العدد 4445 - الجمعة 07 نوفمبر 2014م الموافق 14 محرم 1436هـ

المصلى وطشان: تغير الحدود الداخلية للقرى

لقد تغيّرت كثيراً صورة القرى وطريقة توزيعها في البحرين قديماً، ومسميات بعضها كذلك، عمّا هي عليه في الوضع؛ ففي السابق، لم يكن هناك تحديد لحدود القرى بصورة رسمية، فلم تكن هناك حاجة لها. ولكن مع تطور الأنظمة في البحرين، ظهرت حاجة ماسّة لتحديد حدود القرى واعتماد تسمياتها بصورة رسمية، وتقسيمها إلى مجمعات، وتخطيطها من الداخل، وتحديد طرقها وشوارعها وعنوان كل منزل فيها؛ وقد أدى ذلك لتغير الصورة القديمة للقرى. فهناك قرى تقلصت مساحتها وتحوّلت لأحياء ضمن قرية أخرى، رغم شهرتها التاريخية، على سبيل المثال، منطقتا مني ومروزان، وهما منطقتان مشهورتان تاريخياً منذ مئات السنين، فقدتا ودمجتا تحت مسمى واحد هو السنابس.

أضف إلى ذلك ظهور جماعات تنادي بالتبعية التاريخية لمناطق معينة، على سبيل المثال، هناك من يرى أن مناطق مثل عين الدار وطشان والمصلى وجبلة حبشي كلها كانت فروع، بل أحياء، من منطقة جدحفص التاريخية. وبالفعل دمجت عين الدار ضمن جدحفص بصورة رسمية. وكذلك الحال مع البلاد القديم، حيث يرى العديد أن حدودها التاريخية القديمة كانت تشمل مساحة أكبر مما هي عليه الآن. لقد أدى ظهور الترسيم الجديد للقرى لنشوء البلبلة والنقاشات العقيمة، وقد تطور بعضها إلى مطالبات بإعادة ترسيم حدود مناطق معينة. إن المتتبع لمثل هذه الأخبار يرى بوضوح إلى أي مدى يتشبث العديد، من الأفراد والكتاب، بروايات تاريخية توضح سيادة منطقة ما على منطقة أخرى، وذلك بحجة أن المنطقة الثانية امتداد طبيعي للمنطقة الأولى. وبما أننا تناولنا في الحلقات السابقة تفاصيل منطقة جدحفص وما حولها من القرى فسنقدم مثال يرتبط بهذه المنطقة، وهو مرتبط بقريتي المصلى وطشان.

الحدود القديمة لقرية المصلى

تعتبر قرية المصلى من القرى القديمة التي شاع صيتها منذ القدم، وقد كانت حدودها التاريخية تبدأ من قرية السهلة غرباً وتمتد حتى حدود مقبرة أبي عنبرة شرقاً، أي غرب قرية خريان (الصالحية حالياً) وجنوب قرية البجوية. وما يؤكد ذلك ما جاء في خارطة البحرين الرسمية للعام 1904م، حيث حدد موقع قرية المصلى غرب مقبرة أبي عنبرة وجنوب البجوية وعين الدار. وكذلك، وصف التاجر إلى قرية المصلى في كتابه «عقد اللآل»؛ حيث جاء فيه أن قرية المصلى تقع جنوب البجوية وعين الدار (التاجر 1994، ص34).

وأقدم ذكر لقرية المصلى كان في نهاية القرن السادس عشر الميلادي وذلك في قصيدة للشيخ البهائي يرثي بها والده الشيخ حسين بن عبدالصمد، الذي سكن قرية المصلى وتوفي فيها وذلك في قرابة العام 1576م. وقد ورد ذكر قرية المصلى في تلك القصيدة:

يا ثاوياً بالمصلى من قرى هجر

كسيت من حلل الرضوان أرضاها

وثاني أقدم ذكر لقرية المصلى ورد في قصيدة للشاعر أبي البحر الخطي والذي قالها في رثاء جماعة من الأقرباء توفوا في فترة متقاربة ودفنوا في مقبرة أبي عنبرة، فأدرج الجميع في قصيدة واحدة أنشدها في السابع من محرم من العام (1021هـ/1612م)، ويقول فيها:

سَقَى الأجداثَ شَرقيَّ (المُصَلَّى)

وإن رُفِعَتْ إلى جنَّاتِ خُلدِ

من قول الخطي، يستنتج أن مقبرة أبي عنبرة توجد في شرق المصلى. وهذا يشير إلى أن قرية المصلى كانت تمر شمال مسجد الخميس وتصل لمقبرة أبي عنبرة، كما سبق أن ذكرنا سالفاً.

