العدد 4445 - الجمعة 07 نوفمبر 2014م الموافق 14 محرم 1436هـ

كلايف جيمس الذي لم يسترح قلمه حتى في مواجهة الموت

يعاني من سرطان الدم وفشل كلوي...

كلايف جيمس
كلايف جيمس

أن تكون كاتباً متعدد الاهتمامات. لك حضورك الممتد إلى ما بعد المكان التي تنجز منه ذلك التعدّد، نقداً وشعراً وترجمة، وأدب رحلات، وسيراً ذاتية، وأعمالاً وبرامج ترفيهية تلفزيونية وسينمائية، وفي الوقت نفسه بينك وبين التخوم النهائية للموت مسافة قد تتقلّص في أية لحظة؛ ومع ذلك لا تترك فرصة لذلك الموت كي يخرّب ممارستك تلك. كي يخرّب الأسلوب الذي تعاطيت به مع تلك الكتابة خصوصاً، والحياة عموماً. كأنك تمارس احتيالاً أو خديعة؛ وأحياناً تجاهلاً أو تهكّماً على الموت ذاك، لتحدِّد أنت التخوم التي لا تريد نهاية لها لأنك لا تريد أن تتوقف.

ليس الأسترالي كلايف جيمس وحده في هذا العالم الذي تعاطى مع الموت وحقيقته بتلك الصلابة والثبات، واستمرار اعتياده على غزارة الإنتاج، وعلى أكثر من صعيد ومستوى: في النقد والشعر والترجمة والكتابة إلى الإذاعة والتلفزيون؛ عدا البرامج التي أدارها، أو تلك التي كان ضيفاً عليها.

أوضح التشخيص الأخير إصابته بسرطان الدم، وهو مرض لا يعرف المزاح! هل ذلك فحسب؟ لا. تبع ذلك تعرّضه لمضاعفات تمثلت في انتفاخ رئوي وفشل كلوي، مع ذلك هو يشعر بالإثارة في انتظار رؤية مجموعته الشعرية الجديدة التي أخذت طريقها إلى النشر، والمقرر أن تكون بين يدي القرَّاء في العام المقبل (2015)، في الوقت الذي انتهى من كتاب آخر هو عبارة عن مذكرات.

جيمس عايش تجربة من يتلوّى ألماً. ليست أي تجربة لشخص عادي أو عابر. إنها أمه. وصف تلك التجربة بالقول: «كنت أشاهد القوَّة الكاملة لليأس البشري»! بما لليأس من قدرة مدمّرة للطاقة المرعبة التي يملكها الإنسان.

صحيفة «نيويورك تايمز»، نشرت تقريراً مطوّلاً يوم الجمعة (31 أكتوبر/تشرين الأول 2014)، تناولت فيه جانباً من سيرته، وشذرات من لقاءاته الصحافية، إضافة إلى تصريحات في مناسبات مختلفة، نورد الجانب الأهم من التقرير، مع قليل من التصرّف.

سأفتقد الإهانات

المؤلف والناقد والمذيع والشاعر والمترجم وكاتب المذكرات كلايف جيمس يُحتَضَر، لكنه يظل جميل المحيَّا في حضوره؛ على رغم الحال التي هو عليها. الرجل الذي شق طريقه من الفقر، والمكان الذي لم يكن يحوي صرفاً صحياً في ضواحي العاصمة الأسترالية (سيدني)، ليصبح الكاتب والفنان والشخصية المحبَّبة في الحياة البريطانية. لا يتردّد في القول، إنه يمكنه النظر إلى الوراء بدهشة وتسلية، ويتطلع إلى كل ذلك على رغم تناقضاته بعين حادّة.

حين سُئل عمّا سيفتقده من الحياة العادية أجاب «سأفتقد كل شيء، للأسف، حتى الخطوات والمبادرات الخاطئة وكذلك الإهانات». على الجانب الآخر أرى أن «بعض الحرْمان سينتهي».

وقال في مقابلة أجريت معه عبْر البريد الالكتروني: «لن افتقد التدخين بعد الآن. إلى حيث سأذهب، لا أحد يدخِّن: سيبدو الأمر هناك بمثابة صفٍّ من المطاعم في كاليفورنيا».

