العدد 4440 - الأحد 02 نوفمبر 2014م الموافق 09 محرم 1436هـ

صدور ديوان «المراثي الحسينية» و «الأعمال الكاملة» للعلَّامة المبارك

صدر عن دار المحجّة البيضاء في العاصمة اللبنانية (بيروت)، وضمن إصدارات «ملتقى ابن المقرّب»، ديوان «المراثي الحسينية»، و «الأعمال الشعرية الكاملة» للفقيه العلَّامة الشيخ إبراهيم الشيخ ناصر المبارك، في طبعتهما الأولى للعام الجاري (2014)، وقدّم لهما في تناول وافٍ علي آل مبارك، كما تولّى جمع وترتيب ترجمة المؤلف من حيث مولده ونشأته وأساتذته وشيوخه، وشهادات العلماء في حقه، وتلامذته، وشعره، ومصنفاته التي وصلت إلى ثلاثة وعشرين مصنفاً بين رسالة عملية مختصرة في الصلاة والطهارة، وأحكام المنطق، وشرح مختصر لديوان أبي البحر الخطي، ورسالة بلاغ العابدين، وأجوبة المسائل، ورسالة في الشهادة لعلي بالولاية في الأذان، ورسالة مختصرة من مناسك الحج، ورسالة نهضة الحسين، ورسالة في فائدة الجمعة والجماعة، ورسالة في لِمَ كان الحج واجباً، ورسالة في الجبر والتفويض ورسائل أُخَر، وكتاب الأضداد، والمجرَّبات المرويَّة، ذكر فيه بعض المجربات في الطب والاستخارة مما هو مروي، وديوان فلسفة الحكمة، وآلاف المراثي الحسينية، ويشتمل على القصائد باللسانين الفصيح والدارج، ومنار الهدى إلى دين المصطفى، والمنظومة البديعة (في فنون علم البدِيع)، ومنظومة النصائح الكافية، ورباعيات «سفر الكون»، والمقصورة الرباعية في الأخلاق، ومنظومة العقائد، وهي في حدود 500 بيت، وحاشية على أربعين البهائي، وكتاب «حاضرة البحرين وماضيها»، يتناول فيه تاريخ البحرين في الفترة التي عاصرها.

كما تولى آل مبارك تقديم إضاءة لبعض الأعلام والشخصيات في الكتاب، تلك التي ترتبط بالنصوص، مع تناول لعدد من الأحاديث والروايات اعتمد في جانب منها على علماء الفريقين وشيوخهم المتقدمين، كما شرح كثيراً من مفردات الديوان الذي زاوج بين المفردات المتداولة وابنة عصرها، وتلك الممعنة في أصالتها، والتي غالباً ما تكون حبيسة المعاجم لندرة تداولها وتوظيفها، إلا في حدود الأوساط التقليدية في تلقي معارف اللغة وما يرتبط بها.

رُتّبت فصول الديوان على الحروف الهجائية من خلال 18 فصلاً، تبدأ بفصل الهمزة، وتنتهي بفصل الحرف المطلق.

مقدمة المحقق آل مبارك تضمّنت شهادات لباحثين وشعراء، حول مكانته الشعرية والأساليب التي اختطها لنفسه.

تمتاز معظم القصائد بالفخامة والسبْك المتقن واللغة في رصانتها وتقليديتها، وتحاكي في مطالعها كثيراً مما سبق من تجارب، وإن لم تخْل بعض أبياتها من رقة لفظ ومباشرة؛ لكنها تكشف عن شاعر من الطراز المتقدّم في ما أتى، وضمن البناء والنسق الذي تم تأسيسه، ولم يحد عنه، مع تنوع في البحور التي تناول فيها رثاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من ناقص الرجز)، ومطلعها:

لا يبرح الدهر المعانِدْ

وله بإضراري مقاصدْ

يا دهر لا حيّاك ربك

من عدوٍّ أي حاسدْ

كما تناول الديوان قصائد النعي والرثاء والحكمة في تناوله لمأساة كربلاء، ومقتل الإمام الحسين عليه السلام، وبعض من آل بيته وجُل أصحابه، وفي رثاء فاطمة الزهراء عليها السلام، وأهل البيت عموماً.

ولعل اختيار اسم «المراثي الحسينية»، على رغم احتواء الديوان قصائد في رثاء النبي وبضعته فاطمة وأهل البيت، فيه اختزال وتوجّه وتكثيف للحدث الذي سطره التاريخ في كربلاء من فظاعات الذبح والتمثيل وما حل بآل بيت النبوة بعد المجزرة، استعراضاً لهم في الفلوات، وبين المدن والعواصم. فكأنها؛ أي كربلاء بذلك مصبّ كل مأساة وبلوى جرت على آل البيت، دون التهوين مما جرى بعد وقعة الطف بسنوات.