المصلى بين طشان وجدحفص

لقد تغيرت الصورة القديمة، فقد تغير اسم قرية خريان إلى الصالحية وتقلصت مساحتها، أما البجوية فقد زادت مساحتها واختفى اسمها وظهر اسم البرهامة، وقد أدخلت مقبرة أبي عنبرة ضمن حدود البرهامة في الوقت الراهن. أما قرية المصلى فقد تقلصت مساحتها؛ فالجزء الشرقي من القرية المحاذي لمقبرة أبي عنبرة تحول إلى قرية مستقلة هي قرية طشان، واتسعت مساحة جدحفص على حساب مساحة قرية المصلى، وخصوصاً بعد أن تم تغيير عناوين المشروع الإسكاني، الذي أُطلق عليه مسمى إسكان جدحفص من قرية المصلى إلى جدحفص. وقد أقيم الإسكان على جزء من قرية المصلى وجزء من جدحفص، وقد نشب خصام على ذلك، وتم إثارة الزعم القديم أن المصلى مجرد حي من أحياء جدحفص (صحيفة «الوسط» 10 سبتمبر 2013).

أما طشان فقد كانت ضاحية من ضواحي البلاد القديم، وبحسب خارطة البحرين الرسمية للعام 1904م، فإن قرية طشان تقع جنوب مسجد الخميس وشمال عين أبو زيدان وملاصقة للجانب الغربي للبلاد القديم. ويؤكد على ذلك وصف التاجر لها أيضاً (التاجر 1994، ص32). وقد كان بها عدد من العيون، منها كوكب مرجان وكوكب قصر، وقد ذكرهما التاجر، وعين طشان، وقد ذكرها لوريمر في دليله. وقد زعم كبار السن في هذه المنطقة أن تسمية القرية ارتبطت بهذه العين، أي عين طشان؛ وهي، أي التسمية، تتكون من كلمتين: «طشت»، وهي كلمة فارسية وتعني المنطقة الدائرية، ذات المياه الضحلة، والضمير لاحق بطشت، أي مكان العين الضحلة، وقد اندثرت هذه العين (صحيفة «الوسط»، 13 نوفمبر 2009م).

طشان وسط مثلث الصراع

لقد تغيرت خارطة المنطقة التي تشمل طشان والمصلى والبلاد القديم بصورة جذرية. حيث تحولت الضاحية الغربية للبلاد القديم لقرية مستقلة هي الخميس، وقد كان يقام في الجزء الشمالي منها سوق الخميس الذي كان يقام كل يوم خميس. أما طشان فقد حددت حدودها من مسجد الخميس وتمتد بمحاذاة الحدود الغربية للبرهامة حتى تصل جدحفص.

بهذه الصورة أصبحت في مثلث تتصارع عليه ثلاث مناطق. فأهل البلاد القديم مازالوا يعيشون في التاريخ القديم والحدود التاريخية القديمة للبلاد القديم والتي تضم مقبرة أبي عنبرة والخميس ومسجد الخميس. حتى الكتب التي تذكر مسجد الخميس، مازالت تذكر أنه يقع في البلاد القديم، وليس طشان. كذلك، نقرأ أحياناً في مقالات الصحف، أن طشان جزء أو امتداد لمدينة جدحفص. وبالمثل، فإن هناك من أهالي قرية المصلى، من يرى أن الامتداد الطبيعي التاريخي للمصلى كان يصل حتى مقبرة أبي عنبرة. إن الموضوع الذي طرح في صحيفة «الوسط» (10 سبتمبر 2013م) حول إسكان جدحفص آثار العديد من النقاشات حول تبعية القرى أو تفرعها من قرية معينة. إن ثقافة تبعية القرى مازالت منتشرة وتنعكس في العديد من الكتابات، سواء في الصحف أو فضاء الإنترنت.