ولد فيفيان جيمس في العام 1939 (تمَّت تسميته بعد أن حمل لاعب التنس الأسترالي الاسم نفسه في ذلك الوقت - وسرعان ما وجد جيمس أن النجومية التي حظي بها فيفيان جعلت اسمه الأول مُحْرجاً.

أمُّه، الأرملة التي نجا زوجها من الأسْر الياباني، في الحرب العالمية الثانية، ليموت في حادث تحطّم طائرة في طريقه إلى منزله، سمحت أخيراً لفيفيان الشاب اختيار اسمه الأول الجديد. اختار كلايف تيّمناً بشخصية فيلم عن أوقات الحرب لـ «تايرون باور». (تايرون باور ممثل سينمائي ومسرحي أميركي من مواليد 5 مايو/أيار 1914، وتوفي في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1958). في الفترة ما بين الثلاثينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ظهر بقوَّة في العشرات من الأفلام، وغالباً في أدوار الرجل القوي والرومانسي. ومن أفلامه المعروفة: مارك زورو، الدم والرمل، البجعة السوداء، أمير الثعالب، وغيرها من الأفلام).

ظل والده عالقاً في الكثير من ذكرياته «أعتقد كان لذلك التأثير البالغ على الكثير من تفاصيل حياتي»، وفي هذا الشأن، قال ذات لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية: «أنا أتحدَّث عن ذلك بصعوبة حتى الآن. كان من المفترض أن يعود إلى البيت، ولكنه لم يفعل. كنت وحيداً مع أمي».

القوَّة الكاملة لليأس البشري

في سنِّ الخامسة، رأى والدته تتلوّى ألماً، ليسجِّل ذلك في لمسة ساخرة من خلال عملين له «مذكرات غير موثوق بها»، و «لم تكن هنالك مهدّئات لتُؤخذ»، بالقول: «كنت أشاهد القوَّة الكاملة لليأس البشري»، كان صبيّاً مُحرِجاً ومؤذياً ورجلَ البيت في الوقت نفسه، وذلك أشعره بالرعب. ولم يكن الأمر كذلك حتى بلوغه منتصف الثلاثينيات من عمره. والتي قال عنها: «فيها ملكْتُ السيطرة على نفسي».

وحين سُئل عمّا يمكن أن يفكّر به جيمس البالغ من العمر 20 عاماً الآن، أجاب «لقد كانت الفترة تلك مثل ارتجاج جرَّاء ضربة على الرأس. وتمتم: «نعم، تماماً كما تنبَّأت ذات مرة».

كثلاث قبضات لمخمورين ومدخّنين تلقّاها جيمس (75 عاماً) دفعة واحدة. أولها نبأ معاناته من سرطان الدم في العام 2010، ترافقَ ذلك مع مضاعفات تمثّلت في انتفاخ رئوي وفشل كلوي.

وعمّا يشعر به بعد إصابته بسرطان الدم، ردَّ بالقول: «بَدَنياً، أشعر وكأن سيارات متعدِّدة اصطدمت في طقس ممطر». وأضاف «لكن روحياً، أشعر أنني ممن أُنعِمَ عليهم. لقد حظيت بحياة طويلة، وقمت بإنجاز قليل من الأمور».

وعن الناقد الذي يسكنه، قال، إنه يمارس ضغطاً على ما يمسك به ويكتشفه، في مقابل ممارسة الناقد نفسه الثناء على الآخرين في أعمالهم واكتشافاتهم.

وتابع: «في اليوم التالي لتشخيص إصابتي بسرطان الدم اكتشفت، عن طريق المصادفة، كتابة بشكل رائع جداً لمدوِّنةٍ شابة متزوجة ومتعلمة، والتي ستموت قريباً أيضاً، تكاد تكون من دون حياة على الإطلاق، وصفتْ نفسها بـ Oblomov». (رواية كتبها الروسي إيفان جونتشاروف، نشرت للمرة الأولى في العام 1859. و Oblomov هو الشخصية المحوريَّة في الرواية، صوَّرت التجسّد النهائيَّ للرجل، وهي شخصية رمزيَّة في القرن التاسع عشر في الأدب الروسي).

