العدد 4444 - الخميس 06 نوفمبر 2014م الموافق 13 محرم 1436هـ

حادثة الأحساء..... سامي الماجد

حادثة الأحساء سابقة خطيرة، ليس لها مثيل في ذاكرة الأجداد، الذين يروون لأجيال اليوم تاريخ المنطقة، كل الذي يسنح للأجداد من طيف الذكريات القديمة صور التسامح والتعايش بين سنّة المنطقة وشيعتها، وليس ذلك بمستغرب على واحة الأحساء، التي خلعت على أبنائها منذ نشأتها لبوس السماحة واللين والطِيبة. كل الذين يحدثونك عن الأحساء لا يفوتهم أن يلفتوا نظرك إلى هذا المسوح الجميل.

لذا لم يكن مستغرباً أن يكون الجناة من غير أبناء المنطقة، ممن سمع بالتعايش ولم يعشه واقعاً، ممن رُبي على ضرورة المفاصلة في كل قضية، ومع كل أحد، وشُحنت عاطفته، وغُذّي فكره منذ نعومة أظفاره بأن التعايش مع الآخر خيانة للعقيدة، وتمييع لمحكمات الدين وأصوله،

منذ أمد بعيد ثمت من يحاول القضاء على الآخر، وقطعَ دابره، والنتيجة أنه لم ينجح أحد؛ لأنهم يجهلون سنة الحياة، ومنذ أمد بعيد والعدو المتربص يراهن على الاحتراب الطائفي في خطط مكشوفة مكرورة، فيكسب الرهان، ويخسر المحتربون.

الذين يدافعون عن المناهج الدينية والخطاب الديني الذي يمثلهم، يمنحون المتربص فرصة النيل منها بطريقة دفاعهم عنها، أو فهمهم وعملهم بها، وتعاملهم مع المخالف لهم من الطوائف الأخرى، فأثبتوا التهمة من حيث أرادوا نفيها.

لا يزال كثيرون يرون في تجديد الخطاب الديني، ومراجعة المألوف من المقالات المأثورة باباً لا ينفذ منه إلا الشر، أو أنه لا يزيد على كونه ترفاً لا تستدعيه الحاجة، ولو أنَّ كل بابٍ ولج منه بعضُ الشر أغلقته، لم يبق لك باب يلج إليك منه خير قط.

قلت: إن هذه السابقة خطيرة؛ لأن المتربص بأمن الوطن ووحدته ربما فعل فعلته؛ لأنه رأى تأجيجاً للطائفية غير مسبوق، أطمعه في أن يراهن عليه ليغرز أول رماحه.

وبعد أن تحقق لهؤلاء الغلاة المجرمين ما يبغون من تأجيج الاحتراب الطائفي في العراق، والافتيات عليه، حيث كانوا طرفاً فيه، ها هم اليوم يسعون لاستجرار التجربة داخل المملكة، مراهنين على تأجيج الطائفية، الذي سيذكي نار الفتنة والفرقة، ومن ثمَّ وضع أيديهم في الداخل.

خطورة الوضع تتكشف أكثر حينما نستحضر حال الاحتقان الطائفي، الذي يكاد يعم المنطقة، وله مساربه المعروفة التي تغذيه؛ لذا سارع عقلاء المجتمع بمختلف أطيافه وطوائفه، من مشايخ ودعاة ومثقفين إلى إنكار الحادثة من دون مواربة؛ لأنهم يدركون أن هذه السابقة لها تداعياتها الخطيرة، إن لم تتظافر الجهود إلى إخماد شرارة الفتنة، وتجريم كل مظاهر التحريض الطائفي.

غير أن المسارعة إلى إلقاء التهم جزافاً، وإطلاق الأحكام من دون تمييز، لِيؤاخَذ البرآء من كل طائفة بجريرة شذاذ من متطرفيهم، لا يُحسب إلا من إعانة المجرم على جرمه، والإسهام معه في تحقيق مآربه، إنه يهدف في فعلته إلى إذكاء نار الطائفية؛ ليضع له في الوطن موطئ قدم، وفينا من يُسهم معه -من حيث لا يشعر- في تحقيق مآربه بالمجان.

ومن المؤسف بحقٍ أنه في كل حادثة مؤلمة تتهدد أمنَ الوطن ووحدته، يظهر أدعياء انتهازيون يحاولون توظيفها لتصفية حسابات ومكاسب شخصية. يزعمون محاربة الطائفية؛ ولكن بخطاب متشنج مستفزٍّ يذكي نارها، ويحمل كل طائفة على الإصرار على تمسكها أكثر بخطاب التحريض والتهييج على الآخر.

من المقطوع به أن محاربة التحريض الطائفي لن تنجح إذا كانت ستتحامل على خطابٍ، وتغض الطرف عن خطاب آخر، فمحاربة التحريض أياً كان مصدره مطلب وطني؛ لكن يجب أن تعم المحاربة كل صوره ومن مختلف أطيافه، فالإجرام الطائفي لا وطن له، ولا ملة، ولا ضمانة لذلك إلا بسنّ قانون يجرّم كلَّ تحريضٍ طائفي، بعد تحريرِ مفهومه تحريراً يقطع الطريق على من يريد أن يجعل من هذا القانون ورقةً لتصفية حساباته الشخصية أو الحزبية.

سامي الماجد.......... كاتب سعودي.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:13 ص

      سم الأشياء بأسمائها

      الذين يفجرون في حسينيات ومساجد وأسواق العراق هم التكفيريون وليس الغلاة وهم نفسهم من الدولة المفرخة للإرهاب .

    • زائر 1 | 4:21 ص

      بحريني وبس

      اللهم أرحمهم برحمته الواسعة وأمسح على قلب أهاليهم بالصبر يارب . فجع قلبنا لمصابكم ياأهل الإحساء الكرماء .

اقرأ ايضاً