وبالعودة إلى موضوع اللغة أيضاً، ربما تجدر الإشارة إلى ما ذكره محقق الديوان، من أنه لم يجد ألفاظاً - في بعض القصائد - في معاجم اللغة العربية «ولم نسمع بها ولعلها كانت مستعملة لديهم، لكنا أشرنا إلى عدم توصلنا إلى معناها أو ذكرنا إلى أقرب المعاني التي يمكن حملها عليه...».

وعلى رغم إشارتنا إلى جانب المباشرة في بعض مفردات وصور القصائد؛ والمفردات الممعنة في أصالتها، من تلك الحبيسة في المعاجم؛ إلا أنها عموماً جاءت خلاف ذلك في مساحات كبيرة من بعض أبيات القصائد؛ ولم يذهب المبارك في الرثاء والنعي على عجل كما هو مألوف عند كثير من الشعراء؛ إذا جاءت مقدمات قصائده ممهدة لعاطفة جيَّاشة ودفّاقة سكبها في انتقالات بين متطابق الألفاظ وأضدادها، في سحْر بيان لا يغيب عن صاحب ذوق ومَلَكَة حس وتصوير وموهبة تجلّت في الدقيق من الوصف.

احتلت الشروحات، وتقديم الإضاءات لأسماء الأعلام التي وردت في القصائد وغيرها مساحة كبيرة من الديوان، وتكاد تتجاوز المساحة التي احتلتها القصائد، غطّتْ أدق التفاصيل والإشارات فيها، ويكشف ذلك عن مكانة وسعة اطلاع من المحقق آل مبارك، ساهم من خلالها في ما يشبه «المتنفس والاستراحة» والانتقال إلى تنويعات تاريخية ولغوية، إضافة إلى التنقل بين الروايات، لاشك أنها أحكمتْ بذلك تقديم الديوان في أحسن وأجمل صورة.

ومن الملاحظات الأولية، أن بحور قصائد الديوان غلب عليها كل من: بحر الكامل، الطويل، البسيط والوافر، فيما كانت القصائد الأخرى على بحور: الرمل، الرجز، الخفيف، السريع، والبحر المتقارب.

الأعمال الشعرية الكاملة

أما ديوان «الأعمال الشعرية الكاملة» للعلَّامة المبارك، فتم ترتيبه بالنظام الهجائي نفسه في ديوان «المراثي الحسينية»، واشتمل على قصائد في أغراض وموضوعات متعددة، بدأها ببحر الوافر ضمن مقاطع كتبها العلامة المبارك إلى بعض أصدقائه، من بينهم صديقه محمد عبدالله اللنجاوي، وأخرى من بحر الهزج (مترادف) في الخصام الخيالي، ومن الخفيف (مترادف)، قصيدة تتناول خطاباً خيالياً، كما احتوت المجموعة الكاملة قصيدة تمثل تأريخاً لضريح العلامة الشيخ حسين، ومن طريف القصائد احتواء المجموعة على قصيدة كتبها «مُلغّزاً» بالإنجليزية الممزوجة بالعربية من بحر الهزج، وأخرى ضمن خطابات خيالية فلسفية من البحر الطويل. وتغلب على قصائد الفصول الأولى صفة المقاطع، ضمن أبيات بين خمسة أبيات وعشرين بيتاً، بخلاف ديوان «المراثي الحسينية» الذي جاءت قصائده كمشروعات اشتغل عليها بتركيز ودقة.

بينما في الفصول التي تبدأ من «الثاء»، تذهب القصائد في سياق مكتمل ضمن موضوع واحد، تتخلله مقطوعات متناثرة لا تنأى عن الموضوع نفسه.

المجموعة الكاملة التي تتكون من 614 صفحة تنوعت فيها موضوعات القصائد التي تراوحت بين العتاب والمداعبة والألغاز، وكما أسلفنا، التأريخ لأضرحة ومناسبات دينية واجتماعية، والفلسفيات، والكتابة إلى المسئولين في شأن من شئون المنطقة أو الناس، وردود على بعض الشعراء، من بينهم أبي العلاء المعري، والتي جاء فيها:

أبا العلاء المعري

ومن يضاهيك صُولوا

أنتم خفافيش ليل

إذا عسسْتمْ فجولوا

إذا ادلهمّ ظلامٌ

فإن قصرتم فطُولوا

يذكر، أن صاحب ديوان «المراثي الحسينية»، العلامة الفقيه الشيخ إبراهيم المبارك، ولد في قرية الهجير، من قرى توبلي سنة 1326هـ. توفي والده المرحوم الشيخ ناصر وهو طفل عمره أربع سنوات فكفله أخوه الشيخ محمد حسين فتولى تربيته وتعليمه.

