منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى أبويّ النسل البشري، آدم وحواء، عرفت الإنسانية مكونات بناء الأسرة وجوهر بقائها وأهم المقومات الضامنة لإنتاج أسرة بكل ما تعني الكلمة من معنى. حيث الأسرة تعريفاً ومضموناً اجتماعياً هي خلية بشرية، في بعدها الإنساني، تتألف من أب وأم وأولاد وهو ما يطلق عليه في علم الاجتماع الأسرة النووية أو المصغرة، في حين هناك من جهة أخرى الأسرة المركبة وهي التي تضم إضافة إلى الوالدين وأبنائهم الجد والجدة ومن يتبعهم في تسلسل النسل من إخوان وأخوات، ذلك هو التشكيل الهيكلي الذي يحدد إطار الأسرة وهويتها. وبقي أن نعرف أن هناك مجموعة من العوامل والمفاهيم والمبادئ الاجتماعية التي تبث الروح والفاعلية في الأسرة منها ما يحكم ويشكل أساس التواصل والتعايش اليومي ومنها ما يحدد آليات صنع القرار وبناء الحد الأدنى من معطيات التأثر والتأثير داخل الأسرة وفي محيط المجتمع.
صحياً واجتماعياً، وهو ميداننا وأساس ممارساتنا المهنية في الصناعة الصحية، ذهبت منظمة الصحة العالمية في تعريف «الصحة» ضمنياً إلى أنها حالة من التكامل البدني والاجتماعي والعاطفي والنفسي في أفضل صوره التي تمكن الفرد من البقاء في حالة وظيفية فاعلة تجعله قادراً على العيش سالماً معافى جسمانياً ومشاركاً فاعلًا على مستوى تعاطيه اليومي داخل الأسرة وخارجها ما يجعل منه طاقة في بناء المجتمع ومحوراً أساسياً في التنمية والتقدم المجتمعي.
نخلص هنا إلى حقيقة مهمة وهي ضرورة إعداد الفرد أسرياً أولًا عن طريق تغذية حاجاته البدنية والنفسية والعاطفية والاجتماعية في محيطه الصغير وهو البيت والأسرة الفاعلة وظيفياً والتي ما وجدت إلا لترفد المجتمع بالثروة البشرية القادرة على استدامته وازدهاره، ومن هنا نذهب إلى تسليط الضوء على مفهوم أساس من عوامل المراضة والأعراض الإكلينيكية التي قد يشتكي منها الفرد ومردّها إلى اعتلالات نفسية أو اجتماعية أو عاطفية ناتجة من علاقته داخل أسرته ومجتمعه.
إننا في نظرة فاحصة متأنية لما نلاحظه من حجم وعدد المرضى المترددين يومياً على مرافق الرعاية الصحية من مراكز صحية ومستشفيات يجعلنا نتساءل، هل نحن مجتمع مريض في مستوى ما نراه من أعداد على مدار العام؟ نعم هناك من مسبات المرض الكثير من العوامل العضوية الكثير من فيروسات وميكروبات وإصابات من حوادث سير وعمل وغيرها. إضافة إلى أمراض التمدن والحضارة من ارتفاع ضغط الدم وداء السكري والقلب والأوعية الدموية، ولكن ماذا عن الجانب أو الجوانب الأخرى، ماذا عن البعد النفسي والاجتماعي والعاطفي التي من الممكن والثابت علمياً ومهنياً تأطير عوارضه ودلالاته الإكلينيكية ضمن منظومة العوارض الدالة على ما سبق أن أشرنا إليه من أمراض عضوية؟ هل نعلم نوعاً وعدداً مقدار ما تمثله الاعتلات الاجتماعية والنفسية والعاطفية من ثقل وزخم بين ما نعاينه من مرضى بصفة يومية؟
إن ما يجب معالجته هنا هو تفعيل أكبر وأعمق للمسئولية المجتمعية، كل على مستوى دوره وإسهامه، بدءاً من الفرد ومروراً بمؤسسات المجتمع المعنية بتطوير الأداء البشرى والتنمية ووصولاً إلى صانعي القرار، وأشير هنا إلى صانعي القرار في أعلى الهرم من كفاءات مهنية تلقت الإعداد المناسب من تحصيل معرفي ومهارات علمية وعملية تمكنها من رسم سياسات واعية وموجهة مبنية على أدلة وبراهين مهنية تنطلق من تلمسها إلى حاجات الفرد والمجتمع وتمكنها من دفع عجلة التنمية قدماً حيث ما يتوافر دوماً، الكثير من المصادر والثروات التي إن طالتها أدوات التحسين والجودة المناسبة صاغتها في أكفأ قالب وآلية في العطاء والإنتاج، فمن الممكن جداً أن يكون جل ما نحتاجه عملية إعادة هندسة لما يوجد في الواقع من مصادر ومكامن ثروة، بشرية، تنير الطريق صعوداً إلى حيث النماء والتميز.
إن معادلتنا هنا بسيطة، فرد فاعل في نسق اجتماعي ممكن ومسئول، وهو ما نملكه، حتى ننتهي إلى تسلم مراتب قمة في الأداء والتطور والتنمية حيث المصادر متوافرة والدعم كذلك وتقع المسئولية بعدهما علينا، أفراداً، في نسج الطريق والإنجاز.
(أرجع الفضل في إلهامي عنوان هذا المقال إلى زوجتي الغالية مها، عرفاناً وتقديراً).
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4444 - الخميس 06 نوفمبر 2014م الموافق 13 محرم 1436هـ