إنه الصراع الذي مازال قائماً، بين التشبث بالحدود التاريخية القديمة وأمجاد الأسلاف، وبين واقع قائم نعيشه. وفي خضم كل ذلك يضيع كم كبير لتراث وتاريخ عدد من القرى، حيث لا يكترث أحد بتوثيقه. وهذا ما سنلمسه بوضوح في الحلقات القادمة؛ حيث سنقوم بتسليط الضوء على قرى تاريخية أهملت ونسيت وفُقِد تاريخها، والذي هو جزء من تاريخ البحرين القديم الذي يجب أن نعتز به ولا نفرط بأي جزء منه على حساب التشبث بروايات التبعية التاريخية. سنتناول قرية فاران المفقودة وجاراتها المهمشة، إنها تروي قصة مؤلمة لأنها تروي قصة ضياع إرث أهملنا توثيقه. لازال البعض عاجز على أن يدرك أن تاريخ البحرين القديم هو أحجية، وتاريخ كل قرية فيها يمثل قطعة من تلك الأحجية، وحتى نرى الصورة كاملة وواضحة فلابد أن تتكامل تلك القطع مع بعضها، وعلينا ألا نفرط في تاريخ قرية واحدة على حساب قرية أخرى.

العدد 4445 - الجمعة 07 نوفمبر 2014م الموافق 14 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 11:15 ص

      طيب هناك مسمى لأشخاص باسم طشان في مناطق يمنية منها عائلة طشان في مدينة تعز وتسكن منطقة اسمها قدس وتقرب من منطقة اسمها المصلى فهل هناك رابط تاريخي

    • زائر 7 | 8:15 ص

      قرية المصلى مضلوم بسبب جدحفص

      قرية المصلى مضلوم بنسبات للاسكان الجديد لازم يسم باسم اسكان المصلى
      مو اسكان جدحفص
      وشكراً

    • زائر 6 | 6:04 ص

      مدينة حمد

      كثيرا ما نسأل بعضنا "من وين انت خوك" فالبعض مثلا يرد قائلا من مدينة حمد
      فنواصل السؤال "يعني أصلك من وين" تلاقيه يقول أنا من المنامة - جدحفص - المصلى-بنيجمرة- الدراز-المحرق ووو فالجميع ما ينسى أصله من وين و لكن الابناء الصغار خلاص ما يعرف إلا المنطقة اللي يعيش فيها
      نعم المحافظة على الاصل جيد
      ولكن مذا بعد؟
      أهم شي العمل الصالح

    • زائر 5 | 3:59 ص

      المصلي تاريخ

      الحمد لله قرية المصلي تاريخ وكتبت فيها الاشعار وفيها البهائي والمصلي تبقي شعلة في السماء رغم الظروف والاطماع من اصحاب القلوب الضعيفة تريد تغيير هذا التاريخ الكبير

    • زائر 4 | 1:38 ص

      تراث

      يجب عل الجميع المحافظة على التراث فقرية المصلى قديمة وتاريخية ويجب المحافظة عليها و المصلى مو تابع الي أحد بطلع الي كم جاهل مايفهم في تاريخ بقول تابع الي قرية جدحفص اقولهم روحو اقرأ التاريخ اول بعدين تكلموا أو تدرون روحو صفحة شيخ بشار العالي التراثية بشوفون

    • زائر 3 | 1:35 ص

      المصلى مظلومة

      سبب طيب أهلها راحت عليها يمكن ياكلونها كامل ا....

    • زائر 2 | 1:33 ص

      قرية المصلى تاريخ قديم

      قرية المصلى مساحتها كبيرة ولها تاريخ قديم جداً وليس تابع لأي قرية بس طبيب أهلها خل القرى الحدودية تطمع فيها مشروعين اسكان تمت تغيرها واحد قديم واحد جديد على مجمعات المصلى لو لا النفذ لما تغير شي بس حب السيطرة وتغيراما عن طشان فتقسيم المصلى من الجزء الشرقي او تغير مسمى المشروع الإسكاني القديم فصل بين المصلى لذالك تم تغير ناحية مقبرة عمبرة الي طشان وتغيير المقبرة الي بلاد القديم وسمية المصلى على قربه لمسجد الخميس سابقاً وكلنا يعلم تاريخ مسجد الخميس اما ناحية شيخ عزيز لايزال موجود

    • زائر 13 زائر 2 | 9:32 ص

      يقال لهذه القرية سيدة القرى.

اقرأ ايضاً