عاشوراء ذكرى حزينة، فلمقتل الحسين (ع) حرارة في النفوس، لا يذكره إنسان حر منصف إلا انكسر وبكى، ولكن هناك فرق بين حزن يدعو إلى الوهن والضعف وبين حزن عاشوراء، فحزنها حبٌ وعشقٌ للحسين (ع) الذي يربينا على طاعة الله ونصرة الإسلام ومودة قربى الرسول (ص). حزن نرتوي من ماضيه المشرق لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، فمن المستحيل أن تمر فاجعة إنسان عظيم طاهر قال فيه الرسول «إنه ريحانتي»، ولا تهتز له القلوب.
من حزننا على الحسين (ع) نتعلم أبعاد عاشوراء، بُعدها الملحمي، وبعدها العرفاني الذي تتجلى من خلاله العلاقة الروحية بين العبد وخالقه، حيث يتحرك الإنسان في سيره وسلوكه على خط الأنبياء. والبكاء على الشهيد يُعدُ إبقاءً على اتقاد جذوة قضيته، فكيف إذا كان هذا الشهيد سبط الرسول (ص)؟
إن عاشوراء قصة مُلهمة في مسيرة الوجود والإنسانية، وهو من أيام الله التي اُريد لها إحياء الأمة واستنقاذها من انحرافها، وهي ذكرى للقلوب الغافلة الغارقة في تمردها: «وذكّرهم بأيام الله».
عاشوراء ليست حادثة منعزلة وقعت في الأزمنة الغابرة، بل هي تعيش في الوجدان وتتفاعل مع الأحداث وحاضرة عبر الأزمان، فهي ذكرى مؤثرة وقصة ذات عبرة ويوم من أيام الله الخالدة. لذا نرى أن النفس تعيش عند استذكارها لواقعة عاشوراء عمق المعنى الروحي للحركة في الحياة، ضمن دائرة الإيمان بالله والارتباط بدينه، فكراً وإيماناً، وحركةً وسلوكاً، فتكتسب شعوراً بالاطمئنان في حياتها، لا يهمها المصير والنتائج طالما أن كلها تنتهي عند الله. وهذه الحقيقة مكلفة جداً لمن يريد أن يبقى الإنسان المسلم مقيّداً في دائرة عبودية النفس، يتحرك في حدود شهواتها ورغباتها وتعلقها بمتاع الدنيا وزخرفها وزبرجها، غير مكترث لعلة وجوده في هذه الدنيا، فيسهل تسييره وإخضاعه والهيمنة عليه.
هنا نعرف لماذا وُضعت حجب وأستار بين المسلمين وبين عاشوراء، ولماذا سُخّرت وسائل الإعلام والقنوات الفضائية والأحاديث الموضوعة لتشويه صورتها المشرقة وواقعتها المباركة، من خلال فبركة خصائصها وتضخيم الشواذ من طقوسها والدخيل من شعائرها، بهدف إضعافها إعلامياً وتشويهها تأريخياً. كل ذلك لإخفاء أبعادها الإنسانية العظيمة، وكونها امتداداً طبيعياً لخط الرسالة النبوية، كما يشهد الحديث الشريف: «حسينٌ مني وأنا من حسين».
إن المثقف المطلع على أحداث كربلاء مسئوليته كبيرة في بيان أهداف عاشوراء، والعارف بحقائقها مسئوليته أعظم، لذا نقولها متأسفين إن عاشوراء ظُلمت من الأقربين مثل ما ظُلمت من الأبعدين!
أنا لا اُحيي عاشوراء لإحياء ذكرى الحسين (ع) فحسب، بل أحيي عاشوراء لاُحيي روحي بها، فالحسين (ع) من الرسول (ص) والرسول من الحسين، فكما أن الرسول نور الله، كذلك الحسين نور الله، وهيهات أن يُطفأ هذا النور ولو كره الكارهون. وستبقى رآيته النورانية شامخة تعانق السماء في رفعتها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
إقرأ أيضا لـ "حيدر علي اللواتي"العدد 4441 - الإثنين 03 نوفمبر 2014م الموافق 10 محرم 1436هـ
احسنت مأجورين
كثر الله من أمثالك وعظم الله أجرك يا وجه عمان المشرق
القطيف
احسنت ومأجورين
شكرا
بارك الله فيك
احسنت يا ابن اللواتيه
بارك الله فيك يا اخي حيدر بن علي واكرم مثواك مع الناجين يوم لايوم مثله...
غريب الرياض
احسنت.