«ما قبل صفعة البوعزيزي في تونس ليس كما بعدها»، حقيقة باتت جميع الدول العربية على قناعةٍ تامةٍ بها، على الرغم من مكابرة بعض الأنظمة بالاعتراف بوجود أزمةٍ وخلل هيكلي يعتريها، وبالتالي فهي لاتزال مصرّةً على الاستمرار بسياساتها المتفردة، وبين شعوب صحت من سباتها.
«صفعة البوعزيزي» لم يكن صداها وتأثيرها محدوداً في بلدة صغيرة، ولم تقتصر على الدولة التي يعيش فيها، بل امتدت لتشمل معظم الدول العربية كأحجار الدومينو. دولٌ تفجرت فيها الأزمات من بعد تونس، ودولٌ لازال الجمر يستعر تحت الرماد فيها، ولكن «حذارِ! فتحتَ الرماد اللهيب» كما يقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، والسبب واضح وهو أن مشاكل الشعوب العربية متشابهة.
«صفعة البوعزيزي» رفعت الغشاوة عن أعين معظم الشعوب العربية التي استعادت وعيها فجأة، بعد غيبوبة استمرت عقوداً وعقوداً من الزمن لتصحو، وتتساءل بدهشة: لماذا نعيش الفقر والحرمان؟ لماذا تتفشى البطالة بيننا؟ هل نحن دولٌ فقيرة؟ وأين ثروات البلاد ومداخيلها؟ وأين كرامتنا؟ وكيف سمحنا لفئةٍ قليلةٍ أن تتحكّم وتستأثر بمقدرات البلاد والثروات الوطنية؟ أليست هذه حقوقنا؟ لماذا يبخل الوطن علينا برغيف خبز؟ ولماذا يضيق علينا وطننا برصيف جانبي نبيع خضاراً لنوفّر ما يسدّ رمق أطفالنا؟
هذه الصحوة العربية وإن دفعت المواطن العربي للتأمل في واقعه والتحرك نحو تغييره، إلا أن انقطاع صلة الوصل بين الماضي (النظام القديم) والحاضر (القوى المجتمعية والشبابية والأحزاب التي لم تسمح لها الأنظمة بممارسة العمل السياسي بصورته الصحيحة من قبل)، أدّى إلى انتشار الفوضى والاضطرابات في مختلف الدول التي شهدت تحركات شعبية.
أعتقد أن الفوضى في العالم العربي ستستمر إلى حين الوصول للربيع الذي ينشده الجميع، ولكن الطريق قد يطول، ربما لسنوات عشر عجاف، وربما أكثر من ذلك أو أقل، كل ذلك بأيدينا نحن العرب جميعاً. الكل على ثقةٍ - كابرنا أو أقررنا - أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، ولكن كيف نستطيع أن نحوّل هذه الفوضى وهذه الطاقات التي باتت تتشتت يميناً ويساراً، وتستخدم وقوداً لتناحر طائفي هنا أو في حرب هناك، لنعيد توجيه بوصلتها نحو مكانها الصحيح.
هذا الواقع المزري بحاجةٍ إلى وقفةٍ جادةٍ ومتفحصة، ننظر إليها بعينٍ بصيرة، ونبحث عن حلول لها وحولها، وأن نواجه الحقائق لا أن نغمس رؤوسنا في الرمال، فليس من المعقول أن يعاني أكثر من 40 مليون عربي نقصاً في التغذية وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو»، إلى جانب 100 مليون عربي يعيش تحت خط الفقر.
وليس من المقبول أن ترتفع نسبة البطالة في مجتمعاتنا إلى %11.5 وفقاً لما أوضحه تقرير منظمة العمل الدولية للعام 2014، الذي أكّد على أن البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتفشى بين الشباب، وأنها تعتبر ثاني أعلى نسبةٍ في العالم، في حين متوسط نسبة البطالة عالمياً لا تتعدى %6 .
العبور من الفوضى إلى الربيع، والتحكم في هذه الفترة الانتقالية واختصار الزمن، يقع على عاتقنا جميعاً. كما أن المجتمع بحاجةٍ إلى من يقوده ويوجه طاقاته إلى مكانها الصحيح.
أوتاد بناء البيت العربي لا يجب أن ترتكز على الأوهام وبيع الأحلام، كما سعت إلى ذلك بعض الحركات التي وصلت إلى السلطة بعد انهيار الأنظمة في تلك الدول، وإنّما على رؤية ثاقبة تضع تحقيق المساواة والعدل في توزيع الفرص والثروات بين المواطنين، وأن نعيد ثرواتنا لنعمر بها بلادنا، بدلاً من بقائها أرقاماً في الدول الغربية، ونحن نرى حجم رؤوس الأموال العربية في الخارج (بين 1.2 و2.4 تريليون دولار) وفقاً لتقديرات سابقة للمدير العام لمنظمة العمل العربية السفير أحمد لقمان.
يجب أن يشعر المواطن بكرامته في وطنه، وأن يصل رغيف الخبز لأسرته، وأن يشارك في صناعة وطنه، وبذلك سنقدر على اختصار الزمن ونصل إلى أزهار الربيع.
إقرأ أيضا لـ "خالد جناحي"العدد 4439 - السبت 01 نوفمبر 2014م الموافق 08 محرم 1436هـ
علينا التواصل المسستمر
شكرا جزيلا. مقال رائع و دقيق. بصفتك مصرفي بحريني مشهور، ما ذا فعلت للقضاء على البطالة. أنت تعلم أن البحرين بها كثير من البحرينين المؤهلين. هل اخترت منهم؟
البحرين تحتاج تفاهم و تواصل بين الحاكم و المحكوم.
متميز
مواضيعك متميزة جداً وبدأت أتابعها ان الأغلبية على ما اعتقد بحاجة الى كذا خطابات عقلانية وهادئة ولا تحتوي على تكرار المظلومية التاريخية والتمييز والانحياز الطائفي او السذاجة السياسية . شكرًا اخ خالد وقد نلتقي يوما ما . مواطن غير ملطخ بالمستنقعات الطائفية،