حسناً فعلت وزارة الداخلية السعودية بسماحها للمؤسسات الحقوقية المحلية وبعض الإعلاميين بزيارة السجون العامة والأمنية في السعودية للتعرف على أحوال السجناء والموقوفين وحاجاتهم، والاطلاع عن قرب على أوضاع السجون ومستوى الخدمات المقدمة فيها، وكذلك على سبل التعامل مع النزلاء بشكل عام.
وحسناً بالمقابل فعلت المؤسسات الحقوقية ممثلة في هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بإيجاد مكاتب لها في بعض هذه السجون، وتنظيم زيارات دورية لأعضائها لتفعيل هذا الموضوع البالغ الأهمية، وإصدار تقارير تنشر معظمها في الصحافة المحلية عن أوضاع السجون والملاحظات التي ينقلونها من خلال هذه الزيارات.
خلاصة التقارير المنشورة تفيد أن مسئولي مراكز التوقيف والسجون في مختلف مناطق المملكة يبدون تجاوباً وتعاوناً في الاستماع للملاحظات والمقترحات، وتسهيل عمل أعضاء المؤسسات الحقوقية للإطلاع الميداني على مختلف المرافق والحديث مع السجناء حول أوضاعهم ومشكلاتهم.
كما تتحدث هذه التقارير عن أبرز مشكلات السجون وعلى رأسها اكتظاظها بأعداد كبيرة من السجناء والموقوفين تفوق إمكانية استيعابها بشكل كبير، مما يعني صعوبة في توفير الخدمات المناسبة للسجناء وإدارة هذه المنشآت بصورة مناسبة، ويجعلها عرضةً أحياناً لكثير من الخلافات والصدامات بين السجناء أنفسهم، أو جمع سجناء في قضايا مدنية مع آخرين متهمين بقضايا جنائية بعضها خطير في مكان واحد.
مشكلة أخرى تبرز في مستوى الخدمات المتاحة للسجناء من ناحية وجبات الطعام، وكذلك الخدمات الصحية، حيث أن بعض السجناء يعانون من أمراض مزمنة أو يحتاجون لرقابة صحية مركزة، وهو ما لا يتوفر في معظم هذه السجون.
الأمر الأكثر إلحاحاً وأهمية هو تأخر معاملات بعض السجناء من الجهات القضائية، ما يعني أحياناً بقاءهم في التوقيف أو السجن لفترات تتجاوز مدة الأحكام التي صدرت بحقهم. وهو أمر في غاية التعقيد، وفي معالجته تسهيل للسجناء الذين أنهوا محكوميتهم، ولإدارة السجون في التخفيف من أعداد السجناء الموجودين لديها.
برامج تأهيل السجناء وإفساح المجال لهم لإكمال دراستهم الأولية والجامعية متاحة بشكل عام، ولكن هناك حاجة لإيجاد برامج تأهيلية لإدماجهم في المجتمع بعد إنهاء فترة المحكومية عليهم، والتنسيق مع جهات العمل المختلفة بحيث يتم ضمان فرص عمل مناسبة للمفرج عنهم.
التوجيه الثقافي والنفسي أمر في غاية الأهمية، وينبغي أن يخرج من أسلوبه التقليدي الوعظي إلى أساليب متطورة تراعي ظروف السجين وحالته النفسية، وتساعده على تجاوز الوضع الذي يعيشه والقلق الذي يعتريه بعد الإفراج عنه، ونظرة المجتمع له.
إن هذا العالم مملوء بكثير من الجوانب الغامضة التي لا يعرفها إلا من عايشها، وهو وضعٌ مؤلمٌ للغاية، وله تبعات أسرية واجتماعية كبيرة. ويتحمل العاملون في هذه المؤسسات من عسكريين ومدنيين جهوداً كبيرة في إدارة مثل هذه المنشآت، ولكن مسئوليتهم الوطنية تحتم عليهم مراعاة الأبعاد الإنسانية في التعامل مع السجناء.
كما أرى أنه من المهم تكثيف زيارات أعضاء المؤسسات الحقوقية لهذه المراكز بصورة منتظمة، وأن تقدّم التوصيات والمقترحات للمسئولين بكل شفافية ومسئولية، كي تساهم في معالجة القضايا والمشكلات القائمة في السجون وتطور من أدائها وخدماتها بصورة تحقق الأغراض التي وجدت من أجلها.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4442 - الثلثاء 04 نوفمبر 2014م الموافق 11 محرم 1436هـ