السيدة زينب (ع)... دورها السياسي والإعلامي
الأحداث الدامية والتراجيديا التاريخية الحزينة التي عاشتها ثورة كربلاء الخالدة التي رسمت خارطة الإسلام في أصدق لوحة أحياها الإمام الحسين (ع) مع كوكبة من أهل بيته الطاهرين وأصحابه الشهداء الأوفياء في اليوم العاشر من محرم سنة 61 هـ والتي تجسد امتداداً طبيعي مع أطروحة جده الرسول (ص) وشرعية أبيه الإمام علي بن أبي طالب (ع) في معالجة واقع معسكر الانحرافات الفكرية والعقائدية بالكلمة الطيبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. حيث كسرت جدار الثقافات الأموية التي ظهرت على مسرح الحياة الجاهلية الحديثة مما عكست واقعاً بعيداً كل البعد عن مسار حياة المجتمع الإسلامي نحو أهدافه ومبادئه السامية الحقيقية. وفي ظل هذه الأجواء والظروف الحزينة على أهل بيت النبوة والرسالة الذين عايشوا هذه الأحداث يأتي هنا دور المسئولية إلى بطلة كربلاء السيدة زينب (ع) ابنة الإمام علي (ع) في مواصلة رسالة الثورة الإصلاحية ودورها السياسي في محاربة لغة الثقافات الظلامية والدموع الكاذبة في الكوفة مدينة الانتصار المؤقت حيث كشفت من خلال خطابها الإعلامي حقيقة اللعبة السياسية الأموية الظالمة أمام الوالي والرأي العام بأن قتيل كربلاء هو ريحانة رسول الله (ص) وابن الإمام علي (ع) رابع الخلفاء الراشدين الكرام تتعارض مع كل الديانات السماوية والقيم الإنسانية والقوانين الوضعية التي تحرم قتل الإنسان.
ويبقى المشهد السياسي حاضراً بقوة في البلاط الأموي أمام السلطان الذي فجر هذه الأحداث ظناً أنه حقق انتصار الأجداد من أجل تصفية حسابات سياسية وتاريخية وما عرف أن عقيلة الطالبيين السيدة زينب (ع) ابنة فاطمة الزهراء (ع) وبفضل نجاح مواقفها السياسية والإعلامية كسرت عليه شهوة الانتصار وذلك من خلال خطبتها التي تجسد وثيقة تاريخية في عالم الحياة الإنسانية. «ولئن جرّت علي الدواهي مخاطبتك أني لأستصغر قدرك وأستكثر توبيخك، ولكن العيون عبري والصدور حري، فكيد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد...»، مما دفع نظام السلطة للاعتراف بعظمة الجريمة وإلقاء المسئولية على قيادة أركان الجيش الذين انكشف القناع عن أهدافهم الظالمة، إنهم طلبوا عزاً بباطل فأورثهم الله ذلاً بحق. وبذلك أطاحت بكل موازين القوة العسكرية والسياسية والدعايات الإعلامية المضللة التي روجها النظام أمام شرعية الثورة فهي شاهدة بصدق على امتداد التاريخ وفي ضمير المجتمع الإسلامي وأطروحة خالدة ترسم معالم أهل البيت (ع) في نشر ثقافة العدالة والحرية والكرامة والمواساة، وبهذه المواقف البطولية الخالدة التي قدمتها على مسرح العمل السياسي والاجتماعي في مواجهة الغدر والخيانة أكملت السيدة زينب (ع) المسيرة الحسينية نحو أهدافها ومبادئها روحياً وفكرياً واستحقت بذلك أن تكون المرأة الأولى والمثالية في الصبر والشجاعة والعقيدة والإيمان.
