيات، 3 ساعات، ورسم، 4 ساعات، وأصول صناعة، 3 ساعات، بمجموع 18 ساعة أسبوعياً.
أما فصول السنة الثانية، فتتضمَّن المواد: اللغة الإنجليزية، 3 ساعات، رياضيات، 3 ساعات، رسم، 4 ساعات، أصول صناعة، 3 ساعات، وبمجموع 20 ساعة أسبوعياً.
كلفة الأجهزة
في العام 1942، وبحسب الكتاب، تم شراء أجهزة وآلات بمبلغ 26000 روبية للمدرسة أغلبها من بومباي، وبأسعار مرتفعة بسبب ظروف الحرب، أما عن قطع الأثاث فتمت صناعتها في المدرسة نفسها. كما تم التعاقد مع مؤسسات الحكومة لصناعة الأثاث اللازم، وبلغت الكلفة الإجمالية 3000 روبية، 40 في المئة عبارة عن سعر المواد اللازمة، و35 في المئة كلفة العمل إلى جانب 8 في المئة هي عبارة عن أرباح، و16 في المئة مقابل نقل وما يتبعه.
تعاطف مع رواتب السوريين
بعد أن تم التعاقد مع مدير مدرسة بغداد الصناعية جي.إي. هتشنجز، لإدارة مدرسة الصناعة رفع مذكرة إلى مستشار الحكومة في 27 ديسمبر/ كانون الأول 1942، يبدي فيها تعاطفه مع طلب المدرسين السوريين، لزيادة رواتبهم مؤقتاً نظراً إلى الارتفاع الشديد لكلفة المعيشة، وشمل الاقتراح الأُسَر التي لا يزيد دخلها على 250 روبية شهرياً، مع تبيان لعادات وطبيعة طعامهم وارتفاع إنفاقهم مقارنة حتى بكبار الموظفين في البلد، وإشارة إلى أنه في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار صار من الصعب على المدرسين توفير الطعام لأسرهم في إجازة الصيف وكلفة سفرهم وإقامتهم في سورية الصيف الماضي (1941)، والتي كانت مضاعفة، مع مطالبتهم باعتبار إجازاتهم كجزء أساسي من خدمتهم.
العام 1955 لم يتخرَّج أحد!
ضمن تقرير «معارف» حكومة البحرين في العام 1954 - 1955، الذي قدّمه مدير المدرسة سعيد طبارة، كانت المدرسة في يناير/ كانون الثاني 1955، تضم 75 طالباً، بينهم 23 في فصول النجارة و52 في قسم الميكانيكا والحدادة، إلى جانب 12 من طلاب «بابكو» الذين انتظموا في فصول دراسية من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 حتى أبريل/ نيسان 1955.
شهد العام 1955، ضمن التقرير، عدم تخرّج أي من طلاب مدرسة الصناعة، لأن طلاب السنة الثالثة غادروها في العام 1953 بعد حصولهم على وظائف للعمل في المملكة العربية السعودية؛ ما دفع المدرسة إلى إلغاء الفصل الرابع في العام 1953 لعدم وجود طلاب.
مدرسة جدحفص الصناعية
ظلت مدرسة الصناعة الثانوية بالمنامة هي المدرسة الوحيدة في هذا المجال حتى العام 1969، ونظراً إلى تزايد الإقبال على هذا النوع من التعليم، وعدم قدرة المدرسة على استيعاب الأعداد الراغبة في الالتحاق بالتعليم الصناعي، افتتحت الدولة في العام نفسه (1969) مدرسة جدحفص الصناعية، تضمنت أقسام: الآلات والبرادة، السيارات، اللحام والحدادة، الكهرباء، نجارة الأثاث والديكور، كما ألحق بها مركز للتدريب المهني المسائي شمل الأقسام المذكورة.
وتم توزيع طلاب الدفعة الأولى على النحو الآتي: الحدادة واللحام (17 طالباً)، السيارات (19 طالباً)، الآلات والبرادة (13 طالباً)، الكهرباء (20 طالباً)، ونجارة الأثاث والديكور (9 طلاب).
تعاقب على إدارة المدرسة 5 مديرين حتى وقت إصدار الكتاب وهم: سيد سعيد سيد أحمد (1969 - 1975)، يوسف أحمد مطر (1975 - 1988)، علي عبدالله السبع (1988 - 1996)، عبدالحميد بوجيري (1996 - 1998)، حسن أمين (1998 - 2004)، وعبدالرضا حسين (2004).
مؤتمر تطوير التعليم الصناعي
في سبيل الأخذ بالتجربة إلى مزيد من التعميق والاستفادة من خبرات الدول الأخرى، وتقديم ما توصلت إليه البحرين من خبرات أيضاً بحكم الممارسة والتجربة الطويلة، شهد العام 1972، وتحديداً في الفترة ما بين 8 و 13 أبريل، قيام مؤتمر التعليم الصناعي، وكرمز للمكان الذي تم فيه تأسيس التجربة، عقد في مدرسة المنامة الثانوية الصناعية، وحضره ممثلون عن كل من: البحرين، كلية الخليج الصناعية، أبوظبي، قطر، عُمان، المجلس الثقافي البريطاني، مؤسسة التنمية البريطانية لما وراء البحار، إضافة إلى الشركات والمؤسسات الصناعية، ومندوب عن كلية بولتن التقنية.
احتوى الكتاب متابعة إلى ما بعد تأسيس مدرسة جدحفص الصناعية، والأنشطة وإحصاءات بعدد الطلاب الملتحقين والمتخرجين، والأنشطة والفعاليات التي رافقت تلك المسيرة المبكرة من التعليم الذي أسست له البحرين.
العدد 4450 - الأربعاء 12 نوفمبر 2014م الموافق 19 محرم 1436هـ
هم طويل الأمد
لا يكفي التفاخر بالماضي والمقياس هو الحاضر وما جنته من ثمر المقطوف
لن يكون حلو الطعم إلا إذا كان من ظفر وجلد وعظم ودم أبناء الوطن الأصليين
لايجدي البكاء على الأطلال
ليس هذا فخرا
عليكم بتطوير المدارس وأعاده بنائها قبل أن تتفاخروا ياوزارة التربية بتاريخها المستمر بالعطاء
هنالك الكثير من المدارس القديمة فالتخصص ميزانية من أجل تطويرها
مع جزيل االشكر لوزارة التربية والتعليم على تطوير المناهج