ينتمي إلى عائلة معروفة لها امتدادها في أطراف الجزيرة العربية، وتاريخ عريق وهي عائلة آل مبارك، وهي من العوائل المحافظة والمتدينة والمثقفة، على رغم اختلاف انتمائها العقائدي الذي شكلته طبيعة البيئة التي تنوعت وامتدت بين العراق إلى جنوب الجزيرة.

تتلمذ في المقدمات من مبادئ اللغة العربية والفقه والأصول والمنطق وعلم الكلام على يد أخيه، وقرأ على العلامة الشيخ محسن العريبي في علم الأصول والحساب، ثم لازم العلامة الفقيه الشيخ خلف آل عصفور، ولما توفي أستاذه الشيخ خلف هاجر إلى النجف الأشرف.

حاز على إجازات جمْع من علماء النجف الأشرف في الاجتهاد والرواية، وتولى الأمور الحسبية، وإقامة صلاة الجمعة، ثم عاد إلى موطنه وقطن قرية عالي، فذاع صيته.

من تلامذته: المرحوم الشيخ أحمد العصفور، المرحوم الشيخ سليمان المدني، ابنه الشيخ حميد المبارك، الشيخ حسن مكي الغريب، الشيخ علي عبدالله الشهركاني، الخطيب الحاج عثمان عبدالله العالي، الشيخ حسن الكرزكاني، ومحقق الديوان، علي آل مبارك.


من شعره في رثاء الحسين (ع) من بحر الخفيف

إنَّما الدهرُ دَوْلةٌ وتفادي

فنزوعٌ عن أمره وتمادي

لكَ يوماً حزْنٌ ويوماً سرورٌ

ووئامٌ يوماً ويوماً تَعَادي

والليالي منها لياليَ بِيض

مسْفِرٌ وجهها ومنها الدَّئادي

وعلى الأرض من وليد وميْتٍ

وافدٍ جاءها وآخرَ غادي

وقصور شِيدَتْ وأخرى تخوَّتْ

وتسامى نادٍ وصوَّح نادي

وعروش طاحتْ فأوحشَ وادٍ

وعروش شادتْ فآنسَ وادي

ومقالٍ لغى فأُخرسَ شادٍ

ومقالٍ دوى فأنطق شادي

ومليٍّ له جميل الأيادي

راح صُفْر اليدين يرجو الأيادي

ورشادٍ مبدّلٍ بضلال

وضلال مبدَّل برشَادِ

وهدىً بيّنٍ وغيٍّ صريح

كل قوم لهم مضلٌّ وهادي

إلى أن يقول:

لست أنسى أهل العبا ورسول الـ

ـله فيهم والدهر سهْل القيادِ

في هناء من الحياة وعيش

تتوالا نعْماؤه بازديادِ

وطمأنينة بنيل الأماني

وابتعاد من ظالم ومعادي

وإذا بالزمان أخْنى عليهم

ونحاهم بغصّة ونكَادِ

ورماهم بكل داء عضال

وأعادٍ مجاهرين لِدَادِ

وأشدُّ الخطوب مما دهاهم

نكبة ما لحزنها من نفادِ

أي يوم بكربلاء عظيمٌ

جلْبَبَ الدِّين والهدى بسوادِ

ترجف الأرض يوم ظل عليها

جسد السبط عافراً بالوهادِ

والسموات تقشعرُّ اهتزازاً

لعمادٍ محطّم بالعوادي

وبَكَتْه المكوّنات جميعاً

من شِدَاد رفيعة أو مِهَادِ

قتَلتْه أمية غضِب الله

عليها ولا سقتْها الغوادي

ترتوي البِيض والقنا والروابي

من ينابيع قلبه وهو صادي

ويُخلَّى ملقىً بغير وسادِ

يا بنفسي ملقىً بغير وسادِ

ويُعرَّى لو لم تمُد عليه الريح

ضافي مطارفٍ وبِجَادِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدَّئادي: جمع دأْدَاء، وهي من الليالي شديدة الظلمة.

تخوَّتْ القصور: تساقطتْ وتهدَّمتْ.

الأيادي: جمع يد بمعنى النعمة.

اللداد: جمع لدود، وهي صفة للعدو والخصم، بمعنى، شديد الخصومة.

الغوادي: جمع غادية وهي السحابة تنشأ فتمطر غدوة، وقيل السحابة التي تنشأ غدوة.

البِجَاد: كساء مخطط من أكسية العرب.

الفقيه الشيخ إبراهيم المبارك
الفقيه الشيخ إبراهيم المبارك

العدد 4440 - الأحد 02 نوفمبر 2014م الموافق 09 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:41 م

      رحمه الله

      رحمه الله كان واثقا من نفسه مستقلا بقوله الميزة التي لم يتخلى عنها حتى حين يخالف برأيه كل الجمهور، مع غض النظر عن موضع الصواب معه أو عليه.

اقرأ ايضاً