أحمد حسن الغريب
من غابر الأزمان وحاضرها
من أقصي الميادين ودنوها
من هيمنة الطغاة
من عذابات الأدعياء
حطت نازلات جلل
من وأدٍ للحقوق
وتكبيل المقدرات
عاث الأشقياء في الأرض فساداً
وعسعس ليل الظلامات
وأبي صبح الحرية ألا يتنفس
برزت كوكبة من سباتها وانتفضت
مثلها كفتية أهل الكهف
إذ وأد الحمام حماتها
وتصبرت الأغلال واجتث قيامها
جاءتك تسعي
ترنو مشاعلك القانية
تجوب الطرقات الوعرة
أيا مشكاة العدالة
ومحط رحال المستضعفين
ومعقل المستميتين
قد استقطبها هدير واعيتك
وأينع وجدها بهيامك
عطفت نحو المنون الأقدس
فجاءتك تسعي نحو وصالك المتهجد
وصراطك المسدد
قد شمرت للشهادة مهجها
وخاض بمخمصتك ربيعها
عانقت جراحاتك دماؤها
فخضبت من منحرك أعناقها
واستسقت من زمزمك ضمائرها
يا مؤمل كل أبي
ووسام كل تقي
يا وطن الشهادة
طوبي لمتيم تضمن مناقبك
فنعم القرين من الحسينُ صاحبه
وويل شانئ غدا له في الحشر خصمه
فأرشح ولاءً لا يخبو من لظي ودك
يا وطن الشهادة
نهاية الحواج
من هنا وجه خطابه الحسين عليه السلام يوم عاشوراء التي كانت تعد أحد أركان وأضلاع مكونات الثورة التي فجرها ضد الطغاة، قائلاً: «ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في إمة جدي...»، و «ما أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما»، هذه الكلمات وغيرها تنقله كتب التأريخ المعتمدة كالطبري وابن الأثير.
كان الحسين يوم عاشوراء يواجه الموت، وهو يقف بكل صلابة وشجاعة مع ثلة قليلة من أنصاره وأهل بيته أمام تلك الجموع الكبيرة من القوى المعادية التي جاءت، واجتمعت من كل حدب وصوب، وتكالبت لمحاربته وقتاله على يد عمر بن سعد.
استشهد الإمام الحسين مع أهل بيته وأصحابه في معركة غير متكافئة: أربعة آلاف فارس أموي بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص مقابل اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً. سقط الحسين صريعاً، طعنه سنان بن أنس واحتز رأسه شمر بن ذي الجوشن ...الحادثة الأليمة يذكرها بالتفصيل الأستاذ جورج طرابيشي صفحة 30 في كتابه (هرطقات). هذا المصاب الجلل تأثر به وبكى له الوجدان الإنساني، ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى رأي الإمام بن تيمية في يوم عاشوراء في رسالته (فضل أهل البيت وحقوقهم حيث يقول: إن يوم عاشوراء هواليوم الذي أكرم الله فيه سبط نبيه، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء، وكان ذلك مصيبة عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام). فاجعة يجب اتخاذ المآتم والنوح والبكاء، قال أحمد شوقي بالمناسبة:
لك في الأرض والسماء مآتم
قام فيها أبوالملائك هاشم
قعد الآل للعزاء، وقامـــــت
باكيات على الحسين الفواطم
وقد حققت ثورة الإمام الحسين (ع) هدفها في عصرها وما تلاه من عصور، لقد أصبح مفهوم الرفض داخل الكيان الإسلامي أحد المسلمات البديهية المكرسة بالدم، فانبعثت الروح النضالية في الأمة متوهجة عنيفة والتواقة إلى الحق والعدالة والمساواة.
يقول المرحوم عباس محمود العقاد في كتابه «أبوالشهداء الحسين بن علي» قال: «وكان خليقاً بنا أن نذكر أن مسألة العقيدة الإسلامية في نفس الحسين لم تكن مسألة مزاج أومساومة، وأنه كان رجلاً قوي الإيمان بأحكام الإسلام ويعتقد أشد الاعتقاد أن تعطيل الدين هو أكبر بلاء يحيق به وبالأمة العربية قاطبة في حاضرها ومصيرها، فما أحوج الأمة العربية والإسلامية هذه الأيام إلى حسين وحسين...أو قائد لا يداهن لا يمالئ ...لينقذ الأمة مما حلّ بها والله المستعان.
علوي محسن الخباز
العدد 4441 - الإثنين 03 نوفمبر 2014م الموافق 10 محرم 1436هـ