من الصعب تحديد الأفضل مما يُعرف به جيمس. جرّبَ أشكالاً تعبيرية متعددة، وبرع فيها. ربما تكمن الصعوبة في ذلك. التحق بجامعة كامبردج، وتحصّل على الدكتوراه عن أطروحته التي تناول فيها الشاعر بيرسي بيش شيلي، ثم أمضى 10 سنوات كناقد تلفزيوني بارع لدى صحيفة «الأوبزرفر».

تذكَّروني بالأشياء الجادَّة

كتب جيمس حلقات متتالية تناولت المذكرات والسِيَر، كما كتب للتلفزيون والسينما، إضافة إلى ممارسته النقد الأدبي. أنجز عدداً من الروايات والقصائد والمقالات والسيَر الذاتية وأدب الرحلات. كما كتب كلمات الأغاني لستة ألبومات أصدرها بيت آتكن. ظهر في عدد لا يُحصى من البرامج التلفزيونية والإذاعية، كمُضيف، وكاتبٍ، وضيف على عدد من البرامج.

فعلَ كل ذلك ببهجة وسهولة في الأسلوب؛ وإن بدا الأسلوب وحشياً في بعض الأحيان، إلا أنه مختلط بخفَّة دمٍ من ذلك النوع الذي يقود بصدق إلى تذوُّق اللغة الإنجليزية.

ومثل كثير من الناس الذين ارتبطوا بالترفيه والتلسية، قال إنه يأمل أن يتم تذكّره بالأشياء الجادّة الرصينة. ويفضِّل أن يُعرف كـ «كاتب حر».

وقال: «يبدو أنني عندما أرتجلتُ على التلفزيون، كنت أكتب كل ذلك في رأسي قبل أن أتفوَّه به. وأكثر الأشياء متعة مما قمت به، وفي أي وقت مضى، هو الذهاب وحدي إلى خشبة المسرح لمدَّة ساعة ونصف الساعة، مؤدياً الدور. أعتقد أنني أدَّيت ذلك بشكل جيد جداً قبل أن أشعر بالمرض، وأضطر إلى التوقف. وبطبيعة الحال، مثل جميع الذين يكتبون القصائد، أريد لكل ذلك أن يتم تذكّره؛ لكن ذلك قد لا يحدث».

في أغسطس/آب وأكتوبر، نشر قصائد تأمُّلية في «نيو ستيتسمان» وفي الملحق الأدبي لصحيفة «التايمز» وكانت تغلب عليها مسحة من الحزن والفكاهة في الوقت نفسه.

لكنه يقول، إنه وجد الكثير من العزاء في مزيد من الشعر. «إن أصوات الذين يتحدّثون إليَّ الآن، هنا في النهائي من حياتي، هم أساساً الشعراء»، وأشار في المقابلة، إلى شعرائه المفضَّلين: أندرو مارفيل، ولكن الخيارات لديه أكثر وضوحاً، مثل ت إس إليوت، أودن، وفيليب لاركن».

نشر جيمس قبل فترة قصيرة إصداراً حول الكتابة عن الشعر عنْوَنَه بـ «كرّاس الشعر»، وما يزال يأمل أن يعيش طويلاً، بما فيه الكفاية لرؤية مجموعة شعرية جديدة له وقد أخذت طريقها إلى النشر، وستصدر في العام المقبل (2015)، كما انتهى من كتاب آخر ضمن المذكرات.

يذكر، أن الكاتب الأسترالي كلايف جيمس، ولد في إحدى ضواحي جنوب سيدني باسم ليوبولد فيفيان جيمس يوم 7 أكتوبر 1939. مؤلف وناقد ومذيع وشاعر ومترجم وكاتب مذكرات، وسيرة ذاتية، وهو ما اشتهر به. له عديد من البرامج الحوارية والوثائقية في التلفزيون البريطاني؛ علاوة على نتاجه الغزير في الصحافة. عاش وعمل منذ العام 1961 في المملكة المتحدة.

العدد 4445 - الجمعة 07 نوفمبر 2014م الموافق 14 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً